فى الخمسينات والستينات كان من السهل أن نطلق على أى شخص أنه "شيوعى" أو أن له علاقة مع الاتحاد السوفيتى، وكانت هذه "التهمة" كافية بأن تجعل حياة هذا الشخص تنقلب رأسا على عقب، وقد تؤدى به إلى السجن. فى أيامنا تم استبدال الاتحاد السوفيتى بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصبح أى شخص له علاقات مع الولاياتالمتحدة أو يقوم بالمشاركة مع منظمات أمريكية عميلا، ويجب الحذر منه. والسؤال الذى يفرض نفسه لماذا نكره الولاياتالمتحدة؟ لماذا نكرها ونحن نحب أفلامها ونعشق نسائها، ونلبس الملابس الأمريكية ونأكل أكل الأمريكان، ونتمنى السفر إليها، سواء للهجرة أو للعمل أو حتى للسياحة.. فهى أرض الأحلام للشباب المصرى. إن معظم الشباب المصرى ينتظرون الموضة التى تأتى من الولاياتالمتحدة ويفتخرون بأنهم يلبسون الجينز الأمريكى والساعة الأمريكية والسيجار الأمريكى، بل وننتظر المساعدات الأمريكية سواء على المستوى الفرد أو المؤسسات أو حتى على مستوى الدولة، وأتذكر أنه كان لدينا منذ عشرات السنين أتوبيس شهير نطلق عليه "كارتر" لأنه جاء من الولاياتالمتحدة وكان رئيسها وقتها جيمى كارتر، فسمى الأتوبيس على اسمه، وكان الناس سعداء به جدا.. كل هذا ونكره الولاياتالمتحدة، فهل نحن شعب يعانى من انفصام فى الشخصية، ولماذا هذه الازدواجية بين الحب والكره. إن المصريين يكرهون أمريكا على المستوى السياسى وليس الاجتماعى، فهناك إحساس دائم من المصريين بأن السياسة الأمريكية تهيمن على السلطة المصرية وتفرض شروطها عليها، كما أنها دائما موالية لإسرائيل العدو الرئيسى لكل العرب.. لقد احتلت أمريكا العراق وتهيمن على المنطقة العربية وترفض أى تقدم للدول العربية.. المصريون يكرهون الحكومة الأمريكية وسياستها التى تكيل بمكيالين، ولا تتغير مهما تغير الرؤساء فهو نظام قائم ورئيس أمريكا ليس إلا منفذا لهذه السياسة وهذا النظام دائما لا يرضى المصريين ويغضبهم. لكن أليس من حق أمريكا أن تنفذ سياستها الخاصة، وأن تحقق طموحاتها وأن تخطط لتستمر الدولة الأكبر نفوذا فى العالم، خاصة بعد أن تخلصت من الاتحاد السوفيتى وأصبحت وحدها القوة الأولى عالميا. لماذا نطلب من أمريكا أن تتعاون معنا، ولماذا نطلب من إسرائيل أن تمد أيديها لنا وأن تنفذ ما نطلب منها، وقد نطمح فى أن تتنازل لنا إسرائيل طواعية عن الأرض وتقدمها لنا عرفانا للمحبة والود والكرم، وأن تساعدنا فى ذلك الولاياتالمتحدة.. فلماذا تقدم أمريكا أو إسرائيل أو أى دولة تنازلات أو توافق على الخضوع؟!! هل كان يمكن أن تحتل أمريكا العراق لو لم يكن صدام حسين رئيسها، ألم يخذل صدام العرب وبدلا من أن يستخدم قوته لصالح القضية العربية، وجهها نحو الكويت، من أجل طموحات بترولية، معطيا الفرصة لتدخل أمريكا فى العراق وفى المنطقة كلها. هل يمكن أن تتدخل أمريكا فى شئوننا إلا بإذن منا، فى ظل فساد مالى وسياسى فى معظم المنطقة العربية، هل يصح أن نكون بهذا الهوان ولا تستغلنا الدول الأخرى، وتقوى مصالحها ومنافعها، ثم نرجع ونكره أمريكا، إننا يجب أن نكره أنفسنا قبل أن نوجه الكره لغيرنا الذى يحقق مصالحه بأمانة ويرضى بلده ووطنه. ولكننا سنظل نلقى باللوم على غيرنا، ونحن نجلس فى بيوتنا وعلى المقاهى نشتم أمريكا ثم نسهر على السينما الأمريكية ونأكل وجبات الكنتاكى ونشرب القهوة الأمريكية.. وننتظر المعونة الأمريكية!!.