إسكان وموانئ وكبارى ومصانع، مشروعات عملاقة تتوالى على أرض الإسكندرية، لكن يظل هناك مشروع واحد يترقبه الشارع السكندرى بشغف، يصفه المواطنون ب «مشروع المستقبل»، وهو خط المترو الجديد فبخطى واثقة وسواعد مصرية لا تعرف التوقف، ترتفع المحطات، وتقام الجسور، وترصف القضبان، ليقترب اكتمال أحد أهم مشروعات النقل فى تاريخ الإسكندرية، فى زمن قياسى يعكس روح العمل والإصرار. ويمتد المسار من أبو قير حتى محطة مصر بطول 21.7 كيلو متر، منها 15.2 كيلو متر علويًا و6.5 كيلو متر سطحية، ويضم 20 محطة، تحت إشراف مباشر من القيادة السياسية ومتابعة يومية من الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل. اقرأ أيضًا | بعد بيانيّن متضاربيّن.. تأكيد غلق «مترو العتبة» غدًا لاختبار المحطات الجديدة «الأخبار» أجرت جولة ميدانية بطول مسار المشروع العملاق، الذى يمثل حلا جذريا لأزمة المرور والنقل فى عروس البحر المتوسط، ومن أرض النحاس على محور المحمودية، حيث يدار كل شيء يتعلق بالمشروع والشركات المنفذة، كانت بداية الجولة، بلقاء المهندس سيد كامل، مدير مشروع مترو الإسكندرية، الذى كشف عن الشعار الرسمى الذى يجسد هوية الإسكندرية الساحلية بموج البحر الأزرق. وتحدث كامل عن ورشة كفر عبده القريبة من مكتبه، المقامة على مساحة 58 فدانًا، موضحا أن العمل جار على إنشاء 10 مبان رئيسية من أصل 18 تمثل أكثر من 80%، وتشمل مبانى العمرة الخفيفة، وتخزين القطارات، ومحطات القوى، وتنكات الحريق وغيرها من المنشآت الحيوية، أما عن الورشة الثانية للمشروع أو ما يعرف ب «سيرفس بوينت» فى منطقة أبو قير، فذكر المهندس سيد كامل أن أعمال التسوية والإحلال انتهت بالكامل، على أن تبدأ خلال الأيام المقبلة أعمال الأساسات لأول مبنى مخصص لتخزين القطارات. وبالانتقال إلى مسار المترو، أوضح المهندس سيد كامل أن نحو 4500 عامل وفنى ومهندس يعملون بلا انقطاع، فى ورديات متتالية على مدار اليوم، لإنجاز المشروع فى زمن قياسي، منوها أن المسار أُضيء بالكامل وجهز بوسائل السلامة المهنية لضمان استمرار العمل بأمان على مدار 24 ساعة. وأفاد بأن أعمال الخوازيق والأعمدة والكبارى اكتملت بطول المسار العلوي، فيما تتواصل حاليًا صبّ البلاطات الخرسانية فى مختلف القطاعات، بدءا من محطة المندرة وحتى محطة فيكتوريا. وأوضح مدير المشروع أن حواجز خرسانية عازلة للصوت «Noise Barriers» يجرى تركيبها على جانبى المسار، بهدف الحد من الضوضاء الصادرة عن حركة القطارات وتحسين مستوى الهدوء بالمناطق السكنية المجاورة، وتعمل هذه الحواجز كعائق مادى يمنع انتشار الموجات الصوتية ويمتص جزءا كبيرا منها، مما يساهم فى تقليل التأثيرات السمعية على السكان وخلق بيئة حضرية أكثر هدوءا. وقال كامل ل«الأخبار» إن الفرق الهندسية تستعد خلال أيام لبدء تركيب أول قضبان المسار بين المندرة والعصافرة، بينما تتواصل الأعمال بوتيرة متصاعدة فى كل القطاعات لتحقيق إنجاز قياسي. وفيما يخص معدلات تنفيذ المحطات، أوضح المهندس سيد كامل أن المشروع يضم 20 محطة؛ منها 14 علوية و6 سطحية، مشيرًا إلى أن العمل جار حاليا فى 16 محطة بالتوازى على طول المسار. وأضاف أن أعمال الأساسات اكتملت فى 13 محطة حتى الآن، من بينها: «طوسون، المعمورة، العصافرة، مسامي، محمد نجيب، فيكتوريا، والمندرة»، بينما تتواصل أعمال الهيكل الخرسانى فى ثمانى محطات أخرى، من أبرزها: «أبو قير، طوسون، الإصلاح، المندرة، العصافرة، وسيدى بشر». بينما تتواصل الأعمال على طول المسار، تحدث المهندس سيد كامل عن أبرز العقبات، التى واجهت فرق التنفيذ، موضحا أن ضيق المساحات الخالية داخل الإسكندرية كان التحدى الأكبر أمام المشروع، وللتغلب على ذلك، تم إنشاء ورشة ضخمة لتصنيع الكمرات الخرسانية فى مرغم بالعامرية، على بعد نحو 40 كيلو مترًا غرب المدينة. وقال كامل: «نصنع الكمرات فى مرغم، ثم تحمل الشاحنات نهارا، وتنتظر حتى منتصف الليل لدخول الإسكندرية ونقلها إلى مواقع المشروع، حتى لا تتأثر حركة المرور أو يتعطل العمل». ولم تخل الأعمال من التحديات، كما يؤكد المهندس سيد كامل، إذ واجهت الفرق صعوبات ترحيل الكابلات وشبكات المرافق الممتدة بطول المسار، إلى جانب اعتراضات بعض الأهالى عقب قرار غلق نحو 300 فتحة عبور غير قانونية كانت متقاربة كل 50 إلى 100 متر فى سور السكة الحديد، ولتأمين الحركة ومنع المخاطر، أُعيد تنظيم العبور عبر مسارات بديلة آمنة مزودة ب «لوحات إرشادية» و»حواجز توجيه»، مع تواجد أمنى مكثف. وبينما تتواصل الأعمال على مدار الساعة، وسط حركة لا تهدأ من العمال والمعدات بطول المسار، طرحنا على المهندس سيد كامل سؤالًا بدا بديهيا: «هل يختلف تنفيذ المشروع فى الإسكندرية عن مثيله فى القاهرة؟»، ابتسم قائلا: «كل عامود هنا يعتبر مشروعا قائما بذاته، لا يتكرر ولا يتشابه». وأوضح أن طبيعة التربة هى العامل الحاسم فى كل خطوة من خطوات التنفيذ، ففى بعض المناطق تظهر الطبقات الطينية على عمق مترين فقط، بينما فى مناطق أخرى لا تظهر إلا عند عمق 20 مترا، وهو ما يفرض أسلوبا مختلفا فى تنفيذ الأعمدة والكبارى والمحطات على طول الخط. واعتبر كامل الاختلاف الجوهرى بين مشروعى مترو القاهرةوالإسكندرية فى طريقة التنفيذ، لافتًا إلى أنه يجرى تطويع طريقة تنفيذ المشروع حتى لا يؤثر على الحركة المرورية فى الإسكندرية من خلال عمل بدائل وتحويلات مرورية. وحول الجدول الزمنى للتنفيذ، كشف المهندس سيد كامل أن التشغيل التجريبى سيبدأ فى الربع الأول من عام 2027، موضحًا أن تصنيع القطارات والعربات سيتم بالكامل داخل مصر فى مصنع الشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية «نيرك» شرق بورسعيد بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ولفت إلى أن الوحدات المتحركة لمترو الإسكندرية مختلفة عن نظيرتها فى الخطين الأول والثانى لمترو القاهرة، حيث ستكون بأحدث المواصفات العالمية، فضلا عن أنها ستكون مكونة من 9 عربات وليس 7 أو 8 فى القاهرة، نظرا لأن طول محطات المترو فى الإسكندرية 200 متر. ووصف الفريق أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، المشروع بأنه تحول حضارى سيغيّر نمط الحياة فى المدينة، قائلا: «سيحدث المشروع نقلة نوعية فى حركة التنقل داخل الإسكندرية، ويرتقى بمستوى الخدمات اليومية للمواطنين».