أكد د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث أن الجغرافيا والتاريخ يلعبان دورًا محوريًا فى تشكيل العلاقة العميقة بين مصر وفلسطين، مشيرًا إلى أن هذا الارتباط لم يكن وليد اللحظة، بل تجذر منذ ما قبل قيام الدولة الفلسطينية، حين كانت فلسطين جزءًا من بلاد الشام لافتا إلى أن مصر لم تكن يومًا بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل كانت فى قلبها، سواء من خلال المواقف السياسية والدبلوماسية أو المشاركة العسكرية والدعم الشعبى، وأن شخصيات محورية مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات نشأت وتعلمت فى مصر، مما يعكس حجم التقارب والتداخل الثقافى والاجتماعى.. وأوضح د. عفيفى فى حواره ل«الأخبار» أن مصر تحملت مسؤولية قطاع غزة كأمانة وطنية منذ عام 1948، واستمرت فى دعمه حتى بعد خضوعه للحكم الذاتى كما شدد على أن الدبلوماسية المصرية ظلت حاضرة بقوة فى المحافل الدولية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وأن على الإعلام الوطنى دورًا مهمًا اليوم فى توثيق هذه المواقف وتعزيز الوعى بها فى عصر الذكاء الاصطناعي. اقرأ أيضًا | الدعم المصري في غزة.. إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية لماذا تعد مصر الداعم التاريخى للقضية الفلسطينية؟ يجب أن نعلم أن الجغرافيا تلعب دورا مهما للغاية، فمصر دولة جوار لفلسطين حتى قبل إطلاق الاسم عليها، أى عندما كان يطلق اسم بلاد الشام على كل من « الأردن- سوريا- لبنان- فلسطين»، كما أن واحدا من أهم الشخصيات الفلسطينية وهو الرئيس الراحل ياسر عرفات، كان من أبناء قطاع غزة، نشأ وتربى فى مصر، حيث كان والده يعمل تاجراً، ودرس ياسر عرفات فى كلية الهندسة جامعة القاهرة لذلك تشعر أن لهجته أقرب إلى اللهجة المصرية منها إلى الفلسطينية، وهناك العديد من النماذج الأخرى التى تفسر عمق العلاقة التاريخية بين مصر وفلسطين. ما أبرز تلك النماذج؟ - أول رئيسين من رؤساء الجمهورية المصرية وهما محمد نجيب وجمال عبد الناصر خاضا حرب 1948، وذلك قبل إعلان الجمهورية وشاركا فى الحرب دفاعا عن فلسطين، والرئيس الأسبق محمد نجيب جرح فى الحرب وعاد لمصر للعلاج ثم عاد مرة أخرى، والرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حوصر فى الفالوجا ودافع عنها حتى عقب حرب 1948 ، فمشاركة الرئيسين السابقين فى تلك الحرب تؤكد الوعى الكبير بالقضية الفلسطينية لدى مصر. ماذا عن الدور المصرى فى قطاع غزة؟ قطاع غزة، هو ما استطاع الجيش المصرى الحفاظ عليه فى حرب 1948 بدلا من وقوعه فى يد الجيش الإسرائيلى، وهذه المنطقة سميت بهذا الاسم نسبة لمدينة غزة، وظل القطاع أمانة لدى الحكومة المصرية، وينظمه حاكم عسكرى مصرى، وكان له مقر فى غزة وآخر بالقاهرة، وكان الأمر على سبيل العهدة والأمانة لدى مصر لحين إعلان الدولة الفلسطينية، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عدوان 1967، وخلال هذه الفترة كان يدرس طلاب القطاع فى مصر. وماذا عن اتفاقية أوسلو وخضوع القطاع للحكم الذاتى؟ - إتفاقية أوسلو 1993 ترتب عليها اتفاق «غزة-أريحة»، وخضعت غزة للحكم الذاتى الفلسطيني، وحينها اصطحب الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى لحظة تاريخية الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات إلى رفح المصرية وأدخله فى مشهد تاريخى رفح الفلسطينية ليبدأ مسيرة الدولة الفلسطينية. وهل توقف الدعم المصرى للقضية الفلسطينية يوما ما؟ - أبدا.. الدولة المصرية دائما ما تتدخل لحل الأزمات «الفلسطينية-الإسرائيلية»، ودائما مصر ما تقف بجانب الأشقاء الفلسطينيين، وخير هذا الكلام ما يحدث فى تلك الأيام من استضافة شرم الشيخ المباحثات «الفلسطينية-الإسرائيلية» لوقف العدوان وإقرار خطة واضحة تنهى معاناة الشعب الفلسطيني، فمصر لديها اهتمام كبير بالقضية الفلسطينية على مر تاريخها. وماذا عن البطل أحمد عبد العزيز؟ - كثيرون لا يعلمون أن الشارع المسمى فى منطقة المهندسين وتحديدا جامعة الدول العربية باسم البطل أحمد عبد العزيز، يعود إلى ضابط كبير فى الجيش المصرى قبل حرب 1948، وذلك قبل دخول مصر فى الحرب بشكل رسمى، حيث كان هناك اتجاه لتقديم عدد من الضباط المصريين استقالتهم بالاتفاق مع الجيش المصرى بقيادة مجموعة الفدائيين العرب وقت الحرب وكان من بينهم الشهيد البطل أحمد عبد العزيز، الذى استشهد فى فلسطين. كيف تؤرخ لدور الدبلوماسية المصرية تجاه القضية الفلسطينية؟ يتجلى دور الدبلوماسية المصرية منذ البداية ويتضح من حرص مصر على إنشاء جامعة الدول العربية، حيث كانت القضية الفلسطينية والصراع اليهودى العربى أحد أسباب نشأتها فى الفترة ما بين 1944-1945، وكانت ولا تزال مصر بلد المقر، ولعبت دورا كبيرا فى وقوف جامعة الدول العربية خلال تلك الفترة بجانب القضية الفلسطينية، كما كان عبد الرحمن عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية مصري، وأخذ قرارا بدعم الجامعة لعرب فلسطينيين، وكان هناك فدائيون من جامعة الدول العربية لدعم فلسطين فى تلك الفترة. ما الدور الأبرز للمساندة الدبلوماسية فى المحافل الدولية؟ - قامت الدبلوماسية المصرية بدور هام عبر هيئة الأممالمتحدة، فمصر منذ عام 1947 ترعى القضية الفلسطينية من خلال الأممالمتحدة، والمنظمات الأممية مثل الأونروا، والتى تم دعمها فى قطاع غزة، كما أن مصر من خلال مجلس الأمن راعت قرار 242 عقب عدوان 1967 والذى دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضى التى قامت باحتلالها 1967 بما فيها القدسالشرقية والضفة الغربية، كما كانت مصر حريصة على عودة اللاجئين الفلسطينيين والمطالبة بذلك بصفة مستمرة. كيف ترى الحراك الدبلوماسى عقب انتصار 1973؟ - مصر من خلال مندوبها الدائم فى الأممالمتحدة عقب انتصار 1973 راعت وجود فلسطين فى الأممالمتحدة، فمنذ ذلك التاريخ وحتى الآن الدبلوماسية المصرية حريصة على دعوة الدول والتأثير على دول من أجل الاعتراف بفلسطين فى البداية كعضو مراقب فى الأممالمتحدة، وأخيرا الاعتراف بفلسطين كدولة. وماذا عن منظمة التعاون الإسلامى؟ لعبت مصر دورا مهما من خلال مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامى التى تم تشكيلها عقب حريق مسجد الأقصى فى 1969، فمصر لعبت دورا مهما فى المؤتمر الإسلامى لدعم القضية الفلسطينية والدفاع عن المقدسات، ثم عندما تحولت إلى منظمة التعاون الإسلامى لعبت مصر دورا مهما فى دعم القضية الفلسطينية من خلال اتخاذ موقف إسلامى موحد، فالدبلوماسية المصرية لها تاريخ طويل فى الدفاع عن القضية الفلسطينية. لماذا يحاول البعض أن ينكر الدور المصرى فى القضية الفلسطينية؟ - تاريخيا وحتى يومنا الحالى لا يستطيع أحد أن ينكر دور مصر فى دعم القضية الفلسطينية، ولا يوجد فى التاريخ المصرى ما يخجل منه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فدائما القيادة المصرية والشعب المصرى خير داعم للقضية الفلسطينية والتى تعد الشغل الشاغل للدولة المصرية. فى ظل عصر الذكاء الاصطناعى، ما الذى يجب فعله للتأكيد على دعم مصر للأشقاء الفلسطينيين؟ - الإعلام عليه دور هام للغاية فى هذه الفترة المهمة لأننا فى مرحلة تغيير الذاكرة، لذلك لابد من إحياء الذاكرة وإنعاشها بالتأكيد على الدور المصرى التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية عبر مختلف العصور، لأن ترك المجال للآخرين سيؤدى لمحو الذاكرة وهو ما يسعى الكثيرون لفعله، لذلك يجب اليقظة لهذا الأمر جيدا.