د. هاشم بحرى: البيئة النظيفة تجعل الإنسان أقل عرضة للأزمات النفسية أن تعيش فى مناطق بها مسطحات خضراء واسعة، يعنى أنك الأقل عرضة لخطر الأزمات القلبية والجلطات الدماغية بالمقارنة بسكان الأماكن التى لا تتوافر فيها مساحات خضراء. هذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث العلمية. فقد ذكر باحثون فى دورية “جمعية القلب الأمريكية” أن المناطق السكنية المحيطة بالمساحات الخضراء، تراجعت فيها نسبة الوفاة الناتجة عن مرض فى القلب أو مشكلات فى الجهاز التنفسي، وبالتالى تراجع خطر دخول المستشفى بسبب حالات الأزمات القلبية والجلطات الدماغية. كما أن الأشخاص الذين يعيشون وسط المساحات الخضراء يحظون بشرايين سليمة، مقارنة مع من يعيشون فى مساحات خضراء محدودة. نشرت مجلة «Environment and Behavior» بعض تقارير الشرطة الجنائية التى كشفت أن زيادة المساحات الخضراء فى الأحياء الفقيرة تقلل من نسبة الانتهاكات والجرائم. كما تشير بعض الدراسات إلى أن وجود النباتات فى المؤسسات التعليميّة يساعد على تحسن أداء الطلاب فى الاختبارات، ويزيد قدرتهم على التركيز، ومواجهة الضغوط المحيطة بهم، إذ إن وجود البشر بالقرب من النباتات يقلل من ارتفاع ضغط الدّم، والشد العضلى الناتج عن التوتر، والغضب، ومشاعر الخوف، ويزيد قدرتهم على التواصل مع الآخرين، ويقلّل من حالات الاكتئاب، ولا شك أن الخضرة والطبيعة الخلابة تدخل على الإنسان البهجة والراحة النفسية. كل هذه الحقائق والأبحاث ناقشناها مع عدد من المختصين. حيث يؤكد دكتور أحمد مجدى –الاستشارى بمعهد القلب وزميل كلية أطباء القلب الأمريكية- أن أمراض القلب تتأثر جدًا بالبيئة، ويؤكد العلماء دائمًا أن البيئة النظيفة والهادئة تحمى القلب والشرايين من الإصابة بالأزمات القلبية والمخية، إما مباشرة بتوفير الأكسجين، أو بطريقة غير مباشرة بتوفير عوامل صحية أحسن، من خلال تقليل العوادم والمواد الكيميائية الضارة. ويقول: إن العلماء أثبتوا فى أبحاثهم وجود علاقة بين عوامل التلوث وأمراض القلب، والأزمات القلبية بالتحديد، التى تزداد بصورة مطردة مع زيادة التلوث، ووجدوا تأثيره على الوفيات الناتجة عن أزمات لمرضى القلب متكررة. ويؤكد دكتور أحمد مجدى، أن أحد العوامل التى يمكن قياسها فى الهواء هو: (PM2.5) تم أخذه كدليل على زيادة التلوث، ترتفع معه الأزمات القلبية وخصوصًا لدى كبار السن ومرضى القلب السابقين، أو مرضى انسداد الشُعب الهوائية، ويعتمد التأثير على كمية التعرض للملوثات، والمدة التى ظل بها، ويلفت الانتباه إلى أن 80 % من أسباب الوفيات لمرضى القلب والشرايين جاءت نتيجة تلوث الهواء؛ لدرجة أن الأطباء قد ينصحون المرضى بالبقاء فى المنزل وقت الذروة المرورية، مستشهدًا بما صدر من قوانين فى أوروبا وأمريكا لقياس مدى التلوث فى الهواء، وإصدار تحذيرات للمدن والحكومات لمعالجة ذلك، كما تحرص هذه الحكومات على بناء ثقافة مجتمعية ضد التلوث وتشجيع البيئة النظيفة وزيادة مساحات الأراضى الخضراء، وتقليل الضجيج، وعمل حملات توعية مستمرة، والاحتفال بيوم الصحة البيئية لإلقاء الضوء على تلك المشاكل، مؤكدًا أن هناك علاقة وثيقة بين هذه العوامل وزيادة حرارة الكون، التى تزيد الضرر على الصحة عامة ومرضى القلب والشرايين خاصة. كما يؤكد دكتور رفيق عدلى استشارى الأمراض الصدرية وزميل الكلية الأمريكية لأطباء الصدر أن البيئة النظيفة تُحسن صحة مريض الحساسية والصدر، وأنه كلما كان المريض لا يتعرض للدخان والأتربة تقل أزماته الصحية، وأن وجوده فى مكان ملئ بالمسطحات الخضراء، بعيدًا عن النباتات التى تحتوى على حبوب اللقاح التى تضره بشدة لكن النباتات الخضراء ممتازة جدًا بالنسبة لمريض حساسية الصدر، لأنها تساعد فى تحسين قدرته على التنفس الطبيعى، إذ إن التلوث البيئى يزيد من نوبات الحساسية وتسوء حالته الصحية، لأن أكثر شيء يهيج الحساسية هى: الأتربة والدخان والروائح النفاذة، لافتًا النظر إلى أن 70 % من مرضى حساسية الصدر يعانون من حساسية الأنف، فبالتالى تؤثر عليهم البيئة التى يعيشون فيها ويضرهم التلوث جدًا. ويرى دكتور رفيق عدلى، أن الوقاية بالنسبة لمريض الحساسية أهم من العلاج، لذا لابد أن يبتعد عن الأماكن الملوثة، حتى لا تزداد معاناته، وتقل أزماتهم الصدرية والربوية، وينصح مرضى الحساسية أن يعيشوا فى المدن الجديدة ذات الشوارع الواسعة بعيدًا عن التلوث البيئى وعوادم السيارات والأتربة. الصحة النفسية ويتفق معه دكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة ويرى أن التلوث عمومًا فى الحياة بكل أنواعه تؤدى إلى المشاكل، فكلما بعدنا عن التلوث كان مردود ذلك جيدا على الصحة الجسدية والنفسية، وأن زيادة المساحات الخضراء تزيد نسبة الأكسجين أكثر، فهو مهم للتمثيل الغذائى كى نستطيع التحرك بصورة طبيعية، فكلما كان الأكسجين متوافرًا وسط المسطحات الخضراء ساهم فى التنفس الطبيعي، حيث إن مخ الإنسان يأخذ 25 % من كمية الدم الخارج من القلب، ويصل معه إلى المخ كمية أكسجين مع كل دقة قلب جيدة جدًا، وهذا يعود على المخ فيعمل أفضل، ويعطى مردودا أحسن على الصحة بشكل عام. وينوه إلى أن الأماكن المزدحمة والعشوائية والتى يهمل توفير المساحات الخضراء فيها، تنتج ما يسمى ب “أخلاق الزحام”، التى تجعل الإنسان يتسم بالتوتر الأعلى، وعدم القدرة على التحمل، وممكن أن تصل إلى العنف أحيانًا، ويضرب مثلاً: إذا كان الأتوبيس مزدحمًا ستحدث فيه ما لا يقل عن خمسة اشتباكات وشتائم، إنما لو كان الأتوبيس غير مزدحم، وكل راكب يجلس فى كرسى ويتنفس هواء «معقول» فى هذه المساحة، لن تجد أى أحد يعمل مشاكل، مؤكدًا أن الزحام يؤدى إلى التوتر النفسى، وأحيانًا إلى الكآبة، بما يعنى أن المساحات الخضراء والواسعة تعطى راحة للجسد من الناحية الصحية أولاً، وللجهاز النفسى والعقلى من الناحية النفسية. كما يؤكد دكتور هاشم بحرى – استشارى الطب النفسي- أن البيئة النظيفة تُحسن من نفسية الإنسان، وتجعله أقل عرضة للأزمات النفسية، فالذى يعيش وسط التلوث البيئى والسمعى يكون أكثر توترا وقلقا، ولا يستطيع تحمل أى أزمة تقابله، ولا يقدر على التفكير السليم، ويروى أنه عندما تأسس «حزب الخضر» فى أوروبا اهتم الناس بزراعة المساحات الخضراء وحافظوا عليها، ويذكر أنه فى أوائل الخمسينيات إذا ألقى أحد ورقة فى الطريق كان يدفع غرامة «مائة جنيه»، فى الوقت الذى كان المدير راتبه خمسة جنيهات !! وكان الناس جميعًا يحافظون على نظافة الشوارع يساعدهم على ذلك ما كان يبث من توعية يومية عبر وسائل الإعلام، أما الآن فقد تعوَّد الناس على رؤية القمامة فى الشوارع. فيما يعتبر دكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع أن البيئة المحيطة بالبشر من المسلمات الأساسية أنها تؤثر فى نمط حياتهم وسلوكياتهم ونوعية حياتهم، لأنها عبارة عن تفاعل بين البشر وبين المكان الذى يعيشون فيه، فإذا كانت هذه البيئة تعانى من التلوث سينعكس على صحتهم، وإذا كان فيها ضوضاء سينعكس ذلك على سلوكهم.