لماذا فشل التكتل العربي الاكبر في تحقيق تطلعات ابنائه، فيما نجحت تكتلات اقليمية وعالمية اخرى في الوصول إلى الاندماج والتكامل، وتحقيق تطلعات شعوبها؟. هذا التساؤل تطرحه الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج دون ان تجد مبررا مقنعا ل «تواضع» - اذا خففنا المصطلح بدلا من الفشل - الدور الذي تضطلع به جامعة الدول العربية منذ تأسيسها قبل اكثر من نصف قرن، وظل اجتماعها الاكبر - القمم العربية - مجرد ظواهر «احتفالية»، يلتقي القادة - اذا ما حضروا - للتعارف وتبادل التحايا وتناول أفخر انواع الاطعمة على موائد بها ما لذ وطاب، والحديث عن كل شيء، تطلعات شعوبهم، والبحث عن الآليات الكفيلة التي تضمن تطوير العمل العربي «المتلخبط»- عفوا المشترك - وتحقيق الحد الادنى من الرضا لدى الشعوب العربية. على مدار العقود الماضية ظلت الاحلام احلاما، وظلت الوعود تراوح مكانها، وظلت القمم العربية تنتقل من عاصمة لأخرى، مصحوبة ب «جيش» من الوزراء والمسؤولين والمرافقين لكل زعيم عربي يحضر هذه القمم، فيما الفائدة الفعلية التي تخرج من هذه القمم، وما تسفر عنه من عمل على ارض الواقع، يخجل المرء للحديث عنها، بل لا يجد شيئا على ارض الواقع ليتحدث فيه، مقارنة بالعمر الزمني لهذه القمم، وما ينفق عليها تحضيرا واعدادا ومشاركة... اضافة إلى التوافق الذي يفترض ان يكون موجودا وقائما بين الدول العربية، قادة وشعوبا. البعض يقول انه من الظلم مقارنة مسيرة جامعة الدول العربية والقمم العربية بالمجموعة الاوروبية والاتحاد الاوروبي، ويستشهدون على ان العالم العربي خلال فترة تأسيس الجامعة - 22 مارس 1945- كان غالبية دوله اما تحت الاحتلال أو الانتداب، اضافة إلى حالة من الجهل والتخلف اللذين يسودان المجتمعات العربية، فيما المجموعة الاوروبية والاتحاد الاوروبي - 9 مايو 1950- تعيش دوله تطورات كبرى، وحققت شعوبه تقدما في مختلف المجالات، ولكن السؤال ايهما اكثر تقاربا وتجانسا وتكاملا.. العالم العربي ام الدول الاوروبية؟. لا نريد إعادة بحث تاريخ اوروبا، والحروب التي شهدتها في مراحلها، وانهار الدماء التي سالت بين شعوبها، ولكنها على الرغم من ذلك تجاوزت كل تلك المرارات، وتعالت على آلامها، ووضعت مصالحها المشتركة، ومصالح شعوبها فوق اي اعتبارات، وعملت على بناء الغد من اجل اجيالها، وها هي اليوم تتداخل مصالحها، وتندمج اقتصاداتها، وتنصهر شعوبها في بوتقة واحدة، على الرغم من ان الاختلاف الكبير في الثقافات والعادات، بل واللغة كذلك، ولكن كل ذلك لم يمنع من التوجه لمخاطبة العالم اجمع بلغة واحدة، والتحرك بجسم واحد، والتحدي للتحديات بقرار واحد. لا اقول انه لا توجد خلافات بين الدول الاوروبية، ولكن انظروا كيف يعالجون خلافاتهم، وانظروا كيف يضعون مصالحهم فوق اي اعتبار. ليست اوروبا هي اليوم كتلة واحدة، بل انظروا إلى الدول الآسيوية «الاسيان»، كيف كانوا وكيف اصبحوا، تجربة بحاجة إلى التوقف عندها، فاذا كنا نخجل من الاستفادة من التجربة الاوروبية، ونقول ان تلك التجربة ولدت ناضجة، على اعتبار ان دولها كانت متقدمة وقت اعلان ولادة تلك المجموعة، وانه لا يجوز مقارنة هذه التجربة بالواقع العربي، ماذا عن تكتل «الاسيان»، لماذا تغض دولنا العربية الطرف عن هذا التكتل، وهذا المارد الآسيوي القادم، اليست تجربة «الاسيان» يمكن ان تكون مثالا يحتذى به لتطوير منظومتنا العربية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية...؟. في المقابل كيف هو الحال في العالم العربي، تاريخيا نحن امة واحدة، شعوبنا متداخلة بعضها ببعض في اكثر من دولة، لغتنا واحدة، مصيرنا واحد، عاداتنا وقيمنا وثقافتنا... كلها تنبع من نبع واحد، ولكن نحن ابعد ما نكون عن مواجهة التكتلات العالمية الند بالند، أو على اقل تقدير بلغة واحدة. لماذا لم تحقق قممنا العربية النجاح الذي تتطلع اليه شعوبنا العربية؟ لماذا ظلت هذه القمم تمثل «فقاعات» اعلامية سرعان ما تذهب بعد اعلان ختام اي قمة؟ لماذا لم يعد المواطن العربي ينتظر هذه القمم، ولم تعد تشكل له هاجسا؟ لماذا الاهتمام الشعبي العربي بالانتخابات الامريكية وبالدوري الاورربي وبجولات رؤساء امريكا اللاتينية وبما يحدث في التبت... اكثر من الاهتمام بأي قمة عربية أو بالنتائج التي ستسفر عنها؟ بل ان المواطن العربي اليوم يهتم بكل شيء في العالم الا القمم العربية.. لماذا؟ الم يسأل زعماؤنا وقادتنا في العالم العربي انفسهم هذا السؤال.. لماذا المواطن العربي «غسل» يده من اجتماعاتهم وقممهم؟ الاجابة بكل بساطة ان هذه القمم باتت تركز على اهتمامات الزعماء، وامن الزعماء، وتحرك الزعماء... ولا تلتفت إلى آمال وآلام وتطلعات الشعوب، اين يأتي امن الشعوب العربية ضمن اولويات القمم..، هذه هي الحقيقة التي نرفض الحديث عنها، أو الاشارة اليها. المجموعة الاوروبية خطوة اتحادها بدأ من الاتفاق على اسعار «البطاط» و«الطماطم» والمواد الغذائية التي تشكل هم المواطن الاوروبي، بينما جدول اعمال القمم العربية واللجان المنبثقة عنها، لم تبحث يوما كيف يمكن ان تلامس قرارات هذه القمم هموم المواطن العربي البسيط، ولم تبحث الخطوات العملية التي يمكن ان نوجد تكاملا بين اقتصادياتنا العربية ولو على مستوى «البطاطس». هذا ليس جلدا للذات، ولكن حقيقة مرة، يجب التوقف عندها، فلا يجب على الاجيال العربية القادمة الانتظار لمائة عام قادمة لتعالج مسيرة العمل العربي «غير المشترك «- للاسف الشديد - فالعالم العربي ليس لديه عمل مشترك نواجه به التكتلات العالمية، حتى تلك التكتلات التي ولدت بالامس. نعم في عالمنا العربي كتب لبعض التجارب على صعيد التكتل النجاح إلى هذه اللحظة، كما هو الحال بالنسبة لاتحاد دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة، وبمنظومة مجلس التعاون الخليجي، الذي تجاوز عمره 27 عاما، ولكن في المقابل هناك تجارب وتجمعات عربية حكم عليها بالفشل، كما هو الحال بالاتحاد العربي وبالاتحاد المغاربي، وقبل هذا وذلك مسيرة جامعة الدول العربية «متعثرة» ولو لا «العيب» لأعلن عن «وفاة» هذه الجامعة منذ عقود. صحيح ان مسيرة جامعة الدول العربية واجهت تحديات عديدة، وحروبا مختلفة، ولكن كان يفترض ان مثل هذه التحديات تجعل من الجامعة - التي هي انعكاس لواقع الدول العربية - اكثر صلابة، واكثر اصرارا على النجاح، وخلق منظومة عربية متحدة ومتكاملة، ولكن هذا لم يحدث، بل كل ازمة تتعرض لها منطقتنا العربية، بدلا من ان تجمعنا، تدفعنا لمزيد من التشرذم والتفرق والانقسام، كما هو واقعنا العربي اليوم، فعلى الرغم من التحديات الجسام التي تواجه مسيرة هذه الامة، وتهدد مستقبلها، الا ان ذلك قد زاد من الانقسام العربي. فاذا كانت القضية الفلسطينية لم تعد تمثل هاجسا للعرب، واذا لم يعد العراق والنفق المظلم الذي دخله، واذا لم يعد لبنان والمأزق الذي يعيشه ويهدد كيان هذا البلد، واذا لم يعد السودان وازمة دارفور، واذا لم يعد الصومال والحرب الاهلية التي يعيشها،...، اذا لم يعد الخطر «الاسرائيلي» يمثل تهديدا لمستقبل امتنا....، اذا كانت كل هذه المخاطر لم تعد تمثل تحديات تفرض على القادة والزعماء العمل من اجل التصدي لها، والوقوف بحزم لمنعها، والتكاتف قبل ان يصل «الطوفان» لجميع دولنا العربية، فمتى سنستشعر الخطر، وسنعمل على توحيد الصف من اجل البقاء؟. نعم البقاء، عالم اليوم لا يعترف الا بالاقوياء،.. الاقوياء اقتصاديا وسياسيا واعلاميا واجتماعيا وثقافيا...، لا تصدقوا ان التكتلات العالمية الكبرى، و«اقوياء» هذا العصر سوف يقدمون لنا الحماية من اجل «سواد عيوننا»، اذا لم نكن نحن اقوياء فلن يكون لنا موطئ قدم في عالم اليوم. من مصلحة كل دولة عربية التكاتف مع شقيقتها، لتكبر الدائرة وتتعزز القوة العربية، ويستنهض العمل العربي ليكون بالفعل عملا عربيا مشتركا، وليس مشرذما. لا اعتقد ان الخلافات الحالية بين الدول العربية - مهما بلغت - لا يمكن حلها، نحن بحاجة إلى ايجاد لغة حوار، وان ننطلق من العناصر المشتركة فيما بيننا، ونترك الخلافات أو الاختلافات جانبا، ونبني على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه... عناصر الالتقاء بين دولنا كثيرة ولا تقارن بعناصر الخلاف، يكفي ان شعوبنا هي الرصيد الفعلي في الرغبة الاكيدة لتعزيز العمل العربي. مصلحة اوطاننا وشعوبنا تقتضي النهوض بالعمل العربي، و«نفض الغبار» عن مسيرة جامعة الدول العربية والقمم العربية، والانطلاق نحو بناء المستقبل لاجيالنا، يكفي ان جيلنا يحمل اوزارا ربما ليس شريكا في وقوعها... لا نريد ان تأتي الاجيال القادمة لتعلن جيلنا، فأي تأخر في النهوض بالعمل العربي يترتب عليه تخلفا اكبر، وخسارة فادحة.. يجب العمل على وقف الانهيار العربي.. يجب ان تتلاقى تطلعات شعوبنا مع طموحات قادتنا في العالم العربي، والسعي الحثيث لمعالجة هذا الواقع المرير الذي نعيشه. شعوبنا في مجملها تنظر باحترام إلى قادتها، وتتطلع إلى ملامسة همومها وآلامها.. تريد نقلة في الاداء العربي، ولو خطوة واحدة إلى الامام، حتى تشعر هذه الجموع بان هناك تحسنا ورغبة بالتطوير، ووقفا - على اقل تقدير - للانهيار العربي على كل صعيد. لا نريد للقمم العربية ان تكون مجرد رقما يضاف إلى قائمة من الارقام التي سبقتها في كل مرة،... امتنا.. شعوبنا تستصرخ قادتنا الالتفات بجد إلى هذه الامة قبل فوات الاوان، وقبل ان يأتي الطوفان، ليأخذ في طريقه الاخضر واليابس.. دولا.. شعوبا.. وعندها لن ينفع الندم.