سهير عبد الحميد فريق كبير من المصريين كان يرى فى إزاحة الرئيس محمد مرسي، عن كرسى الحكم فى 30 يونيو، الأمل فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثورة 25 يناير، وحتى تتجنب مصر مخاض حرب أهلية كانت علاماتها قد لاحت فى الأفق بعد أن بدا أن الأحلام التى حلمنا بها فى أعقاب تنحى مبارك تتبخر بفعل ممارسات الإخوان الذين ساروا على نهج مبارك بتغليب مبدأ " أهل الثقة لا الخبرة " ليس هذا فحسب بل هو تخليهم عن الميدان فى مواقف عديدة بعد أن كانوا جزءا منه. وأعتقد أننا لو سألنا عن التهمة التى ينبغى أن تضاف إلى لائحة الاتهامات الموجهة ضد الرئيس مرسي لكانت إجهاض أحلام كل من خرج وأعطاه صوته أملا فى التغيير، وكل من سانده بعد أن صار رئيسا ووقفوا بجواره بوصفه رئيس مصرالمنتخب ويضاف إلى هذا تهمة أخرى هى أنه جعل بإخفاقه - من المنافقين وكذابي الزفة الذين لا يحلو لهم إلا التمحك فى جلباب النظام، أى نظام يخدم مصالحهم - ثوارا يدعون الآن الوطنية وينصبون أنفسهم زعماء لثورة 30 يونيو، التى أصبح لها أكثر من ملهم وأكثر من زعيم وجميعهم - سبحان الله - من الأصوات التى كانت دائما تجد المبررات لخطايا نظام مبارك، وهى التى دافعت عنه طويلا وحاولت أن تنسخه بمساندة المرشح الرئاسي أحمد شفيق، ولما فشلت عملت منذ الوهلة الأولى على مجابهة نظام الرئيس مرسي، حتى قبل أن يبدأ مهام عمله، كان العد التنازلى لتنفيذه وعوده الرئاسية قد بدأ منذ اليوم الأول ليس هذا دفاعا عن الرئيس مرسي الذى أخطأ أخطاء فادحة، لكن تلك الأصوات لم تعارضه دفاعا عن مصالح الشعب، لكن دفاعا عن مصالحها. كانت تلك الأصوات تلصق بالرئيس مرسي كل مصائب الدنيا، فمرسي فأل سيئ على مصر إذا أخفق المنتخب فى مباراة كرة، وإذا وقع حادث قطار،كانت تصب جام غضبها عليه بسبب أزمة البوتاجاز، والإنصاف يجعلنا نقول إن الرجل لم يكن مسئولا عن أزمات مصر التى صنعها نظام مبارك طوال ثلاثين عاما، صحيح أنه أخفق وأخطأ وربما يكون قد خان وهذا متروك إثباته لسلطات التحقيق، لكنه لم يكن مسئولا عن تراث طويل من الإخفاقات التى صنعها نظام مبارك، تماما كما أن حكومة الببلاوى ليست مسئولة عن حادث قطار دهشور، إرث الفساد فى مصر يتحمله مبارك وحكوماته التى لم تمسها الأصوات إياها بسوء، بل إن بعضها بدأ فى تبييض صورة مبارك والحديث عن كونه مثالا للوطنية. إن تلك الأصوات الموتورة هالها أن يسقط عرش النظام الذين كانوا يجدون فى ظله الحماية وأن تسقط أركانه التى كانت " صرحا من فساد فهوت " تلك الأصوات التى تضم إعلاميين وسياسيين ورجال أعمال هى التى تحاول الآن إلغاء ثورة 25 يناير، من الوجود ووصفها بأنها نكسة وتصوير 30 يونيو، على أنها الثورة الحقيقية برغم أنها موجة ثانية من موجات الثورة لتصحيح المسار، وهم فى ذلك يدفعون بأن الثوار الذين نزلوا الميادين حصلوا على تمويلات من دول أجنبية وتلقوا تدريبات بها، لا أستطيع الحكم على تلك الروايات فلست جهة تحقيق، لكن أستطيع الحكم على نفسى وعلى كل من أعرفه ممن ساند الثورة وتلك الوجوه التى افترشت أرض الميدان " خوفا وطمعا " خوفا من حاضر أسود وطمعا مشروعا فى مستقبل أفضل، فهل نحن جميعا عملاء؟ حتى لو صدق هؤلاء وهناك من تلقى تمويلا لتنفيذ احتجاجات ضد النظام، فكم تبلغ أعدادهم عشرة، عشرين، مائة، هل كان هؤلاء من يملأون ميادين مصر من أقصاها إلى أقصاها، كيف يجرؤ أولئك على إنكار ثورة شعب باكمله، فهى أول ثورة حقيقية يقوم بها المصريون منذ ثورة 1919، ف 23 يوليو وفق تعريفات الثورات فى الأدبيات السياسية لم تكن ثورة بل كانت انقلابا للجيش باركه المصريون ليخلصهم من طغيان وفساد الملكية، وهكذا تكون ثورة يناير أول ثورة حقيقية يقوم بها المصريون منذ ثورة 1919. إهانة كبيرة للشعب المصري أن يخرج علينا البعض اليوم ليصف ثورة 25 يناير بالنكسة، لقد خرج المصريون حنقا وغضبا من مشروع توريث كان القائمون عليه من البجاحة بحيث أصبحوا يعدون له العدة نهارا جهارا، اختزلوا شباب مصر المطحون فى شباب جمعية المستقبل الذين كانوا يظهرون فى إعلانات الحزب الوطنى ببدلات أنيقة ووجوه شمعية لا تمت لواقع الشباب المصري بصلة، خرج المصريون يقولون إن مصر "مش عزبة بتتورث " وإن بقرة حاحا النطاحة كما وصفها يوما – الشاعر أحمد فؤاد نجم – آن الأوان أن يؤول خيرها لأهلها، خرج المصريون غضبا من الفساد الذي جوعهم وعراهم وقتلهم فى عبارة السلام مرة وتحت عجلات القطار مرات والتعويض ملاليم تلقى لأهالى الضحايا، ملاليم لا تسمن ولا تغنى من جوع عائلة فقدت عائلها، ولا تجفف دموع أم فقدت ابنها أو زوجة رحل عنها زوجها. خرج المصريون فى 25 يناير، انتقاما من نظام اغتال أحلامهم وأحلام أبنائهم، نظام أعطى ظهره لمبادىء 23 يوليو، التى كانت المساواة شعارها الرئيسي، وصدق المصريون بعدها أن " على " ابن الجناينى " من حقه أن يتزوج " إنجى " ابنة البرنس، فإذا بالطالب المجتهد يرسب فى كشف الهيئة الخاص بالدبلوماسية، لأنه وبرغم تفوقه " ابن بواب أو مزارع " وصل به اليأس حد الكفر عندما ألقى نفسه وأحلامه فى مياه النهر تماما كما فعل جمال السجينى، وهو يوارى تماثيله مياه النهر بعد ما أيقن أنه لا كرامة لفنان ولا مبدع ولا عالم فى وطنه مصر. خرج الآباء إلى الميادين من أجل دموع الأطفال التى لا تجف حرمانا ومن أجل الأب الذي ألقى بنفسه من فوق كوبرى قصر النيل لأنه لا يستطيع شراء ملابس العيد الجديدة لأطفاله. أبعد هذا كله تقولون إن 25 يناير، كانت نكسة، إنكم بهذا تهينون شعبا بأكمله خرج حاملا روحه على كفه وهو يعلم أن الشرطة لن تقابله بالرياحين ولا الأزهار بل فقط بالبارود والخرطوش. خرج هذا الشعب المسكين رافعا رغيف العيش معلنا أن أحلامه فى غاية البساطة وملوحا بلوحة من ورق الكارتون علق عليها حقوقه البسيطة " عاوز أشتغل يا كبير ".خرج الشعب يواجه الرصاص وغد مجهول، لكن الصبر الذي تعلمه المصريون على ضفاف هذا النهر وثقتهم اللانهائية فى السماء التى تعلقوا بها قبل نزول الأديان بزمان جعلهم يخلطون السخرية بالمرارة فى شعارات تبكى وتضحك وهم يطالبون النظام بالرحيل، إن أى محاولة لنفى ثورة 25 يناير، انتقاما من الثورة التى أسقطت الفساد أو رغبة - كما قال الزميل بلال فضل فى أحد مقالاته – لتبييض وجوههم من خلال تبييض صورة مبارك، هى محاولة فاشلة. ثورة 25 يناير، كانت محط إعجاب العالم حتى أن الأنظمة الديكتاتورية فى مختلف أنحاء العالم أصبحت تخشي تصدير الثورة المصرية إليها وفى مقدمتها نظام روبرت موجابي، فى زيمبابوي، الذي اعتبر الحديث عن الثورة المصرية فى الأوساط السياسية داخل زيمبابوي جريمة تستحق العقاب، وفى المجر عندما خرج الشعب يهتف ضد بعض قوانين الإعلام رفعوا لافتات كتبوا عليها " أستطيع أن أكون مصريا أنا الآخر" يا سادة 25 يناير، ثورة وليست نكسة.