لا يوجد شك في دعمنا اللامحدود لعملية تحول ديموقراطي عميق في سوريا، عملية تمكن الدولة السورية من الحفاظ على عدد لا يستهان به من المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية من جهة، ومن الحفاظ على وحدة الدولة واستقلاليتها وانحيازها السياسي بعيدا عن التبعية للولايات المتحدة وفي رفض الاحتلال الاسرائيلي ودعم مقاومته المشروعة من جهة أخرى، بما في ذلك دفاعها عن حقها في استرداد أراضيها المحتلة. هذه المكونات جميعا تمثل المعيار على الحكم والانحياز في التعامل مع الوضع الناشيء في سوريا، فلا يكفي الحديث عن رفض الاستبداد والتوق إلى الديموقراطية و-هو حديث صحيح ومشروع على أية حال – من أجل تبرير كل هذه التحالفات التي تمثل قوسا واسعا بين إسرائيل والولاياتالمتحدة وتركيا وقطر وبعض الدول الاوروبية، والتي تستخدم فيها مجموعات مسلحة وممولة من بقاع مختلفة وبمظهر بارز من التطرف والتخلف، من أجل بيع "المسألة السورية" كقضية نضال من أجل الديموقراطية. إن ما يجري في سوريا هو عملية عسكرية واسعة النطاق تؤذن بأن الحرب التي لوحت بها إسرائيل وأمريكا خلال العامين الماضيين قد اندلعت ولكن بإسلوب مختلف، وهي حرب تهدف إلى تمزيق الدولة السورية، والى إعادة إنتاج الحرب الأهلية في لبنان، وإلى الانتقال إلى ضرب إيران وإعادة بناء خارطة جديدة جيوسياسية للمنطقة وللعالم، وبضمن ذلك تمهيد الاجواء لفرض حل مجحف على الشعب الفلسطيني. وليس صدفة أن "المسألة السورية" باتت موضع استقطاب متزايد اقليمي ودولي، بالاضافة إلى الاستقطاب الداخلي الذي رافقها في صفوف الشعب السوري، هذا الاستقطاب الذي يعني على الصعيد الدولي قطع الطريق على تحول النظام الدولي إلى نظام تعددي الاقطاب بمشاركة روسيا والصين ودول البريكس، بعد أن كان نظاما قطبيا أمريكيا مدعوما من أوروبا، وهو كذلك من أجل تكريس هيمنة إسرائيل على منطقة الشرق الاوسط وشرعنة تحالفاتها على الصعيد الاقليمي مع تركيا وبعض الدول العربية بحجة مواجهة الخطر الايراني، و"الحرص" على الشعب السوري. في خضم هذا الاستقطاب الحاد، ورغم صحة الموقف الفلسطيني الرسمي بالتزام الحياد حماية لشعبنا، إلا أننا واضحي الانحياز ضد هذا التحالف غير المقدس، الاسرائيلي- الأمريكي- القطري- الرجعي، الذي يستخدم التطرف وأمراء الجهل ومرتزقي الحروب، والمال، لاستغلال معاناة الشعب السوري وقطع الطريق على حوار جاد من أجل تسوية تضمن التحول الديموقراطي في سوريا، وتصون المكتسبات الاجتماعية، ووحدة الدولة السورية. هذا الانحياز لا يعني بأي حال تبرير ممارسات النظام السوري وسياساته ولكن في المقابل نحن لا يمكن أن نشتري بضاعة الديموقراطية وحقوق الانسان من الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتابعيها من العرب. ** بسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني