رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    آخر تطورات أحداث ليبيا وقصة خطة عربات جدعون بغزة فى تغطية خاصة لليوم السابع    الأمم المتحدة: لدينا خطة جاهزة لتوزيع المساعدات في غزة ونطالب بدخولها دون عوائق    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 17 مايو 2025    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    «الموجة 26 إزالة».. لن تقبل الدولة استمرار دوامة مخالفات البناء    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    فى بداية الأسبوع.. سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق السبت 17 مايو 2025    بعد مجزرة الدبيبة، "النواب الليبي" يدين قمع المتظاهرين في طرابلس ويعلن بدء تشكيل حكومة جديدة    ترامب: زيلينسكي لا يملك أوراق رابحة في موقفه التفاوضي مع روسيا    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    حكام مباراة بيراميدز وبتروجيت في الدوري المصري    غاب رونالدو فانتهى الحلم، النصر السعودي لن يشارك رسميا في دوري أبطال آسيا للنخبة    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    بسمة وهبة تتهم خالد يوسف وشاليمار شربتلي بتسجيل مكالمات دون إذن والتشهير بها وسبها    هند صبري: عمري ما اشتغلت علشان الفلوس وهذا موقفي من تقديم جزء 3 من "البحث عن علا"    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    تفاصيل جديدة في واقعة اتهام جد بهتك عرض حفيده بشبرا الخيمة    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    تمارا حداد: مواقف ترامب تجاه غزة متذبذبة وتصريحاته خلال زيارته للشرق الأوسط تراجع عنها| خاص    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    شديد الحرارة نهاراً وأجواء معتدلة ليلا.. حالة الطقس اليوم    نجم الزمالك السابق يفاجئ عمرو أديب بسبب قرار التظلمات والأهلي.. ما علاقة عباس العقاد؟    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 17 مايو 2025    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    مصرع وإصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بمحور 26 يوليو    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    الزراعة تكشف حقيقة نفوق الدواجن بسبب الأمراض الوبائية    أحمد حسن يكشف حقيقة رحيل ثنائي الأهلي إلى زد    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    كل سنة وأنت طيب يا زعيم.. 85 عاما على ميلاد عادل إمام    السفير محمد حجازى: غزة محور رئيسي بقمة بغداد ومحل تداول بين القادة والزعماء    المنشآت الفندقية: اختيار الغردقة وشرم الشيخ كأبرز وجهات سياحية يبشر بموسم واعد    النمر هاجمني بعد ضربة الكرباج.. عامل «سيرك طنطا» يروي تفاصيل الواقعة (نص التحقيقات)    أجواء مشحونة مهنيًا وعائليا.. توقعات برج العقرب اليوم 17 مايو    رئيسا "المحطات النووية" و"آتوم ستروي إكسبورت" يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    داعية يكشف عن حكم الهبة لأحد الورثة دون الآخر    قرار عودة اختبار SAT في مصر يثير جدل أولياء الأمور    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    يوم فى جامعة النيل    الكشف والعلاج بالمجان ل 390 حالة وندوات تثقيفية ضمن قافلة طبية ب«النعناعية»    قداسة البابا تواضروس يستقبل الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم بوادي النطرون (صور)    كيف تتغلب على الموجة الحارة؟.. 4 نصائح للشعور بالانتعاش خلال الطقس شديد الحرارة    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.ياسر ثابت يكشف كوارث حكم «مرسى» بالوثائق والوقائع.. عام من «حروب العشيرة»
نشر في الأهرام العربي يوم 03 - 10 - 2013

فى العام الأول، و«الأوحد» من حكم الرئيس «المعزول» محمد مرسى، كان المصريون يستيقظون كل يوم على مشاكل وأزمات جديدة، بعضها اقتصر على النقص الفادح فى السلع الأساسية والخدمات، والبعض الآخر ارتقى إلى مرتبة الكوارث الوطنية مثل «إصدار الإعلان الدستورى» الذى حصن قرارات الرئيس، وجعلها شبه إلهية، وهى الفترة التى وصفها الكاتب الصحفى والمحلل د. ياسر ثابت بأشهر الريبة، وذلك فى كتابه المهم «حروب العشيرة: مرسى فى شهور الريبة»، والذى قدم من خلاله رصدا تحليليا لما حدث من قرارات أدت إلى وقوع أزمات لا لزوم لغالبيتها، وسالت دماء لم يكن من المقبول بأى حال أن تُراق فى الشوارع والميادين وصلت إلى قصر الرئاسة، واشتعلت النار فى ثوب مصر، من دون أن يهبّ أحدٌ لإخمادها قبل أن تلتهم جسد الوطن.
وذلك فى وقفة تأملية متأنية وموثقة مع الأداء والسياسات فى عهد مرسى؛ إذ خرجت من إدارة المرحلة الانتقالية بأسلوب الإدارة بالكوارث الى إدارة مرسى بسياسة الفرص الضائعة وهدر الإمكانية، فلم تعد الدولة تحقق المصلحة، وعجزت عن توفير الأمن، وضمان العدل، ودعم التحول الديمقراطى، وتحقيق المساواة بين المواطنين وتطبيق مفهوم المواطنة، وسط رسوب وظيفى تام لأجهزة الدولة، ومساع حثيثة لفك ارتباط الشعب بثورته بعد تشويهها والتمثيل بها.
ففى عهد أول رئيس مدنى منتخب فى مصر، شهدنا فجوة شاسعة بين الآمال والتوقعات من جهة والواقع والممارسة من جهة أخرى، وسارت الأمور فى طريق أورث مزيدًا من الخلاف وراكم مزيدًا من الاستقطاب والتنازع، وحرَّض على ظهور حمقى يريدون خرق سفينة الوطن.
على مدار عام كامل من حكم الرئيس محمد مرسى، شهدنا إهمال شراكة وطنية واجبة، واتخاذ قرارات مترددة ومرتبكة أسهمت فى إذكاء الانقسام والاستقطاب، مع هجوم حاد على كل من يخالف جماعة الحكم فى الرأى، كما لو أن هناك من يعتقد أنه يحتكر الحقيقة المطلقة.
اندفع الجميع نحو أهداف جزئية ضيقة، بعيدًا عن الصالح العام كما تقتضى أهداف الثورات، فيما ضاعت الأولويات وغرق المجتمع فى طوفان لزج من تفاصيل يومية لأحداث تتكرر يصنعها فارغو الرؤوس، عديمو الرؤية، كثيرو الكلام، قليلو الفعل.
فى البداية يستعرض د. ياسر ثابت علاقة رؤساء مصر بالنائب العام على مر العهود المختلفة، قبل أن يستفيض فى الحديث عن أزمة إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود، وحكاية منصب سفير مصر فى الفاتيكان، قبل صدور الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012 وتعيين طلعت عبدالله نائباً عاماً.
مشيرا إلى أن مرسى سار فى كثير من الأحيان وفق "كتالوج" مبارك، فوقع فى الأخطاء نفسها، سواء فى مجال السياسة أم الاقتصاد أم حتى العلاقة مع القضاء. أول القصيدة قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لعام 2012 بتحدى حكم المحكمة الدستورية العليا الذى أبطل مجلس الشعب الأول بعد ثورة 25 يناير.
لقد استهل مرسى عهده بقرارٍ يعد نموذجًا لنزعة الاستحواذ والتسرع فى اتخاذ القرارات غير المدروسة، وهو قرار إعادة مجلس الشعب، فى حين وجدناه يلتزم نهج مبارك فى البطء إزاء المطالبات الشعبية الممكنة والمستحقة.
يوضح د. ثابت أن الهوة التى ظهرت تحت أقدام جماعة الإخوان المسلمين زادت عمقًا نتيجة تبنى قياداتها للسياسات والقوانين نفسها التى وضعها أو اتبعها النظام السابق، ومنها - على سبيل المثال- تلك القوانين المتعلقة بمسئولية مجلس الشورى عن تعيين رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المسماة "القومية"، وكذا تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان.
ويرى أن المشهد السابق لصدور الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012 كشف عن وجود أزمات تستدعى التدخل الرئاسى العاجل؛ من المواجهات الدائرة قرب وزارة الداخلية فى ذكرى مواجهات محمد محمود، إلى حادث قطار أسيوط، مرورًا بتأخر القصاص، والأحكام المتتالية ببراءة جل المتهمين فى قضايا قتل الثوار، وموجة الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات، فضلاً عن أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وأدائها المنحاز والمنغلق.
غير أن مرسى ترك هذا كله وفتح جبهات جديدة للصراع والخلاف، بينما كان من المنتظر من أول رئيس مدنى منتخب فى مصر، أن يتبنى روحية وذهنية جديدة تؤسس لجمهورية ثانية ولمصر جديدة، إلا أن النظام استعاد الموروث القديم بإعلانات دستورية - منعدمة- بأسماء عدة: المكمل، والملغى، والجديد، والمفسر... إلخ، صبت كلها فى إعاقة التحول الديمقراطى، مما أدى مباشرة إلى إراقة الدم، وأصبح الوضع استمرارًا للجمهورية الأولى، وإن كان بتجلٍ مختلف.
فى تلك الفترة العصيبة، تورط الطرف الإسلامى فى محظور إقحام الهوية الدينية فى الصراع الذى هو سياسى بالأساس. ونسيت تلك القوى الإسلامية درسًا مهمًا من دروس ما بعد ثورة 25 يناير، وهو أن رفع الشعار الدينى قد يؤدى إلى شروخ تقسم الأمة والمنتفضين، ولا يجمع من ثم بين قوى الاحتجاج السياسى، خصوصًا أن بعضه يحمل فى أعطافه بعضًا من الاستعلاء أو التمييز الدينى أو الذكورى، لاسيما من جانب بعض الغلاة.
هذا التعصب والانغلاق مهَّدا لأحداث قصر الاتحادية التى سالت فيها دماء مصريين بيد أبناء وطنهم. وعوضًا عن مساءلة قيادات جماعة الإخوان المسلمين على تصريحاتهم التحريضية التى مهَّدت للمجزرة، ألقى الرئيس باللائمة على "الطرف الثالث" وعلى الفلول، فى خطابِ تخوينٍ نمطى للقوى الثائرة ولتبرير العنف المفرط الذى وقع، كما غض الطرف عن حوادث التعذيب التى مارسها أعضاء الإخوان ضد المعتصمين أمام قصر الاتحادية.
والثابت أن أحداث الاتحادية فى ديسمبر 2012 مهَّدت الطريق أمام دورة العنف بين الخصوم السياسيين، وصولاً إلى أحداث محيط مكتب الإرشاد بالمقطم فى مارس 2013. ولا يجوز أن تتجاهل القانون والأمن فى جولة، ثم تصرخ مطالبًا بالاحتكام إليهما فى جولة تالية.
فى أحداث "الاتحادية"، توازى العناد السلطوى مع خطابٍ طائفى لعدد من قيادات الإخوان المسلمين يُحمل الكنيسة المسئولية، من غير دليل، كما حدث فى المؤتمر الصحفى الذى عقده نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، وفى كلمات بعضهم على المنصات. وتردد خطابٌ تخوينى يتهم معارضى الإعلان الدستورى بالسعى لوأد الثورة وإعادة نظام مبارك، كما ظهر فى خطابات الرئيس، ومرشد الإخوان المسلمين، والعديد من قيادات الجماعة وحزب الحرية والعدالة.
وصارت مصر حائرة، بين قوةٍ جاءت من أعطاف التسلطية الدينية والأيديولوجية، تلوح بتعدادها فى موقف دستورى يجب أن يقوم على التوافق، وبين قوةٍ ثانية تريد أن تفرض آراءها وتهون من القوة الأولى فى هذا الإطار. معسكران متضادان بينهما أسلاك سياسية شائكة، وانقسام حاد أدى إلى شق الصف الوطني.
ويتوقف د. ياسر عند تحرك ماكينات الاغتيال المعنوى ضد قضاة مصر، وعلى وجه الخصوص قضاة المحكمة الدستورية العليا؛ إذ توجه المئات من مؤيدى الإعلان الدستورى من جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفى إلى مقر المحكمة الدستورية العليا بالمعادى، وحاصروها، فى خطوة فتحت الأبواب واسعة أمام العديد من الشرور والانتكاسات السياسية والقضائية.
ولعل ما أشعل حدة المواجهة بين الجانبين هو صدور الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012، ليحصن قرارات الرئيس محمد مرسى من أى أحكام، ثم حصار أنصار مرسى من التيار الإسلامى لمقر المحكمة الدستورية العليا، مرة بهدف منعها من النظر فى قضايا منظورة أمامها، ومرة للمطالبة بحلها، وإعادة تشكيلها. ووصل الأمر إلى حد محاولة الاعتداء على المستشار ماهر البحيرى رئيس المحكمة الدستورية العليا أثناء دخوله مقر المحكمة.
ولا شك أن الحصار الفعلى للمحكمة الدستورية العليا، و»الحصار الدستوري»، ونقصد بذلك الدستور الذى يقلص من عدد أعضائها بأسلوب «انتقامى»، جعلا أزمة العدالة مرشحة للتمدد فى مفاصل الدولة.
وفى يوم واحد، خلال أزمة الإعلان الدستورى، استقال 4 من مستشارى الرئيس محمد مرسى من مناصبهم على خلفية المواجهات الدموية التى اجتاحت قصر الاتحادية الرئاسى بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين ومعارضى الرئيس، حيث قدم كل من الدكتور سيف الدين عبدالفتاح وأيمن الصياد وعمرو الليثى والدكتور محمد عصمت سيف الدولة استقالاتهم ليرتفع عدد المستقيلين من هيئة أعضاء الطاقم الرئاسى إلى سبعة، منهم د. رفيق حبيب والكاتبة سكينة فؤاد والشاعر فاروق جويدة، واستمر القفز من سفينة النظام.
فى وقت لاحق، استكمل المستشار محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانونى للرئيس، حيث مسيرة الاستقالات بعد أن قدم استقالة مسببة وكاشفة، فى 23 إبريل 2013، أظهرت ضعف تماسك بنيان المؤسسات وأخلاقياتها ومعاييرها فى ظل نظام الرئيس المعزول مرسى. عزا جاد الله أسباب استقالته إلى "عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الدولة"، والإصرار على حكومة د. هشام قنديل، التى وصفها ب(الفاشلة)، وعدم الاعتماد على أصحاب الخبرة والكفاءة ومحاولات اغتيال السلطة القضائية والنيل من استقلالها واحتكار تيار واحد إدارة المرحلة الانتقالية، وفتح باب مصر أمام السياحة الإيرانية.
فى العام الأول من حكم الرئيس مرسى، كان المصريون يستيقظون كل يوم على أزمات جديدة، ونقص آخر فى الخدمات والاحتياجات الأساسية، مع أداء متردٍ على المستويين السياسى والاقتصادي,لم يكن مستغرباً والحال كذلك أن تشهد الشهور الستة الأولى من حكم مرسى 2400 احتجاجات، بمعدل 400 احتجاج شهريًا، بزيادة 68% عن آخر 6 أشهر من عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.
نشير فى هذا السياق إلى أن الوسائط الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى رصدت بسخرية لاذعة هذه الأجواء المضطربة، حتى أن شابًا مصريًا يُدعى سامح سمير كتب على "فيسبوك" قائلاً: "سيسجل التاريخ أن عصر الرئيس مرسى كان عصر التقدم فى جميع المجالات، وعلى رأسها التقدم بالاستقالة"!
ولعل أخطر أوجه الإخفاق النظام فى عهد "جمهورية الإخوان"، هو الارتباك الواضح - إلى حد التضارب- فى صناعة القرار الرئاسى والحكومي.
فقد كشف النظام وقادته الرئيسيون فى عهد مرسى عن غيابٍ وبطء شديدٍ فى المعالجة السياسية للقضايا الملحة والأزمات، وعن غياب واضح عن المشهد السياسى حين تكون هناك ضرورة للحضور. الأدهى من هذا وذاك، هو حالة التردد والتراجع عن القرارات والسياسات المتخذة، بما يشير إلى أننا أمام سلطةٍ تعانى الترهل وضعف الرؤية والحساسية وغياب القيادة اليقظة والتخطيط السليم والدراسة المتعمقة قبل اتخاذ القرارات أو إطلاق تصريحات سرعان ما تتبخر فى الهواء.
وفى كل مرة كان الرئيس مرسى يطلق تصريحات التهديد والوعيد، كانت الأزمة تتفاقم. إذا نفّذ ما قال تكون مشكلة، وإذا لم ينفذ ما قال تكون مشكلة أكبر. هكذا يضع الرئيس كلماته حيث لا يدرى العواقب.
بمعنى آخر، سيطر طابع "رد الفعل" أكثر من "الفعل المبادر" ، فضلاً عن مشكلة عدم القدرة على تنفيذ هذه السياسات العامة، بسبب ضعف التخطيط، أو نقص الموارد، أو غياب التوافق المجتمعى، أو التعدى على المبادئ الديمقراطية والدستورية والهيئات التى تمثلها.
فمثلا خلال الأشهر السبعة الأولى من عهد مرسى، صدرت سبعة قرارات مهمة، لكنه تراجع عنها فى وقت لاحق، فى استنساخ مؤسف لفكرة إعلان الحكم ثم إجراء المداولة!
ومن هذه القرارات:
فى 8 يوليو 2012، سحب الرئيس محمد مرسى القرار رقم 350 لسنة 2012 باعتبار مجلس الشعب منحلاً اعتبارًا من يوم الجمعة 15 يونيو، وعودة المجلس المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها من المادة 33 من الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011.
فى 11 يوليو، أعلن الرئيس تراجعه عن قرار عودة مجلس الشعب، وأكد التزامه بأحكام المحكمة الدستورية.
فى 11 أكتوبر، أصدر مرسى قرارًا، بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود، سفيرًا لمصر فى دولة الفاتيكان.
فى 12 أكتوبر، اتفق الرئيس مرسى خلال لقائه مع المستشار عبدالمجيد محمود، على أن يبقى الأخير فى منصبه لتنتهى الأزمة بين مؤسسة الرئاسة والقضاء.
وعاد الرئيس مرسى فى 21 نوفمبر ليقيل عبدالمجيد محمود مرة أخرى من منصبه ويعين بدلاً منه طلعت عبدالله، طبقا للإعلان الدستورى، الذى ألغاه الرئيس مرسى فى ديسمبر وأحل محله إعلانًا جديدًا، لكن بقيت القرارات الصادرة عن الإعلان الأول نافذة.
فى 30 أكتوبر، أصدرت الحكومة قرارًا بإغلاق المحال فى العاشرة مساء، وأعلنت وزارة التنمية المحلية أن القرار لا رجعة فيه.
وفى 31 أكتوبر، أعلن اللواء أحمد زكى عابدين، وزير التنمية المحلية، تأجيل تطبيق قرار إغلاق المحال التجارية من الساعة العاشرة مساءً، لدراسة تشديد العقوبات التى ستقع على المخالفين ولحين إقرار لائحة تنفيذية له، لكنه فى 20 نوفمبر، قال إن "قرار إغلاق المحال التجارية مازال جاريًا".
فى 21 نوفمبر، أصدر مرسى إعلانًا دستوريًا يتضمن إعادة محاكمة رموز النظام السابق، حسب قانون حماية الثورة.
وبعد تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين اعتراضًا على الإعلان الدستورى، وتهديدات القضاة برفض الإشراف على الدستور الجديد، قرر الرئيس محمد مرسى إلغاء الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر، وإصدار إعلان جديد، وإجراء الاستفتاء على الدستور فى موعده.
وفى 9 ديسمبر، أقر الرئيس محمد مرسى بصفته ممثلاً للسلطة التشريعية، عدة قوانين بزيادة ضرائب مختلفة على الدخل والعقارات وعلى سلع عدة منها الغاز والكهرباء والسجائر والمكالمات الهاتفية والأسمدة والمياه الغازية والإسمنت والحديد وغيرها.
وبرغم صدور تلك القوانين قبل ذلك التاريخ بعدة أيام محصنة بالمناسبة من رقابة القضاء بموجب الإعلان الدستورى الذى تم فيما بعد إلغاؤه فإنها لم تنشر فى الجريدة الرسمية إلا فى 9 ديسمبر.
وبعد ساعات قليلة، فجر الاثنين، 10 ديسمبر، قال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية إن الرئيس قرر وقف قرار زيادة الأسعار، وإعادته إلى الحكومة لدراسته .
وعقب تصاعد وتيرة العنف فى منطقة القناة وخاصة بورسعيد التى احتجت على قرار محكمة "مجزرة استاد بورسعيد" ليسقط عشرات القتلى والمصابين، سكب الرئيس مرسى مزيدًا من الوقود على النيران المشتعلة، وأعلن فى خطاب متلفز إلى الأمة عن فرض حالة الطوارئ على بورسعيد والسويس والإسماعيلية، وحظر التجوال على مواطنيها لمدة 30 يومًا . غير أن مدن القناة تحدت حظر التجوال بقوة، وسخرت منه.
بعد فشل تطبيق حظر التجوال، تراجع الرئيس عن قراره بطريقة ملتفة، إذ أصدر قرارًا جديدًا بتفويض المحافظين صلاحيات تخفيض مدة حظر التجوال أو إلغائه.
فيما يقدم د. ياسر ثابت رصدا تحليليا للصراع بين السلطة فى عهد مرسى ووسائل الإعلام. منطلقا من واقعة احتجاب الصحف يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2012، فقد احتجبت 11 صحيفة حزبية ومستقلة، احتجاجًا على مواد الصحافة والحريات بمشروع الدستور، تنفيذًا لقرار مجلس نقابة الصحفيين بالاحتجاب، حال استمرار تجاهل الجمعية التأسيسية مطالب الجماعة الصحفية.
كان الحدث استثنائيًا فى ظل تضامن خمس قنوات فضائية - وهى قنوات ONTV و"دريم" وCBC، و"الحياة" و"القاهرة والناس"- مع الصحف وتعهدها بتسويد شاشاتها فى اليوم التالى مباشرة، من الساعة 6 مساء حتى 12 صباحًا، وهو ما تعذر إنجازه إثر تفجر الأوضاع وتصاعد حدة المواجهات الدامية والمؤسفة أمام قصر الاتحادية الرئاسى.
تزامن قرار تسويد شاشات قنوات فضائية مصرية مع تصاعد وتيرة استهداف قوى إسلامية – بقيادة حازم صلاح أبو إسماعيل- لمدينة الإنتاج الإعلامى، رغم أن القنوات الفضائية العاملة فيها كانت وسيلة الإسلاميين أنفسهم للظهور للرأى العام والحصول على الشرعية، فى زمن المنع والحظر فى عهد مبارك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.