لأسرة متدينة.. عاملة نظافة تجيد رعاية الأطفال والمسنين والطهى، مقيمة، بمرتب 2400 جنيه.. يشترط مؤهل عال. مطلوب لأسرة.. عاملة ومربية.. مؤهل عال.. تجيد الكمبيوتر.. ويشترط اللغة، المرتب 2500 جنيه. فعلى الرغم من تفشى البطالة والأجور المتدنية فى جميع القطاعات .. تنشر يوميا عشرات الإعلانات الصادرة عن مكاتب تخديم تطلب فتيات للعمل في البيوت برواتب مرتفعة تتجاوز رواتب الأطباء والمدرسين والمهندسين والصحفيين .. ورغم أن العمل خادمة.. ورغم أن الإعلانات تشترط الحصول على مؤهل عال، إلا أنها تلقي إقبالا ملحوظا من خريجات الجامعة اللائي أجبرتهن الظروف المتردية وأجور الوظائف الهزيلة على قبول هذا العمل رغم كل ما يحيط به من مشاق ومخاطر.. ومهانة. خادم القوم سيدهم سعاد محمود ،ليسانس آداب، مربية أطفال ومديرة منزل لرجل أعمال وأسرته، تقول إنهم يتعاملون معها بشكل محترم الأمر الذى جعلها مصرة على الاستمرار فى العمل لديهم دون أن تجد ما يعيبها خاصة وأن العائد المادى جيد بالنسبة للظروف المحيطة بها, وأنها لو كانت تعمل موظفة في تخصصها لما كانت ستحصل على ربع الراتب الذى تتقاضاه حاليا، لافتة إلى أنه كلما زادت اختصاصاتها زاد راتبها الأمر الذي لا يحدث بأى مؤسسة ! وعلى غير المتوقع تؤكد سعاد أن المجتمع الآن تطور فكريا ولم يعد ينظر إلى الخادمة كما كان في السابق, وأنها تعتبر الخدمة كأى مهنة محترمة أخرى والانتساب إليها لا يقلل إطلاقا من شأن أى فتاة تعمل بها ! للفقر أحكام أمل ،بكالوريوس تجارة، اُضطرت للعمل لدى إحدى الأسر كمربية لطفلهم الوحيد لتفشى البطالة بين خريجي الجامعة ولظروف أسرتها القاسية التي تعاني من شدة الفقر. تقول : والدى عامل بسيط ، ولولا مجانية التعليم ما كنت حصلت على شهادتى الجامعية. تؤكد أمل أنها تتمتع بمعاملة حسنة من ربة الأسرة، خاصة وأن زوجها مشغول دائما، وأنها كانت تعمل لدى أسرة أخري لكنها تركتها بسبب تعرضها للضرب والإهانة الدائمة من الزوجة دون أن تأخذ في اعتبارها أنها خريجة جامعة وحاصلة على مؤهل عالي، وتؤكد أمل أنها تحملت مضطرة تلك المعاملة القاسية لكن ما لم تتحمله هو محاولة الزوج التحرش بها. أما نشوي فتحكي: حصلت على شهادتى الجامعية ولأننى من أسرة بسيطة ووالدى ليس لديه أية علاقات أستطيع من خلالها الحصول على فرصة عمل مناسبة، قررت العمل كخادمة بعد أن لاحظت أن عائدها يفوق أى وظيفة عادية، وبدأت رحلة بحث طويلة عملت فيها لدى أسر كثيرة كنت أتركها بسبب سوء المعاملة أو لسفر الأسرة إلى الخارج، حتى تمكنت بفضل الله من الاستقرار لدى أسرة عربية تعيش فى القاهرة بسبب قيام الزوج بمشروع في مصر، مؤكدة أنها تعيش حاليا مع هذه الأسرة كأنها واحدة منهم. وفي لفتة فريدة تشير نشوى إلى أنها قررت الحصول على بكالوريوس التربية والماجستير إذا تطلب الأمر حتى تتمكن من التعامل مع الأطفال بصورة تربوية سليمة.. المؤهل لا يحمي وفى جولة بين مكاتب متعهدى التشغيل لفت أحمد صبيح ،صاحب مكتب تخديم، أن نسبة إقبال الفتيات والسيدات على العمل في البيوت تجاوزت 200% بداية من الأميات وحتى الحاصلات على مؤهلات عليا، وذلك بسبب عدم وجود وظائف ولانتشار الفقر، موضحا أن كل أسرة تطلب حاجتها فقط، فالبعض يطلب أن تكون العاملة للنظافة فقط أو الطهى أو رعاية مسنة أو رعاية طفل، وأن لكل واحدة منهن مرتب يختلف عن الأخرى حسب المهمة وتبعا لظروفها سواء كانت مقيمة أو غير مقيمة، لديها خبرة أم لا ، وأن مرتب صاحبة المؤهل يزيد عن مرتب غير المتعلمة. يقول صبيح: الكثير من العملاء يقومون بأعمال غير مشروعة مع الفتيات بما يعرض المكتب لمشاكل كثيرة تضر بسمعته, وأنا كصاحب مكتب أحاول حمايتهن فأقوم بإرسال مندوب عن المكتب للتعرف على الأسرة قبل انتقال الفتاة للعمل لديهم, ومن جانب آخر تتعرض الفتيات جميعهن لكثير من المضايقات ،سواء كانت متعلمة أم لا، كمحاولة رب الاسرة الاحتكاك بها كما تتعرض للضرب والاهانة من قبل ربة المنزل، فالشهادة في هذه المهنة لا تحمي صاحبتها بل على العكس البعض من ذوات النفوس المريضة تتعمد إذلال الفتاة عندما تعلم أنها حاصلةعلى مؤهل أعلى منها. مريم احمد ،صاحبة مكتب سرفيس، تقول : تبدأ الرواتب من 600 جنيه للعاملة وكلما ارتفع مؤهلها ارتفع الراتب ليصل إلى 2000 جنيه. وتتمنى مريم أن تتوحد الأسعار بالمكاتب لأن تفاوتها يجعل الفتيات يبحثن دائما عن المرتبات المرتفعة , مما يجعلهن عمالة نادرة وبالتالي تزداد أجورهن بصورة مبالغ فيها وخلال فترات متقاربة. مؤكدة أن العاملات الاجنبيات لهن أسعار موحدة فالسودانية راتبها 1000 جنيه شهريا، أما باقى الأفارقة فراتبهن 250 دولار ، بينما الآسيويات راتبهن 300 دولار والأندونيسية على وجه الخصوص هى الأعلى راتبا حيث يصل راتبها إلى 400 دولار شهريا. ثقافات جديدة وتؤكد الدكتورة سامية الخشاب ،عميدة كلية رياض الاطفال بجامعة القاهرة، أن انتشار هذه الظاهرة سببه التغير فى القيم داخل المجتمع المصرى , وظهور شريحة هى التى تستطيع أن تدفع هذا الراتب , وبالطبع لهم متطلبات خاصة فى خادمتهم وأولها أن تكون حاصلة على مؤهل عال، بالإضافة إلى اللغات والكمبيوتر لأنها ستتعامل مع أبنائهم، وهنا تترك الأم لها كل شئ لأن المرأة العصرية تعمل ولها حياتها الخاصة. كما أن زيادة النزعة المادية التى طغت على المجتمع جعلت الفتاة الجامعية تفكر فى اللجوء إلى هذة المهنة بسبب راتبها المرتفع ضاربة عرض الحائط بما قد تتعرض له داخل منازل لا تعلم شيئا عن أخلاقيات أصحابها، وذلك كله لأنها لن تحصل على هذا الراتب إذا عملت بأحد الوظائف الحكومية. ورغم ما ذكرته تطالب د. سامية بعدم تحقير أى عمل طالما كان شريفا وترى في هؤلاء الفتيات نموذجا متميزا قائلة: بدلا من أن تسلك الفتاة طرقا غير مشروعة فكرت بطريقة عملية حتى تلوح لها الفرصة الأفضل. ويؤيدها في الرأي د. على ليلة ،استاذ علم الاجتماع بعين شمس، الذي يعتبر لجوء الفتيات لهذه المهنة سلوكا سليما وايجابيا بسبب تفشى البطالة وانخفاض الاجور , وأنها ظاهرة ممتازة لأن الفتيات نسين الواجهة الاجتماعية وبهذا خلقن قيم احترام العمل، وأن الفتاة المتعلمة تسببت فى الارتقاء بهذه المهنة وخلقت ثقافات جديدة فلم نعد ننظر إليه على أنه عمل متدن كما كان سابقا. بينما يرى أحمد يحيى، أستاذ الاجتماع بجامعة قناة السويس، أن اشتراط الأسر حصول العاملة على مؤهل عال نوع من الوجاهة الاجتماعية اتسق مع التغير الذي حدث فى توجه الشباب نحو العمل الخاص نتيجة لظروف البطالة المتفشية، وأن هذا يفتح الباب لعدة مشاكل أولها هل هؤلاء الفتيات مؤهلات للعمل مع الأطفال الذين يتعهد لهن برعايتهم؟ خاصة وأن الأسرة تعهد للفتاة في هذه الحالة بمسئولية الأطفال بالكامل معتمدة على أنهم في أيد أمينة وأنها ستقوم بكل ما تقوم به الأم ، وهو مكمن الخطر ، لأن الطفل في هذه الحالة لا يحظى بالرعاية النفسية والاجتماعية المطلوبة التي توفرها الأم وحدها ولا يمكن أن يحل محلها غيرها في ذلك ، ولهذا يجب مواجهة هذه الظاهرة سريعا لأن الأطفال الذين تربوا على أيدى هؤلاء قد تحدث لهم مشاكل مستقبلية لا نستطيع مواجهتها.