لم تستطع وسائل الإعلام بمختلف ألوانها وأشكالها وانتماءاتها ملاحقة تطورات الأحداث على الأرض المصرية، وأحسب أننا كإعلاميين وممارسين للسياسة -ولأول مرة –لا نطلب المزيد من بعض هذه التطورات والأحداث التى تصنع عملنا الخبرى، خصوصا وأن معظمها أصبح يتعلق بسقوط عشرات الشهداء والقتلى والمصابين برصاصات غادرة فى إضرابات واعتصامات لا تنفض، وأعمال بلطجة وقطع طرق وتعطيل مصالح العباد. أما الحدث الذى لا يتغير ولا يتبدل ولا يشهد أى تطور فهو «الانقسام والعناد» بين مؤسسة الرئاسة والمعارضة لتبقى الأزمة مشتعلة بينهما، ويتداعى الوضع الاقتصادى نحو الانهيار، مما ينذر ب «ثورة جياع» قد تتسبب فعليا فى تهديد استقرار مصر، وتضعف سيطرتها على حدودها وتقلل من وجودها على الساحة. ونسى الطرفان أو تناسيا أن من يملك الكلمة النافذة هو «الشارع» فمؤسسة الرئاسة، وكذا المعارضة لم تعد لهما الكلمة العليا على هذا الشارع الثائر للحق والعدل والحرية ولقمة العيش النظيفة غير المغمسة بشروط أو وصايا أمريكية أو من قروض قطرية وإيرانية وتركية أو بخيانة أو مهانة سياسية! إننا بحاجة إلى تصفية النفوس ونبذ الاعتقادات والأوهام، فجماعة «الإخوان» عليها أن تفيق من معتقدها بأن أى تنازل يُقدّم الآن للمعارضة سيؤخر مشروعها للاستحواذ على مختلف المؤسسات، وأن غليان الشارع لم يمنعها من استكمال خطتها. أما المعارضة فعليها ألا تتوهم أن كل الإضرابات والتظاهرات تتم بتحريضها وقدراتها على تحريك الشارع المصرى، وأن مقاطعتها للانتخابات ستزيد أرضيتها، وعليها أن تعى أن سلاح المقاطعة أثبت فشله، وأنه مجرد مبرر فلسفى للكسل فى مواجهة الجماهير ومحاولة كسب أصواتهم، وأن العالم لن يعترف بها ولن يعتبر أفرادها ممثلين حقيقيين لجزء من الشعب إلا بالانتخابات. إذن ما الحل؟ أولاً: الاتفاق على هدنة زمنية ولتكن «شهرا» تتوقف فيها كل القوى السياسية والحركات الشبابية والاحتجاجية عن مشاحناتها وخلافاتها. ثانيا: الاعتراف الجماعى من «الرئاسة ومعارضيها «بالمسئولية الجماعية عما آلت إليه الأوضاع فى البلاد بسبب ممارساتهم. ثالثا: الاعتذار عن الأداء «المهلهل» للرئاسة. رابعا: الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة الوطنية لوضع برنامج إصلاحى اقتصادى واجتماعى, يتم الاتفاق عليه من كل القوى الوطنية، ويبدأ تنفيذه فور انتهاء الهدنة. خامسا: إعادة الثقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية، واحترام أحكام القضاء وعودة هيبته. إضافة إلى كل ذلك, ضرورة توافر الصدق والإخلاص مع الله تعالى والنفس، فهما المخرج مما نحن فيه, فعلينا ترك الحسابات السياسية والحزبية، وننحى المصالح الشخصية جانبا, والإخلاص لمصر وشعبها الأمين، وكفى افتعال أزمات سياسية وحزبية..فلقد سقط وهم حكم» نظام الأئمة وتوكيل الإسلام السياسى الحصرى» للإخوان وأسلافهم فى الاستفتاءات والانتخابات، واتضح عمق الانقسام المجتمعى حول سياساتهم. كما سقطت ورقة التوت عن المعارضة التى لفظها الشارع بعد تعريته لسلوكها المفضوح، الذى أدمن الكلام وكراهية الفعل، والأجدر بالطرفين البحث عن حلول جذرية تقارب بينهما، لأننا لم نعد نستطيع الصبر على استمرار عنادهما، وضياعهما لمستقبل جيل ثورى ناهض يعيش وذووه مآسى يومية فى سد احتياجاتهم من الخبز والوقود، ويعانون الأمرين من فوضى المرور والانفلات الأمنى، بينما أصبحت تلال القمامة وانعدام النظافة العامة وسوء حالة الطرق وحوادث القطارات وتردى الخدمات الصحية والعلاجية، علامة على الفوضى التى نعيشها فى كل حياتنا حتى طالت نقابة الرأى الحر, وتنوير العقول المعروفة ب»نقابة الصحفيين «فى جمعية» العار والخزى «! وأخيرا .. التاريخ يعلِّمنا أن الديمقراطية تهدِّدها فى أغلب الأحيان طاعةُ المواطنين العمياء، أكثر مما يهدِّدها عصيانُهم. وفى الواقع تصنع طاعةُ المواطنين المنفعلةُ قوةَ الأنظمة الاستبدادية، فإن الدعوة لعصيان مدنى وأحداث الفوضى العارمة, وحالة التربص ببورسعيد وشعبها الفدائى، والتلويح بتفجير الأمن والأمان، وقتل الأبرياء من شباب «ألتراس الأهلى والمصرى»شىء تحرمه وطنيتنا المصرية قبل الشرع والأخلاق، فليس بالعصيان المدنى والإضرابات وقتل الأبرياء تتحقق رغبات الشعب والثورة! * قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ غَرْبَلَةً ، وَيَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا» .. «سَأَلْتُ رَبِّى ثَلَاثًا فَأَعْطَانِى اثِنْتَيْنِ، وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً. سَأَلْتُ رَبِّى أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ, فَمَنَعَنِيهَا».