رجب البنا فى كل أزمة، وفى كل محنة يقول العرب: أين مصر، وتقول مصر: أين العرب لنواجه الخطر معنا.. صفا واحدا.. وليسمع العالم صوتا عربيا واحدا. يقول العرب إن مصر هى الشقيقة الكبرى ومسئوليتها العربية أكبر، وهذا صحيح، لكن مصر وحدها لا تستطيع بدون اجتماع الإرادة العربية، ومصر تنبه كل يوم إلى خطورة الذين يتهربون من مسئوليتهم العربية ويختلقون الحجج للتهرب ويتهمون الجميع ليبرئوا أنفسهم، ولا يتحرجون من الصياح: أين مصر؟ ولا يسألون أنفسهم: أين نحن؟ وماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل فى هذه اللحظة التاريخية، وقد ضرب الزلزال أكثر من دولة عربية ودمر بعضها ويسعى إلى تدمير الباقى، وبعض العرب - مع الأسف - وقعوا فى فخ القوى الكبرى، والقوى الكبرى هدفها أن تتمكن من إحكام السيطرة على العالم العربى، لكى توقف عجلة التقدم وتعمل بأساليب شيطانية على تحويل كل دولة عربية إلى جزيرة منعزلة يسهل ابتلاعها، ولم يتبق للعرب إلا طوق النجاة الوحيد فى تجمعهم ليصبحوا يدا واحدة، وصوتا واحدا، وتربط كل دولة مصيرها بمصير سائر الدول العربية، وتتحقق بذلك الحماية للجميع بدلا من أن تنهار كل دولة عربية منفردة واحدة بعد الأخرى، والحكمة العربية علمتهم أن يد الله مع الجماعة. وفى الفخ المنصوب للدول العربية محاولات مستميتة لمحو الإيمان بالعروبة، وبالمصير المشترك من العقول، والإساءة إلى من نادوا بها وضحوا من أجلها، وفى الفخ محاولات لمحو الذاكرة العربية حتى تغيب ذكريات الانتصارات التى حققها العرب عندما تجمعوا، وآخرها نصر أكتوبر 1973 الذى وقف فيه العرب وقفة الرجال، وفى الفخ محاولات لمحو الشخصية العربية وتغيير القيم والثوابت العربية تحت دعاوى مختلفة. ولو أن الذين وقعوا فى الفخ استعادوا الوعى وتعلموا من دروس التاريخ لأدركوا أن الفكرة العربية ليست من صنع أحد، ولا فضل فيها لأحد، وأنها تعبير عن الواقع الذى يتجاهلونه، والواقع أن العوامل التى تجمع العرب أكثر وأقوى مائة مرة من الدعاوى التى يمكن أن تفرقهم، تجمعهم الثقافة والقيم والتاريخ واللغة، والمصالح الواحدة، والعدو المشترك، والخطر الذى يهددهم جميعا دون استثناء، بينما العوامل التى تفرقهم دخيلة وطارئة ولا تحقق إلا مصالح قوى لا تريد لهم الخير، والضغوط الواقعة على الدول العرب هدفها التمكين لسيطرة القوى والمصالح الأجنبية، ولن يرضيهم أن يجدوا العرب فى موقع قوة، والدول التى تخلصت من التبعية هى التى حققت التقدم، استعادة الإرادة الحرة والقدرة على الفعل هى الحل. وسوف يندم كثيرا فى المستقبل القريب كل من يشكك فى حتمية التكامل العربى، سوف يندم كل من يعمل على هدم الجامعة العربية أو إصابتها بالشلل، سوف يندم كل من يفكر فى أن سياسة «أنا وبعدى الطوفان» يمكن أن تحقق له النجاة من الغرق، وكما كان النبى نوح عليه السلام يدعو قومه كل يوم وظل يدعوهم مئات السنين وهم مستسلمون للجهل والعناد والأنانية، إلى أن جاءهم الطوفان ولم يعد الندم مجديا. اليوم يصم البعض آذانهم عن الدعوة إلى التكامل الاقتصادى الحقيقى وإلى إعادة ترتيب البيت العربى وإعادة الروح إلى الجامعة العربية، وإنشاء مؤسسات ومشروعات كبرى مشتركة للأبحاث العلمية وإنتاج التكنولوجيا الحديثة، وإصلاح وتوحيد مناهج التعليم وإعداد الأجيال الجديدة بمواصفات القرن الحادى والعشرين. بصراحة وأمام المخاطر التى لم تعد خافية ليس أمام العرب إلا أن يتوحدوا إذا أرادوا حماية أوطانهم ومصالحهم ومستقبلهم، وأمام طوفان العولمة ومخاطرها وأمواجها العاتية لن ينجو إلا من يقفز إلى سفينة نوح قبل فوات الأوان، وبقاء الوضع العربى على ما هو عليه خطأ تاريخى لا يغتفر، لأنه وضع مختل، والمظلة العربية هى الخيار المأمون والمضمون، وكل من يلجأ إلى مظلة أجنبية سوف يندم حين لا ينفع الندم، وإن كانت بعض الدول العربية مدركة لهذه الحقائق، فإن البعض لا يزال مغيبا وغارقا فى الأوهام، وربما كان النداء للوحدة اليوم هو النداء الأخير ونحن فى عصر لا مكان فيه إلا للكيانات الكبيرة، والنجاة لن تكون إلا لركاب سفينة نوح.