منذ ساعات قليلة هل علينا شهر رمضان المبارك وللأسف فكثير منا استعد لشهر رمضان بشراء المزيد من الأطعمة والأغذية التي تفوق احتياجاته لاستهلاكها خلال الشهر الفضيل وكذلك ترقب مواعيد إذاعة الأعمال الفنية والدرامية وغيرها من البرامج الترفيهية التي تضيع الوقت فيما لا يفيد في الوقت الذي تقول فيه كل المعطيات أنه ليس هكذا نستقبل شهر القرآن ولكن استقباله يكون بوضع خطة محكمة ولكنها ليست خطة استهلاكية بل خطة إيمانية تقوم علي استغلال كل لحظة من لحظات الشهر المبارك في العبادة وكسب المزيد من الثواب ورفع الكثير من السيئات... ¢عقيدتي¢ من خلال السطور التالية رصدت آراء العلماء في كيفية وضع تلك الخطة بحيث نعيش نفحات هذه الأيام المباركة وننجح في تحقيق الهدف المرجو منها ... التفاصيل في السطور التالية.. في البداية يقول الدكتور عبد الله النجار. عضو مجمع البحوث الإسلامية. وعميد كلية الدراسات العليا جامعة الأزهر: إن الشارع الحكيم عندما شرع الصيام في شهر رمضان كان يهدف إلي إحداث توازن بين الجسد والروح علي اعتبار أن الإنسان يولي اهتمامه طول السنة بجسده من طعام وشراب وترفيه وغير ذلك من الأمور الدنيوية لهذا فمن أهم أولويات الصيام هو إعطاء الأهمية لتغذية الروح وتزكيتها لا أن نستغل هذا الشهر لابتكار أصناف الأطعمة وتمضية الوقت في متابعة الفضائيات رغم ان الهدف من الصيام هو عكس ذلك تماما والرسول صلي الله عليه وسلم قال ¢ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ¢ وأشار إلي أن الفقهاء أجمعوا علي أنه لا يوجد شهر عظيم الخيرات. كثير البركات. فيه فضائل عديدة وفوائد جمّة مثل شهر رمضان ولهذا فينبغي للمسلم أن يغتنم تلك الفضائل ويقتنصها وقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم في فضل شهر رمضان : ¢ إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب. وغُلقت أبواب جهنم فلم يُفتح منها باب وصُفدت الشياطين. وينادي منادي : يا باغي الخير أقبل. ويا باغي الشر أقصر. ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ¢ فينبغي علي المسلم أن يستقبل هذا الشهر العظيم بالفرح والسرور والشكر لله تعالي الذي وفقه لبلوغ شهر رمضان وجعله من الأحياء الصائمين القائمين الذين يتنافسون فيه بصالح الأعمال وينبغي أيضا علي المسلم أن يحذر ممّا حرمه الله عليه كي لا ينقص أجر صومه أو يذهبه بالكلية وعليه أن يحرص في هذا الشهر أن يكثر من العبادة قدر استطاعته ولا يفوت فرصة دون أن يمارس شعيرة من شعائر الإسلام التي حثنا عليها النبي صلي الله عليه وسلم خلال هذا الشهر الفضيل وعلي كل مسلم أن يبرّ والديه وأن يصل رحمه. وأن يتعاهد إخوانه الفقراء والمحتاجين والمنكسرين والمعوزين والأرامل والأيتام. وأن يُحسن إلي جيرانه ويتعاهدهم بالزيارة والنصح والتوجيه والإرشاد. فهو في شهر الجِنان والبعد عن النيران شهر الإقبال علي الحسنات والطاعات والبعد عن السيئات والمعصيات ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان شهر بركة. يغشاكم الله فيه. فينزل الرحمة. ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء. ينظر الله إلي تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته. فأروا الله من أنفسكم خيراً. فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله". خطة إيمانية يشير الدكتور سالم عبد الجليل. وكيل وزارة الأوقاف الأسبق. إلي أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة خير من ألف شهر شهر العبادة والصيام. ولابد أن يعي كل مسلم أنه ليس بمقدورنا أن نعوض هذا الشهر المبارك بأي شهر آخر حتي لو قمنا الليل وصمنا التطوع و صلينا النوافل فلن تضاهي العبادة في هذا الشهر المبارك ففيه تضاعف الأجور ولهذا فعلي المسلمين في كل مكان ألا ينحصر اهتمامهم وتفكيرهم خلال شهر رمضان في الإسراف في الطعام والشراب ومتابعة الأعمال الفنية والبرامج المسلية وعليهم ألا ينسوا الهدف الأسمي من الصيام وهي التشوق والرغبة الحقيقية لتحقيق الغاية السامية منه وهي التقوي وأنا أري ضرورة أن يقوم كل مسلم بوضع خطة خاصة به في شهر رمضان خطة إيمانية وليست ترفيهية يسير في إعدادها علي سنة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في استغلال كل دقيقة من دقائق هذا الشهر للعمل والعبادة بحيث نضع في تلك الخطة تخصيص جزء من الوقت لقراءة القرآن لنختم القرآن عدة مرات في رمضان خاصة كما أن رمضان شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته. وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله. فكان جبريل يدارس النبي صلي الله عليه وسلم القرآن في رمضان. وكان عثمان بن عفان يختم القرآن كل يوم مرة. وكان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان كل ثلاث ليال. وبعضهم كل سبع. وبعضهم كل عشر. فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها. فكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمه. يقرؤها في غير الصلاة وعلينا في هذا الإطار ألا تكون قراءتنا للقرآن قراءة دون فهم او إدراك فلابد من تدبر معاني القرآن الكريم عند القراءة فهذا من سنة النبي صلي الله عليه وسلم وقد كان الصحابة يتأثرون بكلام الله عز وجل فقال عبد الله بن مسعود: ¢ قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم "اقرأ علي". فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال إني أحب أن أسمعه من غيري. قال ابن مسعود : فقرأت سورة النساء حتي إذا بلغت "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيداً" فقال النبي : حسبك. فالتفت فإذا عيناه تذرفان¢. ويختتم الدكتور عبد الجليل حديثه قائلا : لابد أيضا أن تحتوي تلك الخطة الإيمانة علي جزء يتم تخصيصه للتفقه في علوم الدين عن طريق قراءة كتب السيرة وغيرها من الكتب الدينية التي تزخر بها مكتباتنا ونخصص جزءا ثالثا للقيام في الليل وبهذا نكون قد سرنا علي خطي الصحابة والسابقين الذين ضربوا أروع الأمثلة في حسن الصيام والقيام والإدراك الحقيقي لمغزي وأهمية شهر رمضان. الذين كانوا يدعون الله تعالي أن يبلغهم رمضان. وعلينا أن نتذكر دائما أننا كما استقبلنا شهر رمضان. سوف نودعه سريعا. ولا ندري هل ندرك رمضان في العام المقبل أم لا فإذا فعلنا ذلك فسوف نضع خطة إيمانية متميزة وسوف نعمل علي تنفيذها بل سيساعدنا الله في التنفيذ وبذلك نكون قد قمنا باستغلال هذا الشهر أفضل استغلال. الكرم والجود تؤكد الدكتورة آمنة نصير. العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر. أن من فقه الأولويات في هذا الشهر علي الحرص علي إخراج الصدقات حيث ورد عن ابن عباس أنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ¢ ولهذا فعلي المسلم أن يضع ضمن حساباته خلال هذا الشهر ضرورة البر بالفقراء وبشكل خاص إطعامهم وإفطار المساكين فقد جاء في السنة النبوية الشريفة أن من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا. وقد كان الفقهاء القدامي يقولون إذا دخل رمضان: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام. تضيف الدكتورة نصير :شهر رمضان فرصة للأغنياء والموسرين لاستغلاله لبذل الخير والعطاء ومساعدة الآخرين وتخفيف آلامهم وتحسين أوضاعهم. وعلينا أن نعلم ونعود أبناءنا منذ الصغر علي حب الخير والإيثار والعطاء والجود وجزاء فاعليه. وبخاصة في هذا الشهر الفضيل. وفي ديننا الإسلامي الحنيف وتراثنا الحضاري العريق الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة والنماذج المشرقة التي تدعونا وتحفزنا إلي ذلك. فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه. قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة" فعلينا ألا يكون صيامنا وتشوقنا فقط للتفنن في إعداد أصناف وأكلات رمضانية. بل تشوقنا لدروس وخيرات شهر رمضان. يقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم "ليس الصيام من الأكل والشرب. وإنما الصيام من اللغو والرفث". وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم. ودع أذي الجار. وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك. ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء". الصيام والشيخوخة يكشف الدكتور عبد الهادي مصباح. أستاذ المناعة بجامعة القاهرة وجامعة تمبل الأمريكية. أن الصائم عليه عدم تحميل معدته ونفسه فوق طاقتهما. وألا يخضع لشهواته لخطورة ذلك علي معدته إضافة إلي أنه ذلك مخالف لما يهدف إليه شهر رمضان المبارك ونحن لا نقول ذلك من باب ترغيب الناس في الصيام فحسب فتلك عبادة وفريضة علي الناس احترامها وتوقيرها قبل كل شيء ولكن علي الجانب الاخر فإن الدراسات العلمية أكدت أن الصائم عندما يقوم بالإمتناع عن تناول الطعام وقراءة القرآن وإقامة الصلوات يكون في حالة من السكينة النفسية مما يؤثر بالإيجاب علي الجهاز المناعي من خلال إفراز المواد المطمئنة لأن الجسم البشري به أفيونات وايندروفينات ومهدئات ومطمئنات. وعندما تسكن النفس تزداد درجة إفراز هذه المواد وتقل هرمونات الانفعالات مثل الكورتزول والأدرينالين وغيرها من الهرمونات الهدامة التي تسبب هدم خلايا الجسم المختلفة أما الهرمونات التي تفرز مع الاطمئنان النفسي فمعظمها هرمونات بناءة مثل هرمون النمو و¢ الملاتونين¢ وغيرها من الهرمونات التي تسكن النفس البشرية. ويضيف الدكتور مصباح : الأمر الذي لا يعرفه الكثير من المسلمين أن المعامل الغربية درست بشكل دقيق حالة الإنسان المسلم وهو صائم ليعرفوا سر تشريع الصيام في القرآن الكريم وأجروا في سبيل هذا الامر آلاف التجارب ومن تلك التجارب تجربة خاصة بالفرق بين انسان يحرص علي الطعام الكثير وشخص يصوم فوجدوا أن الشخص الحريص علي الطعام الكثير كثرت في جسده ما يعرف علميا باسم الشوارد الحرة واكتفوا أنه كلما زادت تلك النسبة في جسد الإنسان كلما زادت احتمالات تعرضه للكثير من امراض الشيخوخة وملامحها فكلما زادت الشوارد كانت الأعراض أسرع زحفاً وأكثر وضوحاً بمعني أن الصيام مفيد جدا لتأخير الشيخوخة ولعل هذا ما جعل الريجيم هو الوصفة التي يقدمها كل الأطباء عندما تبحث عن الجمال والشباب وليس أفضل من الصيام كعبادة تقرب المسلم من ربه وفي نفس الوقت تمنحه شبابا دائما وهذا يفسر لنا كيف أننا نخطيء في حق أنفسنا عندما نتخذ من شهر رمضان مناسبة لإقامة الولائم وتناول كميات كبيرة من اللحوم والمكسرات فبالإضافة إلي خطورة هذا المسلك الغذائي علي الصحة بشكل عام فإنه أيضاً يبدد حكمة الصيام الذي ثبت انه يحفظ للجسم توازنه ويحفظ للنفس شفافيتها وقوتها.