لم يكف «مصطفى بيه أمين» أو «مصطفى بيه» كما كنا وكانوا من قبلنا يطلقون عليه فى أخبار اليوم.. لم يكف عن ممارسة الليبرالية من فراشه صباحا حتى عودته إليه.. فى الشارع.. فى المكتب.. مع المصادر.. مع الأصدقاء والزملاء والأحبة.. كانت الليبرالية دينه وعقيدته حتى فى السجن!؟ أما عن الليبرالية العاطفية فحدث بلا حرج.. لقد كان حبه وعشقه لكل ما هو جميل وعلى شكل قلب يذكره بحبه لأمه فصنع لها عيدا للأم مصريا على غرار التقاليد من البلد الأم.. أمريكا التى قضى فيها شبابه، وأقام بها شبكة علاقات منذ أن كان والده قنصلا عرفنا ما عرفناه عن مصطفى بك من روايات كتبت عنه وأخرى سمعناها من المقربين.. صدقت على المستوى الشخصى ما صدقته لأنه كان منطقيا.. ولم أصدق الآخر برغم أن الرواة قريبى الصلة بالعملاق وهم تلاميذه وتلميذاته. ما لم أصدقه أنه مارس ليبرالية العاطفة وارتبط بأسماء العديدات من الحسناوات ونجماتها الشقراوات.. كلام مجرد كلام ولا دليل. وقد تعودت أثناء ممارستى لتلك المهنة صاحبة الجلالة ألا أصدق ما أسمعه إلا بالدليل الدامغ والوثائق. لذلك لم أصدق أنه ارتبط بهذا الكم من الحسناوات وهن كثر وإلا ما كان وجد وقتا للعمل وللقلم معشوقه الأول والأخير الذى تمنى أن يصحبه إلى القبر! وبالتالى لم أصدق ما قيل عنه على لسان رتيبة الحفنى ونعم الباز ومحفوظ عبد الرحمن بأنه تزوج بالسيدة أم كلثوم كوكب الشرق! ليست لأنها كبيرة عليه.. أو أنهما من كواكب مختلفة وعوالم غير العوالم، لكن ما الذى يضطرهما للزواج سرا.. حتى إن رويت على لسانه تلك الكلمات: عرفت الناس أم كلثوم وأنا عرفت أم كلثوم أخرى.. عرفوا الأسطورة وعرفت الإنسانة. عرفوها فوق المسرح والأضواء المسلطة عليها وعرفتها فى غرفتها الصغيرة فى الطابق العلوى منزوية تبكى فى صمت! ولم يحدد فى أى منزل كانت غرفتها؟ وأين يقع هذا الطابق العلوى! ثم جاء محفوظ عبد الرحمن ليلمح آخذا أيضا عن كلماته المبهمة. قائلا: إن مصطفى أمين أول مرة سمعها فى الثلاثينيات وفى صحبة وفد سودانى! وقد ذهب معهم على حد قوله مُكرها!! لكنه ارتبط بها حتى فاقت علاقته بها علاقتها بفكرى أباظة الصديق القديم.. فلم يكن يحدث أى حدث لأم كلثوم إلا وفيه مصطفى أمين! مثل حصولها على وسام الكمال 1946، كان هو فى دائرة الأحداث ثم كان هو الوسيط بينها وبين قوات الفالوجا المحاصرة فى 1948، لتغنى لهم! بعد فك الحصار كان هو المدنى الوحيد الذى يصاحب ضباط الكتيبة لزيارة أم كلثوم فى بيتها، وفى 1952، هو الذى أبلغ جمال عبد الناصر أن الإذاعة منعتها من الغناء. ويقول محفوظ عبد الرحمن إن هذا الارتباط كان سببا فى الشائعة التى قالت إنه تزوجها! وإنه عندما التقى بمصطفى أمين قال:«إنهم كانوا يسألونه.. فيجيب.. ولماذا أفعل؟ وهى إجابة مراوغة تؤكد أكثر مما تنفى هذا فى رأى محفوظ عبد الرحمن، أما فى رأيى.. فإنها صداقة صحفى عملاق وصاحب أول دار صحفية مصرية حديثة بكوكب الشرق التى لا أظن أنها يمكن أن تخفى زيجة كهذه وهى التى لم تتزوج من قبل. وتظل كلمات هوانم الصحافة وتلميذاته تتردد، فها هى نعم الباز «ماما نعم» تؤكد قائلة: من خلال تصريحات رتيبة الحفنى فى مكتبة الإسكندرية 2005. أن أم كلثوم تزوجت من مصطفى أمين، وأنها شاهدت نحو 20 رسالة غرامية أرسلتها له! وكانت بدايتها تقول:«إلى زوجى العزيز مصطفى أمين، وكانت مؤرخة سنة 1946، ومدونة على ورق فندق سيسل الشهير فى مدينة الإسكندرية مع توقيعها فى النهاية «المخلصة أم كلثوم فاطمة» وهذا هو اسم أم كلثوم الحقيقى.. فاطمة بنت إبراهيم السيد البلتاجى، هناك من يرون أن التحليل التاريخى للرواية السابقة يؤكد صحتها بأن أم كلثوم كانت فى الإسكندرية بالفعل عام 1946 تصور فيلم «فاطمة» الذى كتبه مصطفى أمين، ولا ننس أن الفيلم كان يتحدث عن الزواج العرفى بين فاطمة فى الفيلم وأنور وجدى ابن الأثرياء!! والعلم عند الله، فالزواج إشهار كما يقولون فى رأيى لكن ألا يكفى أن نعم الباز تلميذة مدرسة مصطفى وعلى أمين التى أصبحت الكاتبة الصحفية الكبيرة ماما نعم، تشهد على الزيجة قائلة: إن د. على إمبابى الذى كان يشغل منصب مدير مكتب كمال الدين رفعت المشرف على جريدة أخبار اليوم عقب القبض على مصطفى أمين كان شاهدا على هذه الرسائل التى كانت فى درج مكتب مصطفى أمين، وتم الكشف عنها أثناء جرد مكتبه، وحين قبض عليه بتهمة التخابر الشهيرة 1965، إلا أنه تم حرقها حفاظا على حياة أم كلثوم الشخصية!! لكن إن صح هذا الكلام لا يحرق حقيقة أن أم كلثوم كانت كعادتها تقف كثيرا بجانب مصطفى أمين وداره الصحفية لتسد عثراتها المادية، ولا ننس جميعا قضية البروش الألماس الشهير الذى كان على شكل هلال والذى تبرعت به أم كلثوم لأخبار اليوم ثم اختفى! لم تستطع روايات هؤلاء أن تقنعنى ولا تلميحات مصطفى بيه، فأم كلثوم كانت أقوى كما علمنا من إخفائها لزواج حتى لو كان منتقصا فى عرف المجتمع. لم يتوقف الفكر الليبرالى العاطفى الأمريكى النزعة لدى مصطفى أمين عند أم كلثوم، إنما شمل أسماء كثيرة، وكأن صاحبة الجلالة لديه.. أنفاسها حب فى حب وقصص فى قصص تبعث على إثارة الحياة!! لا يفيق منها صاحبها إلا وهو وراء القضبان، فيضطر لممارسة ليبرالية حقوق الإنسان، والمسألة كلها وجهات نظر بين الحاكم والمحكوم.. بين السجان والمسجون.. بين حقوق الإنسان والإنسان..