سوريا تصدر تحذيرا لمواطنيها بعد سقوط بقايا صواريخ جراء التصعيد الإسرائيلي الإيراني    إعلام إسرائيلي: سلاح الجو يقصف إيران الآن    اللواء سمير فرج: إيران كانت ستمتلك 6 قنابل نووية بنهاية الشهر    بعد الضربات الإسرائيلية.. ما مدى خطورة التسرب الإشعاعي من المنشآت النووية الإيرانية؟    يقترب من برشلونة.. ليفربول منفتح على بيع دياز    الأهلي يبحث عن افتتاح تاريخي لكأس العالم للأندية أمام ميسي    نجم المغرب السابق: بنتايج يستحق الانضمام لأسود الأطلس    اليوم.. الحكم على المتهمين في واقعة انفجار خط غاز طريق الواحات    الأردن: سقوط أجسام جوية إيرانية وإسرائيلية في عدد من مناطق المملكة    خبير طاقة ذرية: إيران تملك المقومات لإنتاج 10 قنابل نووية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 14 يونيو 2025    سعر الذهب اليوم السبت 14 يونيو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير (تفاصيل)    حرب إسرائيل وإيران.. الحكومة: نسعى لتجنب تخفيف أحمال الكهرباء في الصيف    أحمد معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    ملامح تشكيل الأهلي أمام إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    ريبيرو: أنا في مهمة تاريخية .. وسنعمل على إيقاف خطورة ميسي    محمد صبري: شيكابالا من أساطير الزمالك وله الحرية في تحديد موعد اعتزاله    هلال سالم: الزمالك صاحب الشعبية الأكبر في الإمارات    «سيصدم العالم».. الحرس الثوري الإيراني: إطلاق صواريخ خيبر قريبًا    «قلت لهم دي مش ماسورة مياه.. دي غاز».. مسؤول بجهاز 6 أكتوبر يتحدث عن لحظة ما قبل انفجار خط غاز طريق الواحات (خاص)    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    أمن القاهرة يضبط سائق الميكروباص صاحب فيديو القيادة الاستعراضية في المقطم    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    حركات متصاعدة في بيت المال.. حظ برج القوس اليوم 14 يونيو    نقيب الفنانين العراقيين يزور إلهام شاهين وهالة سرحان بعد تعطل عودتهن لمصر    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    بورصة الذهب تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية تتجاوز ال 100 دولار    هدى زاهر تكشف تفاصيل الأزمة الصحية لابنتها ملك أحمد زاهر    الحرس الثوري يحذر إسرائيل من استهداف المراكز الاقتصادية والبنى التحتية للطاقة    مسلسل فات الميعاد الحلقة الأولى.. أحمد مجدى يسرق نقود زوجته لإنقاذ أخيه    إصابة 5 فلسطينيين عقب سقوط صاروخ في سعير شمال الخليل    فيديو وصور- مايان السيد ترقص وتحتفل بزفاف شقيقتها    الصحة: نجاح جراحة دقيقة ونادرة لطفلة عمرها 3 أيام تعاني من ناسور مريئي    وزارة الصحة: نجاح فريق طبى بمستشفى الخانكة في إجراء جراحة نادرة لطفلة رضيعة    غرفة عمليات مركزية بالدقهلية للتعامل مع حريق بمنطقة خالية داخل مركز إرسال بطره    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    الأحد.. قصور الثقافة تطلق برنامج مصر جميلة المجاني لاكتشاف المواهب بأسوان    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    هل زيارة المريض واجبة أم مستحبة؟.. عالم أزهرى يجيب "فيديو"    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    وداع قاسٍ من الربيع.. إنذار جوي بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل ب القاهرة والمحافظات    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    100% لثلاثة طلاب.. ننشر أسماء أوائل الإعدادية الأزهرية في أسيوط    طعنوه وذبحوه داخل الحظيرة.. العثور على جثة مزارع غارقة في الدماء ببني سويف    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو لهو طفل بمنتصف أحد المحاور بالمقطم    إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية بالشرقية    الطيران المدني: المجال الجوي آمن.. ورفع درجة الاستعداد القصوى    أسعار اللحوم اليوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    قفزة في الاستثمارات العامة بالمنوفية ب2.8 مليار جنيه في موازنة 2024/2025    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارةُ ريتشارد
نشر في الأهرام العربي يوم 17 - 07 - 2017

أمس، نهاراً، زارني في منزلي بالضاحية اللندنية، صديقٌ بريطانيٌّ، إنجليزيٌّ أباً عن جَدٍّ ؛ لا هنديّ، ولا عربيّ مثلي، ولا جامايكيّ ... إلخ .
والأمرُ عجَبٌ حقاً . إذ ليس من عادة الناس، هنا، التزاور في البيوت، أساساً . أمّا أن يزور إنجليزيٌّ شخصاً عربياً غريباً، وفي بيته بالضاحية، فهو العجبُ العُجاب !
كان ريتشارد شابّاً، في حوالي الثلاثين، جاء بسيارته الفورد، ذات الدفع الرباعيّ، من إسِكْس Essex غير القريبة، إلى مقامي الخرافيّ، بيتِ الشاعر ، في قرية هَيرفِيلد Harefield حيث المستشفى الشهير للسَير (الآن) مجدي يعقوب، عبقريّ طبّ القلب، القادمِ من مصر العظيمة.
جاء في العاشرة والنصف صباحاً !
لم أكن التقيتُه من قبلُ .
قدّمتُ له شاياً بالنعناع .
كان اتّصلَ هاتفياً، قبل أسبوع، يطلب الزيارة .
لم أسألْه عن سبب زيارته، إذ بدا لي أن سؤالاً كهذا قد يبدو غير مهذّبٍ، كما أنني من محبّي المفاجآت ... مرحباً إذاً !
ريتشارد يحتسي الشاي المنعنَع بهدوءٍ متلذذٍ .
أتدري لِمَ جئتُكَ ؟ لقد قرأتُ كتاباً عنك باللغة الإنجليزية، لا بدّ أن الكتاب لديك . سعدي يوسف بين الوطن والمنفى، لمؤلفه يائير حوري . The Poetry of Saadi Yusuf between homeland and exile, by Yair Huri.
قلتُ له : الكتاب لديّ حقاً . جاءني هديةً من المؤلف .
سألني : أتعرف المؤلف ؟
أجبتُه : لا .
هل كنتما تتراسلان ؟
أجبتُه : لا .
بدا الأمرُ ، لدى ريتشارد، مُحَيِّراً .
قال لي: ما رأيُكَ بهذه العبارات التي وردت على غلاف الكتاب ؟
“منذ أمدٍ طويلٍ، اعتُبِرَ سعدي يوسف أهمّ شاعرٍ عراقيّ حيّ، ومن أشهر مُجددي الشعر العربي “
Saadi Yousef has long been acknowledged as Iraq's foremost living poet and one of the prominent modernists of Arabic poetry.
أجبتُه : هذا رأيٌ . وهناك آراءُ تختلف عنه .
سألني ريتشارد : مثلاً ؟
أجبتُ: هناك مَن يرى أنني لم أكنْ شاعراً يوماًما .
قال : إذاً، ماذا كنتَ في رأيهم ؟
أجبتُ : ثورياً، يريد أن يغيِّر العالَمَ، ويعيد تشكيله تحت الراية الحمراء !
أحسستُ أن المسألة التبستْ على ريتشارد .
قال : لكنّ الصلة قائمةٌ جداً بين الشعر وتغيير العالم ... أعني أن صورتك وأنت تحمل الراية الحمراء خفّاقةً تمنح شعركَ، جدوى . الناس مَعْنيّةٌ بالمُغَيِّرِ .
في شعرنا الإنجليزي، تُعتبَر فترة الثلاثينيات، العصرَ الذهبي، لأن جيل أودِن العظيم ارتبط بفكرة التغيير، ارتبط بحلم اليسار النقيّ . شعراء ذلك الجيل ذهبوا إلى إسبانيا يقاتلون مع الجمهوريين .
إبريق الشاي بردَ، ونضب شايُهُ . لكن الحديث أخذ يكتسب حرارةً معيّنةً .
قلتُ : كلامُك صحيحٌ تماماً، يا ريتشارد، وبخاصة عن جيل أودِن، وراية اليسار التي لم يرفضها إلاّ كاثوليكيٌّ واحدٌ اسمُهُ ت.س. إليوت . كان يحبّ فرانكو لأن الجنرال كاثوليكيٌّ مثله !
لكنّ أمرَنا، أمرَ شعرِنا ، فى المنطقة العربية، هذه الأيامَ، مختلفٌ، بل عجيبٌ !
سألني ريتشارد : كيف ؟
الكتابة بالعربية، وكتابةُ الشعر بالعربية خاصةً، ليستْ كتابةً .
تأويلُ الأمرِ أن الكاتب العربي، لأَقُل الشاعر العربي، ما دمنا نتحدث عن الشعر، لم يَعُدْ قائماً : لقد احتلَّ مكانه، بل مكانتَه، الصحفيّ المتشبّثُ بمعاشه، فصارَ يكتبُ ما يحسبُه أصحابُهُ في المهنة شعراً . واحتلَّ مكانَهُ الموظفُ الحزبيُّ المأجورُ، فصار يكتبُ ما يصفِّقُ له قادةُ حزبه الجهلةُ باعتباره شعراً . واحتلَّ مكانهُ الجنودُ السابقون، ومسّاحو أحذيةِ الطغاةِ وأبناءِ الطغاةِ، فصاروا يكتبون ما يظنون أنه سيجعلهم متصوفةً لا جنوداً سابقين ومسّاحي أحذيةٍ. واحتلَّ مكانه الفاشلون الذين اشترتْهمُ دوائرُ أوربا وأميركا الاستعماريةُ ، فصاروا يكتبون ما اعتقدوا أنه يرضي تلك الدوائرَ، ويرسُمُ لها الصورةَ المشتهاةَ . واحتلَّ مكانَهُ الأطفالُ الرُّضَّعُ لمشيخاتِ الخليجِ، حيث لا حقَّ ولا حقوقَ، فصاروا يكتبون ما يخجل السرياليّ من فرطِ سرياليته، وما ينتكسُ الحداثيُّ المُغالي من فرْطِ حداثيّته كأنّ بغداد لم يحتلَّها أحدٌ .
كأن فلسطين لم يحتلّها أحد .
كأن الجنوب اللبناني ليس على الخارطة .
وكأن مَدارجَ الطائرات الأميركية التي ظلّت تقتل أبناء العراق لم تكن تعرف الخليج منطلَقاً .
الشاعر العربي الآن :
كاذبٌ .
مزيَّفُ حقائق .
جبانٌ .
فى المملكة المتحدة، تقليدٌ في الصحافةِ أثيرٌ :الأقسام الثقافية في الصحافة لا يتولّى شأنَها مبدعون في القَصِّ أو الشِعر، خشيةَ اللاموضوعية، وتغليب مَنازعِ الذات الأمّارةِ بالسوء، أحياناً .
الأقسامُ الثقافية يتولّى شأنَها نقّادٌ، وصحافيون محترفون .
أمّا عندنا ، يا ريتشارد، فكلُّ من تولّى صفحةً ثقافيةً أو بعضَ صفحةٍ، صار بقدرةِ قادرٍ، قاصّاً لامعاً، أو شاعراً رائعاً ...
المحررون، اللامعون، يُلَمِّعون بعضَهم ... لينشأَ نوعٌ من التربيت يُدْعى متابَعةً أو حتى نقداً .
وشعراءُ الصفحات الثقافية، وقصّاصوها، صاروا شعراءَ أمّةٍ وقصّاصي أمّةٍ ابتُلِيَتْ بأبنائها العاقّين .
في الماضي المجيد، أي قبل حوالَي اثنَي عشر قرناً ، كان الوضعُ أفضلَ بما لا يُقاسُ . أمثالُ هؤلاء كانوا يسمَونَ: الشعراء الكُتّاب . وشعرُهمُ يصَنّف نقدياً بأنه شعرُ الكُتّاب، كنايةً عن أضعف الشِعر . والحَقُّ أن شعر أصحابنا الآن هو أضعفُ الشعر، لكنك لا تملك منبراً تعلِن منه ذلك ...
هؤلاء الشعراء/ الكُتّابُ ، يحميهم التخلّفُ، وتحميهم أوروبا الاستعمارية، والولاياتُ المتحدةُ أيضاً، ونحميهم نحن باعتبارهم أصدقاءَ، وإنْ لم يُعِيروا، هم، أي معنىً للصداقة .
لكنهم يظلّون ، الشعراءَ الكُتّاب َ، يختفون فجأةً في ظلامٍ لا نورَ بعده، بمجرّد توقُّفِ الصحيفةِ، أو توقيفِ الصحيفةِ إيّاهُم ...
مصيرٌ مضحكٌ على أي حال !
الغرفة مشحونةٌ بما لم يكن مقدَّراً لها .
كان ريتشارد، مدوَّخاً أو يكادُ .
دعوتُه إلى كأسٍ، ولو للطريق . اعتذر . قال إنه سيسوق سيارته الفورد ذات الدفع الرباعي، إلى مكانه البعيد .
سآخذ كأسي، وحيداً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.