تعتبر حرية الاعتقاد نتيجة منطقية لتحمل الانسان الأمانة التي أبت الأرض والسموات والجبال أن يحملنها وأشفقن منها, فتحمل الأمانة يعني حرية الإرادة وحرية الاختيار, والأهلية لتحمل المسئولية الناجمة عن هذه الحرية, والإكراه فيه إهدار للعقل ومحو للإرادة. ومن هنا كان للإنسان حرية اختيار الدين الذي يؤمن به, دون أن يخضع لأي إكراه في ذلك, وهذا أمر طبيعي فاختيار الدين تحت تأثير الإكراه لاقيمة له, لأن الإيمان محله القلب والوجدان ولا قيمة لما ينطق به اللسان إذا لم يكن ذلك نابعا من القلب ووليد الاقتناع. وقد جاء القرآن الكريم مقررا حرية الاعتقاد في نصوص عديدة, قال تعالي:( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي256)( سورة البقرة), وقال جل شأنه:( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر29)( سورة الكهف), وقال سبحانه:( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين(99)( سورة يونس). وقد احترم الإسلام حرية العقيدة لدي جميع الناس, ورتب علي ذلك السماح لغير المسلمين بإقامة شعائرهم الدينية في إطار الصالح العام. واقضي ذلك أن يكون من حقهم أن يكون لهم دور العبادة الخاصة بهم, ويترك لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية فيها. ولذلك لا يجوز للمسلمين ان يعتدوا علي هذه الدور أو علي العاملين أو المتعبدين فيها سواء كان ذلك في زمن السلم أو الحرب, أو حتي عند فتح الأمصار, وقد حفلت رسائل الخلفاء المسلمين لقادة الجيش الإسلامية بضرورة عدم التعرض لدور العبادة لغير المسلمين ولا القائمين فيها. وإذا كان الله قد بعث محمدا صلي الله عليه وسلم ليدعو الناس دين الحق وهو الإسلام, قال تعالي( إن الدين عند الله الإسلام19)( سورة آل عمران), إلا أنه قد أمره بأن تكون الدعوة لدين الله بالحكمة والرفق, قال تعالي:( ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن125)( سورة النحل), حتي فرعون علي استكباره وطغيانه فقد أمر الله موسي عليه السلام وهارون حين بعثهما إليه بأن يحدثاه باللين, قال تعالي:( اذهبا إلي فرعون انه طغي43, فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي44)( سورة طه) وأن يكون ذلك عن طريق شرح قواعد الدين, وبيان معالمه, وترغيب الناس في الايمان به. قال تعالي:( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد45)( سورة ق), وأن يكون ذلك دون ضغط أو قهر, قال جل شأنه:( فذكر إنما أنت مذكر21 لست عليهم بمصيطر22)( سورة الغاشية). فمهمة الرسول صلي الله عليه وسلم الإسلام. هي ان يهدي الناس إلي دين الله بالاقناع والرفق والإرشاد إلي طريق الخير, ثم يترك لهم الحق في اختيار طريق الإيمان أو طريق الكفر. قال تعالي:( وما علي الرسول إلا البلاغ المبين54)( سورة النور), وقال جل شأنه( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب40)( سورة الرعد).