الطفل المصاب بمرض التوحد مشكلة تؤرق كل أب وأم، خصوصا عندما يصل إلى سن التعليم، حيث يقف الأهل عاجزين أمام مستقبل أبنائهم الدراسى الغامض، فيلجأون إلى مدارس التربية الفكرية التى تعد وحدها تجربة مريرة، قد تزيد من سوء حالة الطفل المتوحد، إلى أن جاء القرار 252 لسنة 2017 من وزارة التربية والتعليم، لدمج طلاب التوحد أو ذوى الإعاقة فى المدارس الحكومية والخاصة، ليتعلموا جنبا إلى جنب مع أقرانهم من الطلاب الطبيعيين، ليثلج القرار قلوب الآباء أخيرا ويطمئنون ولو جزئيا على مستقبل أبنائهم الدراسي. علميا يعرف التوحد بأنه مجموعة من الاضطرابات المعقدة فى نمو الدماغ، وتتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد لصعوبات فى التفاعل مع المجتمع والتواصل معه. تمثل نسبة المرض 1 لكل 55 طفلا فى العالم كله، ووفقا لبيان منظمة الصحة العالمية عام 2014 يقدر عدد المصابين بالتوحد ب 800 ألف مصاب فى مصر ، بينما توجد تقارير ودراسات، تؤكد أن مرضى التوحد تعدوا المليون مصاب.
إنجى مشهور مساعد وزير التربية والتعليم لشئون الطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة، تبين أنه تم عالميا فصل التوحد عن بقية الإعاقات الذهنية وهناك القرار 252 لسنة 2017 وهو قرار واضح ينص على أن كل المدارس دامجة بنسبة 10 % بحد أقصى 4 فى الفصل، ووفقا للقرار يشترط ألا تكون الإعاقة مزدوجة، وألا تقل درجة الذكاء عن 52 درجة باستخدام مقياس «ستا نفورد»، وألا يزيد مقياس السمع على 70 ديسيبل، ويتم إجراء التقييم الطبى والنفسى والتربوى من خلال لجنة مكونة من طبيب التأمين الصحى وممثل لإدارة التربية الخاصة من المديرية والإدارة وإخصائى اجتماعى ومدرس تربوي، مشيرة إلى أن الوزارة حاليا تفكر فى تخصيص جائزة كتشجيع معنوى للمدارس الدامجة لكى تتشجع بقية المدارس الأخرى على الدمج، و تقدم الوزارة خدماتها لتسهيل الأمر سواء بإنشاء وحدة خاصة داخل تلك المدارس أم تدريب للمدرسين أم بمدهم بمتخصصين فى التوحد للتوعية.
وتضيف مشهور أن من حق مريض التوحد أن يجرى له امتحان خاص خال من الأسئلة المقالية والطويلة والاعتماد على الاختيار كالصح والخطأ، كما ينص القرار على أحقية الطفل فى استخدام جميع الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية المقدمة من المدرسة، وأن تكون متاحة بالطرق والأساليب المناسبة لنوع ودرجة إعاقته. كما له الحق فى اختيار مرافق وهناك وحدات تدريب متخصصة فى جامعة عين شمس لتأهيل مرافق مريض التوحد.
الدمج فائدة مزدوجة
الدكتور هيثم فتح الباب، عضو اللجنة المركزية للتعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، يؤكد أن المدارس الخاصة أصبحت تستقبل الطفل مريض التوحد، خصوصا أنه طفل ذكى جدا ويختلف تماما عن بقية الطلاب من ذوى الاحتياجات الخاصة، وباتت الوزارة توفر لهؤلاء الطلاب المدرسين المتخصصين والمدربين فى مجالات علم النفس والتخاطب والتربية والسلوك، لأن معظم طلاب التوحد لديهم مشاكل فى الكلام والاختلاط.
وأوضح فتح الباب أن قرار الدمج بين الأطفال ذوى الإعاقة والأطفال الطبيعيين فى المدارس، هو أمر فيه فائدة للمدارس والأهالى فى الوقت نفسه، خصوصا أن هذا القرار جاء دون المساس بكثافة الفصول سواء بالزيادة أم النقصان، مما لا يؤثر على العملية التعليمية، فعدد طلاب الدمج طالب واحد كحد أدنى و4 طلاب كحد أقصى فى الفصل الواحد، مشيرا إلى أن قرار الوزارة غير ملزم للمدارس الخاصة والمدارس نفسها هى التى تتقدم للوزارة للموافقة على ضم طلاب ذوى الإعاقات العقلية أو الجسدية، ومازالت النسبة قليلة لا تتعدى 10 % من عدد المدارس الخاصة التى تقبل الأطفال المعاقين، ولكن النسبة سترتفع فى المستقبل.
وأضاف فتح الباب أن تطبيق الدمج فى المدارس يحتاج إلى استعدادات مادية، كتوفير أجهزة مساعدة كسماعات مثلا للطالب الأبكم الأصم، وأيضا أجهزة أخرى لكل نوع إعاقة، بالإضافة إلى توفير كوادر متخصصة فى التعليم والتدريب لهؤلاء الأطفال، سواء متخصصين فى التربية أم علم النفس أم غيرها من التخصصات المؤهلة للتعامل مع ذوى الإعاقات المختلفة، لذلك ليس كل مدرسة لديها استعداد لهذا الدمج وتحتاج إلى بعض الوقت للاستعداد، خصوصا أن استقبال طلاب ذوى الإعاقة يعود على المدرسة بعائد مادي، حيث إن هذا النوع من التعليم له ميزانية خاصة تقدم من وزارة التربية والتعليم، ومصاريف الطالب المعاق تكون فى الغالب أكبر من مصاريف الطلبة الطبيعيين، هذا بخلاف أن المدارس الخاصة تقدم من خلال استقبالها للطلاب ذوى الإعاقة خدمة للمجتمع فى تقليل حدة وقع الإعاقة على الطفل وإعطائه الإحساس أنه طفل طبيعي، وأيضا خدمة تقدم للأهل الذين يريدون أن يتعلم أولادهم بشكل مميز مع دمجه مع المجتمع.
اهتمام متأخر
أمنية صالح إخصائية تنمية مهارات الأطفال ذوى الإعاقة تقول: أعمل فى مدرسة خاصة تطبق الدمج بين الأطفال ذوى الإعاقة وبين الطلاب الطبيعيين، ومن خلال خبرتى أرى أن قرار دمج الطلاب من ذوى الإعاقة مع الطلاب الطبيعيين فى المدارس العامة والخاصة تأخر كثيرا، لأنه من حق الطفل المعاق أن يجد رعاية واهتماما وشكل تعليم متميزا عما تقدمه مدارس التربية الفكرية، ومن حق الأهل أيضا الاطمئنان على مستقبل أولادهم فى تلك المدارس خصوصا إذا كانوا متيسرين ماديا أو المدارس العامة للبسطاء، مشيرة إلى أن الاهتمام بذوى الإعاقة هو ملف تم إهماله لسنوات طويلة. وأخيرا بدأت تحدث انفراجة واهتمام بهؤلاء الأطفال ودمجهم فى المجتمع الذى ظل يرفضهم فى الماضى.
وفيما يخص عملها مع طلاب مرضى التوحد تقول صالح: نقوم كمتخصصين فى قسم الدمج بإعطاء الطلاب جلسات لتنمية المهارات، وجلسات التخاطب، بالإضافة إلى المواد الدراسية الطبيعية التى يدرسها لهم مدرسو المواد، كما أننا نقوم بتدريب وتوجيه باقى المدرسين للمواد الدراسية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع طالب التوحد أو أى طالب صاحب إعاقة موجود فى الفصل التابع له. خصوصا أن طالب التوحد يدرس كل المواد الدراسية التى يدرسها الطالب الطبيعي، ولكن يختلف فى شكل الامتحان الذى يجيب عليه حيث يكون خاليا من الأسئلة المقالية، التى لا يستطيع الطالب المريض بالتوحد التعامل معها.
وتقول صالح: إن الطالب المصاب بالتوحد ليس له شكل مميز كما فى باق الإعاقات بل هو طفل شكله طبيعى كأى طفل آخر وبرغم ذكائه الشديد الذى قد يفوق ذكاء الطفل الطبيعي. فإنه غالبا ما يعانى من مشاكل فى النطق والكلام، ولديه ميل شديد للعنف مع الآخرين، ومفرط الحركة، لذلك لديه مشاكل فى التواصل الاجتماعى مع أقرانه ويفضل الوحدة، وهذا ما نحاول علاجه كمتخصصين كى نساعده على الاندماج مع أقرانه، بما يسهم كثيرا فى تعافيه وتحسن حالته , لذلك ننصح الأهالى وإدارة المدرسة بتشجيع الاختلاط بين طفل التوحد والطفل العادى فى النشاطات الرياضية والمسابقات والترفيه، وذلك عكس ما كان يحدث من منع الأهالى لأبنائهم من التعامل مع الطفل المتوحد.
الأهل كلمة السر
ويبقى الأهل كلمة السر فى تقدم أطفالهم الدراسى وهذا ما تكشف حالة الطفلين التاليين: ياسين أحمد وهدان 9 سنوات « طالب فى الصف الثانى الابتدائى بإحدى المدارس الخاصة، مريض بالتوحد، رسب فى الصف الأول عامين متتالين، بسبب غياب التعاون بين أهله والمدرسة، وتغيبه عن الدراسة لأيام طويلة. أما (عمر شريف النجار) 10 سنوات رابعة ابتدائي، فهو متفوق برغم إصابته بالتوحد، وفى الوقت ذاته بطل رياضى وحاصل على بطولات فى رياضة السباحة، والسبب أن أهله متهمون بدراسته وتمارينه واندماجه وسط أقرانه، كما أن والدته تذاكر معه كل المواد.