زينب هاشم «رجل خادمة» هذه أحدث الظواهر التى بدأت تغزو البيوت المصرية فى الفترة الأخيرة، حيث استبدلت سيدات المنازل.. الخادمات من الفتيات والنساء برجال، بعد أن أصبح العثور على خادمة بسعر مناسب، ومواصفات جيدة أشبه بالمستحيل. من هنا وجدت السيدات ضالتهن فى الشباب العاطل الذى يقبل مهمة العمل فى تنظيف المنزل والمساعدة فى تربية الصغار باعتبارها وظيفة تحميهم من لعنة البطالة، وتوفر لهم المسكن والمأكل وراتبا شهريا يوفر لهم ضرورات الحياة..«الأهرام العربى» ناقشت الظاهرة فى هذا التحقيق: البداية كانت مع عبده تشى بوى، الذى شرح لنا بدايات هذا العمل، حيث كان يقوم بتوزيع «كروت دعاية» على السيارات فى إشارات المرور، بمعاونة مجموعة من مساعديه، وكان الكارت يحمل مواصفات شباب يعملون منظفى منازل وجلساء أطفال. ويوضح عبده قائلا: فوجئنا بأن معظم سيدات المنازل تطلب رجالا أو شبابا للخدمة فى منازلهن، لتلافى العديد من المشاكل التى تقع جراء التعامل مع الخادمات من الإناث. ويضيف: هناك من تريد خادما أو جليسا لكبار السن أو للأطفال يقيم بصفة دائمة فى المنزل، وهنا يتم توفير مكان لإقامته. وهناك من تطلب وجود الخادم ساعات النهار فقط، وبالطبع يختلف الراتب حسب ساعات العمل ومهامه، لكنه لا يقل فى المتوسط عن 2400 جنيه شهريا، مشيرا إلى أن معظم العاملين فى هذا المجال من الشباب المصرى أو الأفارقة الموجودين فى مصر من صغار السن، وأنا مسئول عن هؤلاء الخدم، لذلك أحصل على راتبهم من العميلة مباشرة، وهم يحصلون على أجرهم منى بعد خصم نسبة المكتب. ويقول أشرف محمود 33 عاما: أعمل فى مهنة جليس أطفال ولا أعترف بذلك أمام زوجتى أو والدتى، ولكننى لجأت إلى هذه المهنة بعدما عرض على عبده العمل معه، وكنت أعمل فى نفس الشركة التى يعمل بها، ولأسباب خارجة عن إرادتى اختلفت مع مديرى فى العمل وتركت الوظيفة وجلست لأكثر من عامين فى البيت وزوجتى كانت تبحث عن عمل، وأولادى الثلاثة عانوا الكثير لعدم وجود نفقات أو توفير احتياجاتهم وغابوا عن المدارس، وكذلك والدتى وأختى اللتين أتكفل بمصروفاتهما، ووجدت زوجتى وأختى يخرجان للعمل فى البيوت وأنا جالس فى المنزل إلى أن وجدت العمل فى هذه الوظيفة فرصة لحل مشكلاتنا المادية، لكننى أخجل من الاعتراف بأنى أعمل فى هذه المهنة لأننى حتى لا أقبل معاونة زوجتى فى البيت ولدى أصدقاء كثيرون قبلوا العمل بهذا الشكل لحل مشكلة البطالة وإيجاد فرصة للإنفاق على أسرهم. أما سيدة المنزل سعاد منصور وهى أم لخمسة أطفال وسيدة أعمال، فتوضح سبب قبولها لشاب يعمل خادما فى بيتها قائلة: كانت لدى مشكلة دائمة لإيجاد من يعاونى فى المنزل خصوصا أن ظروف عملى كانت لا تتيح لى الفرصة للجلوس فى البيت فترات طويلة ومع كل خادمة كنت أستعين بها أجد بابا لمشكلات داخل البيت لا تنتهى هذا بخلاف أجورهن المبالغ فيها بلا داع، فالأولى كانت تحصل على ثلاثة آلاف جنيه شهريا وسرقتنى وأخرى كانت لا تهتم بالنظافة ووجدت أولادى أشبه بأطفال الشوارع وثالثة تسببت فى مشكلات كثيرة داخل عائلتى أدت بى إلى حدوث قطيعة بينى وبين أختى، وبعد فترة من البحث عن بديلة مع كل واحدة تترك العمل وجدت التعامل مع الرجال أفضل بكثير فهم ليسوا ثرثارين، ويعرف الرجل منهم أنه لا بديل لتوفير نفقات أسرته إلا بالعمل الجاد، لذلك وجدت أن العمل معهم أفضل، ومنذ عامين وأنا أستعين بمدير منزل بدلا من الخادمة وأمورى كلها جيدة. وعن نظرة المجتمع تقول: بالفعل قابلت بعض الاستهجان والاستنفار من أخوتى وأبى خصوصا أننا منفصلين أنا وزوجى، لكنهم وجدوا الحوار معى فى هذا الأمر بلا جدوى. وتواصل الحديث أم سالمة سيدة منزل قائلة: أبى رجل مسن ولديه أزمات صحية متكررة وهو لا يفضل الجلوس مع خادمات هذا بخلاف أنه لا يقوى على الحركة، فكان مطلوب «جليس» معه يستطيع حمله لإدخاله الحمام أو الجلوس معه فى الحديقة، وكنت أستعين دائما بخادمات لكن تسببن فى مشكلات كثيرة بينى وبينه وكان يرفض دائما بحثى عن أخرى وعندما حدثتنى إحدى صديقاتى عن تجربتها فى التعامل مع مدير منزل بدلا من مديرة منزل وعرضت عليه وجهة نظرها رحب جدا بالفكرة، وكانت مشكلتى هى رفض زوجى لهذا الأمر خصوصا أن أبى يجلس معى فى منزلى ولكن بعد الضغط عليه وإقناعه بأن التعامل مع الخادمات ينتج عنه الكثير من المشكلات وافق على مضض، والآن هذا الرجل يعمل معى فى المنزل ويجلس مع الأطفال وأيضا ينظف البيت وأصبح الأمر طبيعياً بالنسبة له ولنا بداخل البيت. ومن جانبه يرى د. محمود عودة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: هناك خطورة كبيرة على الأطفال من وجود جليسة لهم رجل، لأن المفترض البيبى سيتر هى بديل الأم بشكل مؤقت ولابد أن تعكس صورة الأم، و«الجليسة» الرجل ليس جزءا من ثقافتنا، لأن الرجل يعمل طباخا أو سفرجياً، سائقا وإنما بيبى سيتر جليس أطفال فهو أمر ملىء بالمخاطر، وأعتقد أن فيلم عمارة يعقوبيان خير دليل على أن هذه الظاهرة سوف تضر بالمجتمع ضررا كبيرا، وكان بهذا الفيلم حالة لابن أستاذ الحقوق الذى عانى نظرا لانشغال أهله إلى أن أصبح شاذاً جنسيا، مشيرا إلى أن الشاب يمكن أن يقوم بأداء مهمة أخرى مثل تنظيف المنزل، لكن المهم أن يكون بعيدا عن عالم الأطفال . وتؤكد د. ريم ممدوح باحثة اجتماعية، أن هذه الظاهرة دخيلة علينا ولا تتناسب مع واقعنا ومجتمعنا الشرقى فى بيوت المصريين، خصوصا أن هذه البيوت ليست مقصورة على الأطفال وحدهم، فهناك سيدات وفتيات كما أنه ليس الحل الوحيد للقضاء على البطالة، فكيف من الممكن أن أدخل رجلا غريبا فى البيت أى أن كان الهدف، وهل من الطبيعى أن يقوم رجل بدور الأم؟ هذا ضد الفطرة، وهذا خلل من الممكن أن يحدث فى المجتمع بسبب انتشار فعل مثل هذا التصرف الشاذ، وهل الشاب الذى يعمل فى مثل هذه الوظيفة لم يجد أى وسيلة أخرى لجلب الرزق سوى هذه الوظيفة! فهذا ضد طبعنا كشرقيين وضد أى توازن طبيعى، ولابد من وقفة وألا تنساق السيدات وراء ذلك السلوك، خصوصا أن المصيبة فى أن البيت المصرى ليس على وتيرة واحدة، فهناك زوجات ومطلقات وأرامل وفروق ليس لها حصر بغض النظر عن وجود زوج أو عدم وجوده، فهذا يعد انقلابا للموازين واختلاطا فى الأدوار، صحيح نحن نعيش فى مجتمع مدنى ونحظى بالمساواة ولكن المساواة بما يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا الخاصة جدا بعيدا عن باقى المجتمعات الغربية الأخرى.