لو كان أكثر المتشائمين فى العالم قد حاول تخيل ما سوف يحدث فى مصر بعد عامين من قيام الثورة ما كان خياله قاده إلى ما يحدث الآن من فوضى. الخطأ الرئيسى للثورة من وجهة نظرى هو مغادرة الميدان بعد رحيل مبارك والثقة فى العسكر التى كانت موجودة عند البعض فى بداية الأمر، البعض وثق فى المجلس العسكرى، والبعض تحالف معهم وكان يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، فالثورة لم تحكم، والثوار غادروا الميدان وبدأ التفاوض مع العسكر، والعسكر لم يجدوا بديلا ثوريا منظما ولم يرد أن يكون هناك بديل ثورى منظم يستطيع أن يحكم بعد رحيل مبارك، بل وجد بديلا انتهازيا طامعا فى السلطة وهو الأكثر تنظيما، فكانت الصفقة وإدخالنا فى هذا المسار المعوج منذ استفتاء مارس 2011 حتى وصلنا لما نحن فيه الآن من فوضى. الثورة لم تحكم بعد ولم يحدث التغيير الحقيقى بعد فى مثل هذا الوقت منذ عامين كانت المجموعات الشبابية فى اجتماعات يومية للتحضير ليوم 25 يناير، فالثورة التونسية أشعلت الحماسة والأمل فى نفوس الشباب المصرى، وفى 25 يناير من كل عام يتم تنظيم تظاهرات فى عيد الشرطة ضد الفساد والظلم والتعذيب، ولماذا لا تكون هناك ثورة ضد الفساد والظلم والحكم المستبد؟ وبالفعل بدأت المجموعات المنظمة أو الشبه منظمة فى التجهيز للخروج المنظم يوم 25 يناير من الأماكن الشعبية، وكانت الاستجابة الجماهيرية مفاجأة للجميع بما فيهم منظمو اليوم والداعون له. لم تكن ثورة فيسبوك كما يحب الغرب أن يروج، ولم تحدث فجأة كما يعتقد البعض، بل كانت هناك مجموعات كثيرة تسعى للتغيير وتحلم بهذا اليوم ابتداء من حركة كفاية مرورا بحركة 6 إبريل وغيرهم، وهناك من بشر بتلك الثورة وتوقعها منذ سنوات طويلة وسعى لها وهناك من نظر لها، وهناك من قدموا التضحيات وتحملوا الكثير من أجل أن تقوم هذه الثورة فى يوم من الأيام، وكان عام 2010 عاماً صاخب منذ عودة البرادعى لمصر وانضمام قطاعات كبيرة من الشباب للعمل السياسى ولمعركة التغيير بعد أن عاد لهم الأمل مرة أخرى بعودة البرادعى. وبرغم تركيز حركة كفاية وبعدها حركة 6 إبريل على فكرة إسقاط النظام منذ البداية ولكن للأسف الشديد لم يكن أحد يمتلك التصور الواضح لماذا بعد إسقاط مبارك، حتى فى عام 2010 لم يكن هناك الإطار الجامع لجميع المجموعات ولم يكن هناك تصور لما بعد مبارك، ولم يكن هناك إطار تنظيمى لكل المجموعات الشبابية والأحزاب التى عملت معا ضد نظام مبارك وكانت أشبه بالتنظيم الشبكى وأعتقد أن هذا كان السبب الرئيسى فى عدم وجود بديل جاهز للإدارة بعد الثورة واستطاع العسكر القفز على السلطة واستطاعوا إدخالنا فى تلك المسارات الملتبسة التى استغلتها التيارات الأكثر تنظيما لتحقيق أكبر قدر من المصالح والاستيلاء على السلطة بعد ذلك، وسنظل نعانى لفترات طويلة من ذلك المسار المعيب الذى أدخلنا فيه المجلس العسكرى منذ استفتاء مارس 2011. والآن بعد مرور عامين على الثورة وبعد انتخاب رئيس جديد لمصر لو نظرنا للأهداف التى خرجت من أجلها الجماهير فى 25 يناير فلن نجد هناك فارقا كبيرا عما كان قبل الثورة. فالجماهير طالبت بوضوح بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ومرت فترة حكم العسكر ولم يتحقق شىء تقريبا من هذه الأهداف إلا كسر حاجز الخوف، وعانى المصريون من استمرار الإدارة السيئة واستمرار الفساد واستمرار الظلم. وها نحن الآن فى فترة حكم الإخوان وما زلنا نحلم بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، أعطينا الرئيس المنتخب فرصة ومددنا له يد العون وقدمنا له الكثير من الأطروحات والمقترحات من أجل البناء والإصلاح، ولا يزال المصريون حتى الآن يطلبون الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. لا يزال الفساد الإدارى منتشرا، ولا نزال نعانى من مشاكل فى منظومة التعليم ومنظومة الصحة، لا يزال المواطن يعانى من غياب الأمن وغياب الاستقرار، برغم كل ما تم ترويجه عن الاستقرار الذى ستنعم به مصر بعد تمرير الدستور المعيب، لا يزال المرور متأزما ولا توجد أى حلول علمية للمشكلة. لا يزال المواطن يعانى من غياب العدالة الاجتماعية وغياب الرؤية للتخفيف عن كاهل المواطن، بل إن استمرار نفس سياسات مبارك الاقتصادية فى فترة حكم مرسى ستزيد من الأسعار والأعباء على المواطن البسيط أكثر من ذى قبل. تزداد حوادث السكة الحديد فى ظل غياب منظومة حديثة لإدارة هذا المرفق المهم، يغرق الصيادون على السواحل ولا تتحرك الأجهزة الا بعد الغرق. يموت المصريون فى السفن والقطارات وحوادث المرور، أو يموتون من الجوع، أو يموتون من الغيظ. عادت مرة أخرى تهمة إهانة الرئيس وأصبحت كالسيف المسلط على رقاب المعارضين، عادت مرة أخرى المحاكمات العسكرية لكن بشكل دستورى هذه المرة. لم ينجح مرسى بأصوات الإخوان فقط، بل ساهم فى نجاحه العديد من الرموز والقوى الثورية، وعندها وعد مرسى بالعديد من الوعود من أجل هذا الدعم، فقد وعد بحكومة إنقاذ وطنى ووعد بإعلاء مبدأ المشاركة، ووعد بألا يخرج الدستور إلا إذا كان دستورا توافقيا ووعد بالقصاص وإعادة المحاكمات ووعد بتطهير أجهزة الدولة وإعادة هيكلتها .. ووعد بالكثير من الوعود ولكن أين نحن الآن؟ من المضحك المبكى أن يخرج المواطنون فى 25 يناير 2013 بعد عامين من الثورة ليطالبوا مرة أخرى بنفس المطالب فى 2011 . عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية... لكن بالتأكيد ستنتصر الثورة مهما طال الوقت . فهناك جيل لن يهدأ إلا أن يتم التغيير الذى نحلم به من دولة مدنية ديمقراطية تحافظ على العدالة الاجتماعية وتحترم كرامة المواطنين وآدميتهم فى وسائل مواصلات لائقة وسكن ملائم ومعاملة تليق بكرامة الإنسان. ففى الذكرى الثانية للثورة لن يكون اليوم احتفاليا، فأهداف الثورة لم تتحقق حتى الآن، لكن سيكون موجة ثورية جديدة ستسهم فى تصحيح الكثير من الأوضاع الخاطئة. *مؤسس حركة 6 إبريل