رمضان علينا يعود..يطل علي أمتنا العربية والإسلامية بعد أيام قليلة لنستبشر خيرا بهلوله، فعندما يأتي رمضان يأتي الفرح، ولكن الإنسان ينسي فقد خلق بطبعه نسايا ..عندما يأتي رمضان تستعد الشعوب له بشراء حاجياتها والاستعداد له، فطوبي لمن صام نهاره وقام ليله ولمن دفع الأجر عن البلاء، لمن أحسن الي الفقراء والمساكين والمعوزين، لكي يشعر هؤلاء بأنهم جزء من هذا النسيج وأن الاخرين يهتموا بهم ويهمهم أن يكون إفطارهم إفطارا مشمولا بما يفطر غيرهم. بداية، نشكر كل هؤلاء الذين يقومون بعمل الخير، وهؤلاء كثيرون، فمنهم من يقيم موائد الإفطار، فهنا في مصر تري الكثير من المقتدرين يقيمون تلك الموائد في الشوارع، ليدخلها المارة بالصدفة وقت حلول آذان المغرب ليشربون ويأكلون مما هو موجود.. ففي الصومِ فرصة للجميع علي أن يعملوا لانهاء الفقر والجوع واطعام المساكين وكفالة الايتام، وهنا تكمن أهمية شهر رمضان المبارك. فكما قال رسول الله في خطبته الشهيرة :"تصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقرّوا كباركم، وارحموا صغاركم.. ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه.. أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه".
فرمضان هو شهر التعاطف مع الفقراء، وهنا نتسلح بخطبة رسولنا الكريم في استقبال شهر رمضان للاستدلال على أهمية وعظمة هذا الشهر إذ قال: "أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب". فقد أوضحت هذه الكلمات القليلة برنامج كل مسلم صالح ليحقق الشق الديني الايماني، والشق العائلي الاجتماعي، ورعاية الايتام والتكافل بين المسلمين.
في شهر رمضان نستدرك العبر، ولا أعرف لماذا لا نتحلي بأخلاق رمضان طوال العام ونركز علي رمضان فقط في عمل الخير، فيجب علينا أن نجعل طول العام وكل أشهره مثل رمضان، ليس بالصيام فقط ولكن بزكاته، بتآلفه، بالرفق علي المساكين، فكل ما يجري في الشهر المبارك لهو دليل علي علي صلة الرحم والجود والكرم والإحسان، فهذه النظرة الإنسانية الي المحتاجين والمعوزين تدفع المجتمع لأن يكون أكثر تماسكا وتلاحما. وتتماثل أمامنا في هذه اللحظة مشاهد رمضان الجميلة الدالة علي تبادل المنافع والإكرام عند الفطور بين الجيران والأقارب، حتي يأتي آخره ليخرج الجميع زكاة الفطر التي تعلي من مشاعر المسلمين الحية بالعطف والحنان على الآخرين .
وإذا تحدثنا عن فضائل شهر رمضان، فأول ما نقوله هو ما حثنا فيه القرآن والسنة علي الوحدة، فرمضان يجسد هذا المعني الجميل طوال أيامه سواء بين الأسرة أو الجيران أو الأقارب حتي في البلد الواحد، فلا توجد أمة في العالم تلتف على طاولة الطعام في وقت محدد يوميا كما نفعل نحن المسلمين، وكذلك لا نجد أمة تمتنع عن الطعام والشراب في وقت واحد يوميا سوي نحن المسلمين أيضا. فرمضان يحثنا علي هذه الوحدة والتضامن وأن نكون نسيجا واحدا واحد لنبقى أقوياء دائما، وتلك هي وظيفة ومهمة المسلمين في خلافة الأرض كما أرادها المولي عز وجل. وتؤكد السنة النبوية هذا المعني الجليل بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية "، فوحدة المسلمين والتي تتحقق في رمضان وسيلة وسيلة لامكانية اتمام معنى الخلافة تنفيذا لقول رسولنا الكريم "إن المسلمين يد على من سواهم ".
ولعل من مظاهر الوحدة بين المسلمين في هذا الشهر الفضيل، الإجماع علي موعدي الإمساك والإفطار فجرا وغروبا بما يؤكد حرص الرسالة النبوية علي بناء وتمتين عناصر الوحدة،، إذ أن شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي تلتف فيه الأسرة حول مائدة واحدة، بعد أشهر من الفراق والأكل فرادي ليتحقق هذا المعني في شهر واحد في العام.
ومن المأكل الي الصلاة، حيث يجتمع المصلون علي أداء صلاة التروايح، لنشهد تلك الحشود الكبيرة من المصلين التي لا تجتمع هكذا سوي في ليل رمضان، وتزيد هذه الصلاة جموع المصلين إيمانا وابتهالاً لرب العالمين، فلو صلي كل مسلم صلاة القيام منفردا لما تعايش مع هذه اللحظات الإيمانية الجمعية وتذوق هذا المذاق الإيماني الذي يسمو بالنفس ويعلو بها عن الغلو والتطرف، فهي مشاعر إيمانية لا يحققها سوي عبادة جماعية وجامعة.
ومن مظاهر الوحدة بين المسلمين في هذا الشهر الفضيل، ما نلقاه في المساجد من اجتماع المصلين علي تعلم القرآن وتدبر معانيه وتلاوته، وهي عادة لم نعهدها خلال بقية العام، ولكننا نحققها في رمضان فقط تنفيذا لما قاله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم :" إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم". وبهذا تستزيد القلوب انشراحا بتلك الحلقات القرآنية لتنشرح الصدور، حتي تأتي ليلة القدر التي تنتظرها كل أمة وتعتبر من أعظم معاني الوحدة في شهر رمضان.
وإذا كان رمضان شهر الخير والبركة، فنتمني لهذه الأمة العربية والإسلامية المتشرذمة المتفككة الاتفاق علي كلمة سواء، كلمة حق..لماذا لا تكون هناك الألفة بين الشعوب؟..لم لا يسود الأمن والاستقرار؟..لم لا تسود الطمانينة؟..لماذا لا نتعاون في خلق عالم عربي يعد قدوة للعالم الإسلامي؟..لما لا تكون أمة العرب خير أمة اخرجت للناس، فنحن الذين أنزل الله فينا كتابه واختار نبيا منا ليكون خير رسول لخير أمة؟..لماذا لا نكون يدا واحدا..فنحن مطالبون بأن نكون يدا واحدة وعلي قلب واحد في هذا الشهر الفضيل.
ونتمني أن تلتف القلوب وتتعاون النفوس وأن نعرف من هو عدونا، وهذا العدو هو الذي يتظاهر بالإسلام وبحب الله ولكنه في الواقع لا يحب الله ولا دينه ورسوله طالما يؤمن هؤلاء بالقتل والسفك، فشهر رمضان من الأشهر الحرم، فلماذا لا يكون هذا الشهر مبادرة لأن يعم السلام والطمأنينة في أوطاننا العربية والإسلامية. واعتقد أن هؤلاء المتطرفين لا يدركون كم شهد رمضان انتصارات للمسلمين، وكم تحقق فيه من الفتوحات الإسلامية، ويكفي أول انتصار للمسلمين وقد حققوه في غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني الهجري، وانتصاراتهم في الثالث والعشرون من شهر نفسه في العام الثامن الهجري يوم فتح مكة، فرمضان بحق هو شهر عزة ونصرة للأمة الإسلامية، وعلينا أن نستعيد همتنا وقوتنا لنكون خير أمة أخرجت للناس بحق.