رمضان دفعة قوية للفضائل؛ للقلب والعقل والجسد طوال شهور العام، وغذاء الروح من الحصيلة الإيمانية، فهل رمضان سار جسدًا بلا روح، فقد غلبت علينا المظاهر الدينية في شهر رمضان المبارك دون غيره من الشهور؛ لإيماننا بمضاعفة الحسنات والأجور، وهي خصوصية لشهر أنزل الله فيه القرآن الكريم على رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. ولكننا في خضم المظاهر البراقة ورونقها الأخاذ نسينا سؤال أنفسنا هل نسير في الاتجاه الصحيح أم المعاكس؟ فنجد إنفاق المال ببذخ في رمضان دون غيره من شهور العام، وإسراف في موائد البيوت، وتكتظ مكةالمكرمة بالمعتمرين دون غيرها من شهور العام باستثناء "موسم الحج". وتظل المظاهر الدينية وما نحن عليه تدعونا للتأمل والتفكر والتدبر، هل هذه المظاهر من صحيح الدين؟ إننا نسير في طريق المظاهر الدينية في وقت ينتشر الخلق السيئ بين الكثيرين في نهار رمضان بين الصائمين، وهل من الدين أن نبارك لبعضنا البعض لقدوم رمضان وبعده عيد الفطر، وداخل القلوب شحناء وحقد وغل وحسد ووقيعة، وهل الخوف من لله عز وجل لا يكون إلا في رمضان؟ أليست البيوت التي تأن من الفقر والحاجة للمساعدة أولى من كل هذه المظاهر المزيفة، هل نخدع أنفسنا أم الشيطان يخدعنا؟ إن ما نفعله ليس تأسيًا برَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباع هديه وسنته فقد كان جوادًا طوال العام، وكان أشد جودًا في رمضان، ولم يسرف في طعامه ولا شرابه، وهل الحصيلة الإيمانية في قلوبنا نتاج الصلاة في الحرمين الشريفين بعد العمرة ننفذها على أرض الواقع في معاملاتنا مع الآخرين أم نعود لما كنا عليه. هل نحن على نهج خلق رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم ينتشر التعدي على بعضنا البعض والعصبية والحدة والغضب والتفوه بالألفاظ القبيحة، والنظر إلى ما حرم الله، وكلها من الشيطان الرجيم الذي يهزأ بنا لما نحن عليه من مظاهر دينية خالية من الإيمان، وهل نراعي الفقير واليتيم أم الحقيقة أننا ننهرهما ونأكل أموال الناس بالباطل، ونضيع حقوق الأجير والنصب والاحتيال في الطرقات والميادين، وإذا عرضت علينا قضاء حوائج الناس أعطيناهم ظهورنا, وكان الصحابة يتركون الاعتكاف في المساجد لقضاء حوائج الناس، ونجدنا في الأسبوع الأول من رمضان تمتلآ المساجد بالمصلين، ثم تقل الأعداد شيئا فشيئا وتعود مجددًا في العشرة الأخيرة من رمضان فما اسم هذه العبادة، والمساجد تشكو لربها من هجرة المصلين لها، وكأن ديننا الذي عرفناه في رمضان. تكثر الصدقات وزكاة المال في رمضان وتختفي طوال العام، فهل الدين الذي نعرفه ينشط في رمضان ونائم طوال العام، من الجهل الديني أن نظن أن المال الذي ننفقه على مظاهر دينية أهم من أولويات الأعمال الصالحة، هل الإسراف في موائدنا من صنوف الطعام من العبادة والطاعات والتقرب إلى الله - ولا أقصد هنا موائد إفطار الصائمين - ولكن أليست المليارات التي تنفق على موائدنا تعد إسرافًا وتبذيرًا لوجود من هم أولى بها، وثوابها وأجرها أعظم عند الله؟ أليست المليارات التي تنفق في وجوه شتى نطلق عليها عبادات، ومظاهر يمكن إنفاقها على من هم أولى بهذا المال وثوابها وأجرها عند الله أعظم؟ رمضان أنزل فيه القرآن الكريم على رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لنرتوي من فضائله ونطبقها في حياتنا ومعاملاتنا؛ مثل عمل المعروف والخير لمكانتهما العظيمة وثوابهما وأجرهما عند الله أعظم، من أولويات الأعمال الصالحة كفالة اليتيم ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين، أم أننا نجيد قراءة القرآن الكريم دون تفكر وتدبر وتحصيل الإيمان، ونسينا الحكمة العظيمة "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"، فلماذا ننفق كل هذا المال على مظاهر ونترك أسس العبادة دون وعي وفهم؟ والسؤال هل رمضان هو الشهر الوحيد في العام المخصص للأعمال الصالحة، بينما تخلو منها بقية شهور العام؟ فنجد المقتدرين ينفقون من أموالهم وهو أمر محمود، ولكن لماذا لا يستمر الإنفاق ومساعدة الفقراء واليتامى والمساكين والمحتاجين والمرضى طوال العام؟ لماذا نتذكرهم فقط في رمضان؟ أليسوا في حاجة لمساعدتهم طوال العام؟ هل فقراء المرضى واليتامى والنساء يظهرون في رمضان ويختفون طوال العام؟ تعلمنا أن استمرار الأعمال الصالحة والطاعات من علامات قبولها، ومنها الصدقات والخلق الحسن والأمانة والصدق والبر والإطعام والسلام والصلاة والذكر وقضاء حوائج الناس، أليس الكرم والجود من صفات الله عز وجل ورَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل رسل الله، فلماذا الكرم فقط في رمضان؟ فالإنسان الجواد لا يخشى الفقر أبدًا ليقينه بأن خزائن الله عز وجل لا تنفد أبدًا، إن البركات تتنزل نتاج الإخلاص مع الله عز وجل، يا سادة من دروس رمضان استمرار الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة طوال العام وإنفاق المال في الطرق الصحيحة، وليس على مظاهر مزيفة لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن أول دروس الصيام الجوع حتى نتذكر الفقير الجائع، فهل فهمنا رمضان، أم لنا فهمنا؟ ولكم فهمكم يرحمكم الله؟