الدكتور أيمن سلامة أثارت التعديلات الأخيرة لقانون الانتخابات الرئاسية في مصر رقم 174 لعام 2005 م العديد من القضايا القانونية، سواء فيما يتعلق بالمواثيق الدولية المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية والمدنية للأفراد، والتي يأتي علي رأسها العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، الذي صدر عن الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة عام 1966 م، فضلا عن الاهتمام الذي أثاره مشروع القانون - الذي اقترحته مؤسسة الرئاسة في مصر - نظرا للأهمية الكبيرة التي تحظي بها " خارطة الطريق " في مصر علي المستوين الدولي والوطني، بالنظر الي أن ذلك القانون سيدشن خطوة كبري في مجال إرساء المؤسسات الدستورية في البلاد التي يظل رأس الجسد أو الدولة فيها يحظي بالقوة المؤثرة في تسيير دولاب العمل ، و حفظ الأمن و النظام و الاستقرار في البلاد منذ قرون خلت . إذا كان مشروع القانون الذي أعدته مؤسسة الرئاسة قد تطرق إلي العديد من المعايير و المسائل القانونية سواء الموضوعية أو الشكلية فيما يتعلق بالعملية الانتخابية بشكل عام ، و المرشحين بشكل خاص ، إلا أن مسألة تحصين أم عدم تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات تظل الشغل الشاغل ، بل الجدل القانوني الذي يستحوذ علي اهتمام جموع المصريين، سواء المتخصصين أو غيرهم .حيث أصبح مشروع القانون المعروض علي الحوار المجتمعي في مصر يسمح بالطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات ، ولكنه حدد أن المحكمة الإدارية العليا حصرا هي المخولة بنظر تلك الطعون وتفصل فيها بحكم نهائي وبات خلال 10 أيام من تاريخ قيد الطعن، حيث بنص المشروع الجديد في مادته رقم (7) على: "يجوز لذي الشأن الطعن في قرارات اللجنة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ونتائجها، خلال مدة لا تجاوز أسبوعاً من تاريخ إخطاره بها وتختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في هذه الطعون بحكم نهائي خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن . جلي أن أي نظام انتخابي حر و نزيه لا يعتمد علي تسجيل الناخبين و الحملات الانتخابية الحرة و المراقبين و الاقتراع السري فحسب ، اذ يجب أن يكون ذلك النظام الانتخابي قادرا أيضا علي التعامل الفوري و المؤثر مع الأنماط المختلفة من الشكاوي و الطعون التي ستثار حتما ، و يقتضي الأمر أن تعالج هذه المسائل من قبل السلطة المستقلة المحايدة ، و هي المحكمة الإدارية العليا - وفقا للمشروع - في الوقت المناسب حتي لا تتأخر نتيجة الانتخابات . لقد التزم المشروع الجديد في النقطة الخاصة بنظر الطعون على قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة بما ينص عليه الدستور الجديد من تحديد المحكمة الإدارية العليا كجهة قضائية مختصة للنظر في هذه الطعون ، مما يجبر جهة الإدارة علي ألا تتنكب عن إعمال صحيح حكم القانون ، و ألا يفلت أي من قرارات اللجنة المتعلقة بالعملية الانتخابية من رقابة القضاء ، و هذه الضمانة المهمة تكشف عن أن قرارات الإدارة أي الجهة التنفيذية في هذا المقام تعبر عن إرادتها الذاتية و ليس إرادة الناخبين . وإذا كانت الدساتير و قوانين الانتخابات في عدد من دول العالم تسند الفصل في الطعون إلي هيئات إدارية محددة تنشأ لهذا الغرض ، فان البعض الأخر من الدول عمدت في دساتيرها أو قوانينها إلي أن يكون القضاء هو المنبر المنوط به الفصل في صحة العملية الانتخابية ، و من هذه الدول مصر حسب المشروع الأخير المتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية . لقد سبق للمحكمة الإدارية العليا في مصر في عام 2000 م أن قضت بأن القرارات الإدارية التي تسبق العملية الانتخابية لا يتمخض عنها عملا تشريعيا أو برلمانيا، و إنما هي من الأعمال الإدارية التي تباشرها جهة الإدارة في هذا المقام ، و أن الفصل في سلامة القرارات الإدارية الصادرة في شأن الإعداد للعملية الانتخابية هو في الأصل اختصاص قضائي لا يفترق عن غيره من الاختصاصات القضائية، فلا تنأي القرارات الصادرة في هذا الشأن عن الرقابة القضائية أو تنسلخ عنها ، واذا كان فاضي المشروعية ، المهيمن دستورا علي كافة مناحي المنازعات الإدارية ، حريصا علي اختصاصه ، فانه لا يقل حرصا علي ألا يتجاوز اختصاصه تطاولا علي اختصاص تقرر لجهة أخري * الدكتور أيمن سلامة- خبير القانون الدولي والدستوري