يخسر مجلس التعاون لدول الخليج العربية أية مقارنة مع الاتحاد الأوروبي على صعيد كمية ونوعية الإنجازات التي تحققت، على الرغم من الأخذ في الحسبان الفارق الزمني بين عمر التجربة الإقليمية في كل من الخليج وأوروبا، والذي يقدر بحوالي ثلاثين عاماً . لا تعتبر المقارنة مع الاتحاد الأوروبي مغلوطة في حد ذاتها، إذ إن كليهما يجسد من الناحية النظرية مشروعاً لبناء منظومة ذات صفة “فوق قومية” تضم في عضويتها مجموعة من الدول الوطنية، توافق من خلالها هذه الدول بشكل طوعي على التخلي عن أجزاء معينة من سلطاتها في تشريع السياسات، لتنتقل هذه الصلاحيات إلى أجهزة هذه المنظومة الإقليمية، لتضطلع هذه الأخيرة برسم السياسات الموحدة في المجالات المختلفة، يتم تطبيقها بعد ذلك من قبل الدول الوطنية الأعضاء . ومن الناحية النظرية أيضاً، فإن الهدف من صنع السياسات الموحدة في المنظومة الإقليمية هو صياغة درجة من التكامل بين الدول الأعضاء، يطال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأمنية، وقد يصل إلى الجوانب السياسية أيضا . في الوقت الذي يمكن أن تفخر شعوب الاتحاد الأوروبي بتحقيق واقع عميق ومتنوع من الأداء التكاملي المتقدم في جوانب مهمة ومتزايدة من الحياة الأوروبية، فإنه ليس أمام شعوب مجلس التعاون سوى أن تتحسر على واقع الأداء التكاملي السطحي والهش والمحدود الذي لا يزال بعيداً عن الحدود الدنيا من التوقعات النظرية . وإن كانت نظرية التكامل الإقليمي تهدف إلى تشكيل تكتل إقليمي قوي على الساحة الدولية، تتمكن الدول الأعضاء من خلاله من لعب أدوار متماسكة واتخاذ مواقف متكاتفة وممارسة نفوذ متعاظم تجاه المسائل والمواقف التي تزخر بها الحياة العالمية المعاصرة، فإن الاتحاد الأوروبي يجسد المثال الأكثر قرباً من صنع التكتل الإقليمي المتماسك والمتكاتف والنافذ، على الرغم من وجود استثناءات معينة لا يبدو فيها الاتحاد الأوروبي قادراً على السلوك في هيئة التكتل الواحد . بيد أن التكتل الأوروبي في أسوأ حالاته لا ينحدر إلى التفكك إلى التكتلات المتناحرة، ولا تدخل دوله في اصطفافات ومخاصمات، وسرعان ما تعترف حكومات دوله بوجود خطأ الانقسام، وتسارع إلى رأبه . مرة أخرى، يبدو مجلس التعاون الخليجي من المنظور المقارن عاجزاً عن السلوك في الساحة الدولية في هيئة التكتل الإقليمي المقنع، ولا تزال السياسات الخليجية جملة من السياسات الوطنية التي تعلنها وتسلكها كل دولة خليجية مفردة، وبالشكل الذي لا يزال معه هدف صياغة واقع التكتل الإقليمي أشبه بالأمنية بعيدة المنال . إن الإخفاق الخليجي في تحويل الوعود النبيلة لنظرية التكامل الإقليمي إلى سياسات وسلوكيات واقعية يعتبر أمراً مؤسفاً للغاية، خاصة في ضوء حقيقة أن الظروف الخليجية هي في مجملها مواتية تماما لتحقيق أهداف تكامل السياسات وصناعة التكتل الإقليمي بشكل لم يكن متوفراً لدى الأوروبيين في يوم من الأيام . فمن ناحية مبدئية، يبدو من المنطقي الاعتقاد أن تحقيق هدف رسم وتنفيذ وفرض السياسات الموحدة بين الدول الست في مجلس التعاون ينبغي أن يكون أسهل بكثير من تحقيق هذا الهدف في المنظومة الأوروبية التي تضم سبعاً وعشرين دولة . كما أن تحقيق هدف التكامل بين شعوب الاتحاد الأوروبي التي يصل تعدادها إلى نحو نصف مليار نسمة ينبغي أن يكون أصعب من تحقيق ذلك بين الدول الخليجية التي لا يصل تعداد سكانها إلى نحو عشرة في المائة من التعداد الأوروبي . وبكل تأكيد، فإن تحقيق التكامل بين الدول الخليجية التي تتحدث لغة واحدة وتدين بدين واحد ينبغي أن يكون أيسر من تحقيق التكامل بين الدول الأوروبية التي تتحدث ثلاثاً وعشرين لغة رسمية مختلفة، وتتعدد فيها المذاهب الدينية . إن أداء مجلس التعاون يخيب كافة هذه التوقعات المنطقية، وذلك بالشكل الذي يدفع إلى الاعتقاد أن هذه المنظومة هي في حقيقة الأمر تفوّت كافة المقومات والفرص المواتية لنقل النظرية التكاملية إلى حيز الواقع . كما أن الإخفاق التكاملي الخليجي يعد لغزاً محيراً بالفعل . فمن ناحية أولى، كيف تقدم الدول الخليجية ذات الطابع السياسي المحافظ في نظم الحكم السائدة على خوض تجربة التكامل الإقليمي التي تستند في جوهرها إلى الفلسفة الليبرالية التي تبرر وتدعم نقل الصلاحيات والسلطات الوطنية إلى المؤسسات فوق القومية؟ ومن ناحية ثانية، كيف نفسر قبول الدول الخليجية لمفهوم العولمة، والاجتهاد في التعامل معها، بل وإعلان هذه الدول عن تحقيق نجاحات كبيرة في اقتناص الفرص التي توفرها آليات العولمة في المجالات الاقتصادية والثقافية، وذلك في الوقت الذي يصطبغ سلوك الحكومات الخليجية بالتردد أمام التكامل الإقليمي، على الرغم من أن مفهوم العولمة يعتبر أكثر ليبرالية من مفهوم التكامل الإقليمي؟ إن المعالجة الناجحة لواقع أداء مجلس التعاون تتطلب التفكير في إجابات مقنعة عن هذه التساؤلات النظرية أولاً .