الإدارة الأمريكية مهما تعاقب القائمون عليها، تسير فى اتجاه واحد هو "المصلحة" أولاً.. ثم "الهيمنة" التى تحقق هذا "الهدف السامى "الذى من أجله وضعت أجندتها بعقلية "بنى صهيون" فى منطقة الشرق الأوسط. ولأن الأجندة الأمريكية كبيرة فليس من المستغرب أو المستبعد أن نرى تناثر أوراق هذه الأجندة واحدة تلو الأخرى بين تمويل لجماعات متطرفة، ودعم لفوضى خلاقة، ونهب لثروات، وارتكاب جرائم منظمة واغتيالات لرموز، وتهريب أسلحة محرمة، وتجييش لمعارضين ينفذون مخططات انقلابية، وحملات إعلامية مسعورة ومدفوعة الأجر، وشبكة قواعد عسكرية موزعة بشكل يؤمن ديمومة عملياتها الحربية فى أى وقت، وغيرها من العمليات القذرة التى ستنفذها ونفذتها فى العديد من دول المنطقة، وما واقعة تأجيج نيران الفتنة بين العراق والكويت، وإعطاء صدام حسين الضوء الأخضر باحتلال الكويت، ثم إعلان الحرب على صدام والاستحواذ على مقدرات العراق، وبعدها تجييش الجنوب السودانى ودعم انفصاله وإقامة دولته المستقلة، وغيرها من عشرات الوقائع ببعيد عن الذاكرة العربية والدولية . كما هناك دليل آخر على تلك السياسة الأمريكية العنصرية، وهو غض طرفها عن المحرقة السورية اليومية المشتعلة، وعدم سماحها لأى طرف بالانتصار التام، تاركة النظام والمعارضة يستنزفان قوى بعضهم بعضاً، دون الالتفات إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى، وملايين المشردين، والمناشدات، والمطالبات الدامعة من الأطفال، والسبايا، والأرامل السوريات بسرعة تدخل "شرطى العالم" لوقف تلك المجازر التى تقف وراءها ميليشيات من كل صوب وحدب، بينما يتباكى هذا "الشرطى الأصم والأبكم "ومعه حلفاؤه على ثلاثة من القتلى فى بوسطن جراء عملية إرهابية هى من غرس ما زرعه ظلمه وبطشه من بذور الفتنة، والتطرف!! إن حديث أمريكا عن التحرير والديمقراطية والتغيير والإصلاح لم يعد مقبولا لأنه أصبح "شعارات" بلا معنى، فأى إصلاح أو تغيير حقيقى يستلزم بالضرورة تغيير الأنظمة والحكومات، وهو ما لا تسعى إليه "واشنطن" لأن معظم تلك الأنظمة من صناعتها تسبح بحمدها وتنفذ مخططها!! والخديعه الكبرى هى أن يردد بعض الفقهاء والنخب منا مقولة «إن زمن الاستعمار قد ولى»، وأن الشعب هو من يحكم نفسه بنفسه وهو مصدر القوة والقرار، لأنه لا توجد دولة فى العالم شعب يحكمها، لكن توجد دولة تحكم شعبا ومصدر القوة والقرار يتمثل فى رئيس و برلمانات يختارهم الشعب لتعبر عنه، ولهذا هم لا يريدون لنا الوصول بالدولة إلى برلمان منتخب حتى يظل المجتمع هو الذى يحكم السياسة وليست السياسة هى من تقود المجتمع !! وليس خافياً على أحد أن أمريكا لم تكن مع الثورة المصرية، فهى منذ اليوم الأول وطوال الثمانية عشر يوما كانت مع بقاء مبارك فى الحكم-باعتراف من قاموا بتمويل الفوضى بعد الثورة وحتى الآن وتنفرد "الأهرام العربى "بنشر هذه الاعترافات أمام الجهات المعنية - وتحت زعم أن وجوده مهم للانتقال للديمقراطية، لكن إرادة الشعب هى التى أطاحت بمبارك، وهنا أدركت إدارة أوباما أنها بلا أوراق، وأن موقفها فى مصر أضعف من أى وقت مضى، فالمعونة الاقتصادية صارت هزيلة بما لايؤثر على الاقتصاد الوطنى القوى آنذاك، والمعونة العسكرية يصعب وقفها، لأن واشنطن نفسها فى حاجة لاستمرارها، باعتبارها جزءاً من معادلة كامب ديفيد التى تسعى بكل قوة لحمايتها. لذلك ظل البحث عن أدوات لممارسة النفوذ من أجل تشكيل مصر البازغة والضغط عليها إذا ما لزم الأمر، فلحست وعدها الذى قطعته على نفسها لكى تبدو أنها ليست ضد إرادة الشعب المصرى بمنح الثورة المصرية والتونسية ما يقرب من 30 مليار دولار، واستخدمت سلاح “الترويض “ عبر القروض والتمويل بحيث تظل مصر منخرطة فى اشتباكات مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومنعها من تبنى نهج اقتصادى مغاير، على غرار ما فعلته بنجاح بعض دول أمريكا اللاتينية وآسيا خصوصا البرازيل وماليزيا، وأنها بحكم ثقلها ستصبح نموذجاً للدول العربية والإفريقية على السواء. أما فيما يتعلق بنظام الحكم فى مصر، فأمريكا لا تعنيها أيديولوجيته" إسلامية كانت أم علمانية، ولا حتى طبيعته، المهم مصلحتها، لذا فإن الراصد الآن للمواقف الأمريكية “إعلامياً ومجتمعياً وحكومياً،" يدرك بدء حالة انقلابية ضد الإخوان منهجاً وأداءً، غير أن ما يغيب عن أعين الأمريكيين - أو يعلمونه ويتجاهلونه-هو أن انقلابهم على الحكم الإخوانى الحالى سيكون له ثمن فادح على مصالحهم بمصر والمنطقة. وأخيرا.. فإننا نقول لدعاة الحرية الدموية وراكبى موجة التغيير والديمقراطية الأمريكية إلى أى مستنقع استعباد واقعون؟ وإلى أى وحل ذل خائضون؟ ونقول لأنفسنا من العرب: لماذا لم تعد تهزنا صور الظلم فى فلسطين والعراق وميانمار ؟ ولماذا نشاهد الشريفات العفيفات تنتهك أعراضهن ولا أحد يتكلم ؟ولماذا إذا تكلم مسئول عربى ولو بالهمز عن بلد عربى آخر تقوم القيامة ويسحب السفراء، بينما نشاهد اليهود والأمريكان يعبثون فى ديارنا ولا يحرك فينا ساكنا؟ هل أصابنا تبلد الإحساس؟ * قيل لأحد الخبثاء..كيف تخُرب البلاد؟ قال أخون الحكام وأسُب القضاء وأهين الشرطة وأجهل الآراء وأُسفه العقلاء، وأُسرح السجناء وأشجع الغوغاء وأنصر الجهلاء ..فقيل له: أهناك قوم يقبلون ذلك فى بلادهم وأهلهم ومن هم منهم؟ قال نعم .. فى بلاد يكثر فيها المنافقون والجهلاء!!!