الحفاوة التى استقبل بها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته الأولى لسلطنة عمان، عكست عمق العلاقات التاريخية التى تربط سلطنة عمان بمصر منذ قرابة نصف قرن، حين تولى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان مقاليد الأمور فى بلاده عام 1970 خلفا لوالده السلطان سعيد بن تيمور آل سعيد. وحين عاد السلطان الشاب قابوس بن سعيد إلى بلاده، بعد أن أنهى دراسته فى كلية سانت هيرست العسكرية بالمملكة المتحدة، كان يراوده حلم الانطلاق بها إلى آفاق الدولة العصرية التى تواكب التطور الحديث، وتأخذ بأساليب التقدم والعلم الحديث، وكان عليه أن ينهض بها ويزيل عنها آثار الفقر والتخلف على الرغم من تاريخها الضارب فى أعماق التاريخ، منذ أن ارتاد أجداده الذين اشتهروا بالتجارة وجابوا إفريقيا شرقا وغربا حتى استقروا فى مدن مومباسا وزنجبار فى شرق إفريقيا وأقاموا وتزوجوا واشتهروا بالتجارة، وحين عاد قابوس إلى بلاده ناشد العمانيين الموجودين خارج السلطنة العودة لبلادهم، ليسهموا معه فى بنائها ونهضتها، وبدأ بالفعل حركة تنمية عاجلة وكأنه فى سباق مع الزمن، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يضع بلاده على خريطة العالم ويقيم العلاقات مع مختلف دول العالم، وكانت مصر فى مقدمة الدول التى ارتبط بها السلطان قابوس والشعب العُمانى الذى تعلم العديد من أبنائه فى المدارس والجامعات المصرية، وتوطدت العلاقات المصرية العمانية منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات وتوالت الزيارات بين البلدين على جميع المستويات، وكان السلطان قابوس ينظر لمصر دائما على أنها ركيزة الاستقرار فى المنطقة بما لها من تاريخ حافل فى الدفاع عن قضايا الأمة العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
وتحفظ مصر للسلطان قابوس أنه كان الزعيم العربى الوحيد الذى لم يقطع علاقاته مع مصر فى أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد لتحرير الأراضى العربية المحتلة منذ نكسة 1967 وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولم يخضع السلطان قابوس لابتزاز الرئيس العراقى صدام حسين الذى شكل ما سمى بجبهة الصمود والتصدى لقطع العلاقات مع مصر وتهديد كل من يخرج عن المقاطعة مع مصر، واستمرت العلاقات المصرية العمانية قوية برغم هذه المقاطعة، وقال السلطان قابوس وقتها إن أهل مكة أدرى بشعابها وطالما اتخذ الرئيس السادات هذه الخطوة الشجاعة فهو بهدف صالح مصر والأمة العربية.
وقاد السلطان قابوس حركة نهضة واسعة وشاملة فى بلاده أعاد لها أمجادها القديمة بأسلوب عصرى حديث، وكان لى الحظ أن شاهدت التجربة العمانية عن قرب حين سافرت إليها فى ثمانينيات القرن الماضى مع مجموعة من الصحفيين الأصدقاء، لنسهم فى تطوير الصحافة العمانية ونشاهد هذه التجربة الفريدة عن قرب.
وحين وصل الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى مسقط فى زيارته الأولي، كان فى انتظاره تاريخ طويل من العلاقات التاريخية المتميزة بين مصر وسلطنة عمان التى استعدت فى أبهى صورها لاستقبال الضيف الكبير، وكان على رأس مستقبليه السلطان قابوس الذى اصطحبه فى موكب مهيب حتى قصر العلم العامر فى قلب العاصمة العمانية، يعكس عمق العلاقات القوية بين الزعيمين والشعبين الشقيقين، وازدانت مسقط وشوارعها بالأعلام المصرية والعمانية وصور الزعيمين السيسى وقابوس، وبرغم قصر مدة الزيارة، فإنها أتاحت الفرصة للرئيس السيسى والوفد المرافق له أن يشاهدوا على الطبيعة نماذج من التطور الذى شهدته عمان فى السنوات الماضية، والذى انعكس على أبناء الشعب العُمانى الذين يشاركون فى نهضة بلادهم. ولاشك أن مباحثات الزعيمين والوفدين المصرى والعمانى سادتها روح المحبة والأخوة التى تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وتهدف بالدرجة الأولى لدعم المصالح المشتركة لكل من مصر وسلطنة عمان ستنعكس آثارها خلال الفترة المقبلة، مزيدا من التعاون الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين لتضرب المثل والقدوة فى العلاقات بين الأشقاء، وسط عالم مليء بالصراعات والخلافات تحيط به المؤامرات والأهداف الاستعمارية، لتظل علاقات الإخوة الواعية لمصالح الأمم والشعوب هى حجر الزاوية التى تتصدى للمؤامرات ومحاولات عرقلة مسيرة التقدم والاستقرار بين الأمم فى عالم اليوم.