بمناسبة العام الهجري الجديد يسعدني أن أتقدم إلى الأمة الإسلامية بالتهنئة ، داعيا المولى عز وجل أن يعيده علينا وعلى شعوب العالم أجمع بالخير، ويجب أن نقف أمام هذا الحدث الجلل لنأخذ منه العبر، والعبر بكل تأكيد متعددة ومتنوعة ، ومنها ضرورة وحدة الصف لمواجهة الأخطار التي تحدق بنا، ومنها التوعية بمبادئ ديننا الحنيف السمحة، والتي تصلح لكل زمان ومكان، ويرتبط بكل ذلك ما اصطلح على تسميته مؤخرا بتجديد الخطاب الديني، وهو أمر واجب ومقصور على كل متفقه في الدين، وليكن لنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة كما قال الله تعالى في كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو لقاء الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) سورة الأحزاب آية رقم 420 ، ولاشك أن أهم ما يرتبط بتجديد الخطاب الديني هو ما يتصل بحرية العقيدة وموقف شريعتنا الغراء منها، فحرية العقيدة مكفولة في الإسلام، من خلال نصوص القرآن الكريم التي تحدثت عنها قال تعالى (لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغنى)[ سورة البقرة الآية رقم 256، وقال أيضا مخاطبا رسولنا الكريم (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (سورة يونس الآية رقم 99) ، وقوله تعالى (فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر) (سورة الغاشية الآيتين 21،22) ، وقال تعالى (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته) (سورة الشورى الآية رقم 8) . ولاشك أن هذه الأمثلة وغيرها تبين إلى أي مدى كفل الإسلام حرية العقيدة للفرد دون إكراه. وبما أن الإسلام يسلم بحرية العقيدة فلا شك أن ذلك يعنى التسليم بحرية المناقشة والإقناع، وقد حث القرآن الكريم على ذلك، قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (سورة النحل الآية رقم 125) ، ومن ثم فحرية المناقشة مكفولة للجميع، بغض النظر عن الديانة .
ويرتبط بحرية العقيدة التسليم بحرية ممارسة الشعائر الدينية، للمسلمين وغيرهم (فغير يتمتع بهذا الحق من خلال ما يسمى بعقد الذمة الذي يتضمن إقرار تمتع غير المسلم بعقيدته وعدم التعرض له بسبب ديانته )، قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (سورة الممتحنة الآية رقم 8 ) .
ولم يقرر الإسلام فقط حرية الفكر باعتبارها من الحقوق والحريات الأساسية للإنسان الذي كرمه الله عز وجل، بل حثه إلى التأمل والتدبر والتفكير، وكما قلنا فهذه الحقوق ترتبط ارتباطا وثيقا بحرية العقيدة، بل تشكل اللبنة الأولى لتكوين الاعتقاد ، وكم هي كثيرة الآيات التي وردت في القرآن الكريم التي تحث على ذلك ومنها قوله تعالى (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (سورة الجاثية الآية رقم 13) ، وقوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (سورة محمد الآية رقم 24) ، وأيضا (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض) (سورة آل عمران الآية رقم 191) ، وقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت ، و إلى الأرض كيف سطحت) (سورة الغاشية الآيات من 17 – 20 ) .
وقد بلغ الاهتمام بهذه الحرية إلى أن اعتبرت من المصادر الأساسية للتشريع في الإسلام، وهو ما ظهر أيضا من خلال حديث رسول الله مع معاذ بن جبل عندما سأله عما يحكم به إذا لم يجد الحكم في كتاب الله وسنة رسوله وأجابه معاذ ،اجتهد رأيي ولا آلو .