تقديم المترجم: هذه كلمة الشاعرة الأمريكية د. كاثرين كولس عن «حالة الشعر الأمريكي» التي ألقتها في «مهرجان الشعر العالمي» ال 41 في روتردام (هولندا) في يونية 2010 ونشرت علي موقع «مؤسسة الشعرالعالمي» (بوتري إنترناشينال فاونديشن) علي النت مؤخرا Poetry International. الشاعرة كاثرين كولس «أستاذ مشارك» للغة الإنجليزية في جامعة ولاية يوتا الأمريكية. أصدرت روايتين وثلاثة دواوين شعرية آخرها في 2001 بعنوان «السنوات الذهبية للبعد الرابع». ونلفت النظر أن كولس تقدم في آخر كلمتها اعترافاً خطيراً عن سبب تلميع بعض الأدباء الأجانب (شعراء وروائيون) في الغرب واختيار أعمالهم لكي تترجم وهو لأنهم في الأساس يقدمون بلادهم للغرب بصور سيئة وسلبية عن طريق البوح الفضائحي وكسر التابوهات لثالوث: الجنس والسياسة والدين وهذا ما يرغب به المتلقون في الغرب من ساسة وقراء علي حد سواء لأنه يثبت تفوقهم أو علي الأقل عدم نفاقهم في أمور الأخلاق وغيرها. ووضعنا هوامش بعد الكلمة لشرح بعض المصطلحات الخاصة بالمشهد الشعري الأمريكي. الكلمة: المشهد الشعري في الولاياتالمتحدة منقسم إلي فصائل، وجدلي ، ونشط ، ومتقد ، ومضجر ، وغالبا مستفز، بل وأحيانا جذاب ومثير للاهتمام. تحركه أحيانا قناعة جمالية ، وأحيانا قناعة سياسية ، بل وأحيانا حتي الشعور بطعم الكلمات علي اللسان. إنه ذكي، وغبي ، وملييء بالأفكار، ومتخم بالمفاجآت. إنه يرتفع فوق التضاريس، واللهجة ، والحدس. هناك شعر لكل موهبة ، وفصيل لكل شاعر. ولكن أولا، مرة أخري ، إنه فصائلي في المقام الأول، ويقدم فصائل متصارعة للشعراء الشعبويين والنخبويين ، واليساريين واليمنيين، وحتي الذين يرفضون الإيديولوجيا. وهناك مكان للباحثين عن الاهتمام والناسكين، والاجتماعيين والغلاظ، وشخصيات مسكينة مثل بلانش دوبيس أو شريرة مثل ديرتي هاري. ويشمل المشهد الشعراء الذين يطرحون أنفسهم (بنجاح أم لا) بقوة داخل التقاليد وأولئك الذين يسعون إلي التحرر من التقاليد. ويشمل المشهد الشاعر الثرثار والشاعر الصموت (قليل الكلام)، وهناك الشعراء الذين يقلدون الاتجاه الألماني، وأولئك الذين يتحدثون إلي حد كبير باللاتينية. وإذا لم تجد في كل هذه الفصائل ما يناسبك، يمكنك اختراع فصيل خاص بك. أحيانا، أطالع عمل شاعر ومن ثم أتأمل ماذا يطلق علي نفسه أو نفسها وأشعر بالدهشة. القائمة تشمل جميع الألقاب السابقة ، هناك لقب ومسمي لكل جندر (نوع الجنس: ذكر أم أنثي) وهوية عرقية ، وأكثر من ذلك لدرجة أنني نسيت أو لم أسمع ببعضها من قبل. لدينا شعراء يمكنهم تحويل مانشيتات الصحف إلي قصائد شعرية ثم يطبعونها في ديوان. وهناك شعراء يجتهدون في مسح وتغيير بعض الكلمات في قصائد الشاعر الراحل ميلتون ثم نسبها إلي أنفسهم. «شعراء لانوغج» (1) أصبحوا الآن مغروسين في المؤسسة، أو في أية مؤسسة علي أي حال. وعلي الخطوط الأمامية، علي الأقل في الأسبوع الماضي ، كان لدينا مؤتمر لشعراء حركة فلارف(2) Flarf، وهم شعراء صمموا برامج كمبيوتر لتكتب الشعر نيابة عنهم بينما يشربون البيرة ويقضون بعض الوقت الممتع مع صديقاتهم في البار. أنا أحب النشاط والحركة. وعندما أنصت، أشعر بدندنة وهمهمة وطنين في الهواء ، كما لو كان في كل «بدروم» في المدينة شخص يكتب، أو يبتكر نوع جديد من الشعر. ولكن هل أرغب في قراءة معظمه؟؟ أو حتي الجلوس في نفس الغرفة مع شخص يقرأه ؟؟ كلااااا، بحق السماء!!! ولا أريد - بحق السماء أيضا - أن أنسي أن هناك نسبة ثابتة -لا تسألوني عن مقدارها - للشعر الجيد مقارنة بالسييء. هذا صحيح في مجال العلم - كما قال أينشتاين - وأعتقد أنه ينطبق علي الشعر أيضا. وإذا كان ذلك كذلك ، فإنه كلما كتب شعر أكثر ، فإننا علي الأرجح سوف نحصل علي شيء جيد بما يكفي لنخلع قبعاتنا تحية له مهما كانت فصائلنا الشعرية. أنا لست متشائمة ، كما قد تظنون، وأعتقد أن هناك في مكان ما يجري ابتكار أفضل شعر جديد. وما بعده وما بعده. وآمل في نهاية المطاف ، أن يأتي شيء مناسب لهذا العصر. وآمل أن أعرفه عندما أراه. بالطبع ، هذه الحالة من الفوضي والعبثية لا تحدث فقط هنا في أمريكا. وأنا أتكلم عن الولاياتالمتحدة لأنه طلب مني ذلك، وهذا ما أعرفه. الشيء المؤسف: كم هو قليل ذلك الذي نحن هنا في أمريكا وأنتم هناك في الخارج نعرف عن بعضنا البعض. هنا، بعضنا من الذين يقرأون قليلا خارج فصائلنا الصغيرة الخاصة قد نعرف الشعر الانجليزي فقط. وربما ، بخلاف الترجمة ، قد يتقن البعض لغة أجنية أخري ، ولكن لا شيء مدهش ورائع مثل شخص متعدد اللغات كوعاء كبير يحتوي علي مزيج من الشعر بلغات مكونة من كلمات من جميع أنحاء العالم. ولذلك لا ينبغي أن نفاجأ إذا كان الناس الذين تفصلنا عنهم محيطات ولغات غريبة ليس لديهم سوي فكرة بسيطة وسطحية عنا وعن هويتنا، أو وجهة نظر متأثرة - مثلنا - بمناورات السياسة وبالأفكار المسبقة ، التي حددها شعراء نالوا جوائز نوبل أو جوائز دولية أخري وأولئك الذين ترجمت أشعارهم ربما ليس لأنها تمثل ما يحدث في بلدهم ولكن لأنها تقدم لبلدان أخري فضائح وتكسر تابوهات يحبون قراءتها عنهم وفيهم بالفعل. ونحن جميعا نعرف من هم. هذا يحدث لشعركم في بلدي، ولشعرنا في بلدانكم. عن بعد، أظن أننا كشعراء أمريكان نمثل كتلة متفاهمة. ولكننا لسنا كذلك ولا نستطيع ذلك. فنحن نفس الناس الذين انتخبنا جورج دبليو بوش ثم باراك أوباما ، ونحن نفس الناس الذين نكره تشريعنا للرعاية الصحية لأنه «اشتراكي» ونكرهه لأنه لا يقدم نظاماً موحداً للدفع. لا نستطيع لومكم لأنكم مشوشين. فكما قال (الشاعر) ويتمان: «نحن كشعب نتكون من تعددات». لذلك أظن أن مشهدنا الشعري كما نراه (كما أراه) لا يشبه المشهد الأمريكي كما يبدو لكم. وبالفعل، فإنه يبدو لي مختلفا عنه بالنسبة لجيراني ، كل واحد منا ينظر من خلال عدسات ممارساته وتجاربه الخاصة. بالنسبة لصديقي «شاعر لانغوج»: شعرنا هو «شعر لانوغوج» فقط ممثلا في مايكل بالمر وسوزان هاو ولين هيجينان وكريستشيان بوك، ولا تقلقوا لكون الأخير كندياً ومخرب «شعر لانغوج»!! وبالنسبة لصديقي الشاعر «الشكلي» (المتمسك بالشكل)، شعرنا هو فقط شعر مارلين هاكر، وآني فينش ، وريتشارد هوارد ومارك ستراند ، ولا تقلقوا لكون ريتشارد ومارك «غير شكليين»!! ولكن هل تعتبرون مارك ستراند «شكلياً»؟؟؟ الليلة الماضية سمعت كارين فولكمان وهي شاعرة صغيرة بعض الشيء تعيش في ولاية مونتانا - تقرأ الشعر. ديوانها الثاني يحتوي بالكامل علي شعر النثر فقط، والثالث يتكون تماما من السوناتات. ما فصيلها الشعري؟؟؟ سأخترع لها واحدا من عندي: «ماغباي» (magpie نوع من الطيور يسمي بالعربية «العقعق») «شاعرة ماغباي» تلتقط أي شيء يأتي في متناول منقارها ، وتسرق أعشاش الآخرين بتركيز مشتت. لا أقصد أن ينقلب موقفي، علي الرغم من أنني أعني عمل تنوير. أعضاء كل واحدة من فصائلنا والجماعات الصغيرة المسيجة داخلها جادون - إلا إذا كانت وجهة نظرهم أن لا يكونوا كذلك، وفي هذه الحالة يكونون «جادين في عدم جدهم». لكنني لا أريد أن أدعي ، حتي لو كان ذلك مغريا، أن الشعر الأمريكي يمكن تمثيله بفصيلين أو ثلاثة أو نصف دستة من الفصائل. في فوضاه وتنوعه، وتفاؤله الغريب، وأحيانا مزاجه السييء، شعر الولاياتالمتحدة يعبر عن أمة أمريكية كبيرة مدموغة بكل شكل من التعددية: جغرافية، عرقية، لغوية، سياسية، إلخ. فكل شيء وأي شيء ممكن هنا!!! إنه ليس مطلقا ما أريده أن يكون بالضبط!!! وهو ربما بالضبط ما أريده أن يكون!!! شكرا لكم انتهت الكلمة هوامش المترجم: (1) «شعراء لانوغج»: تيار شعري سمي باسم مجلة «لانوغوج» (لغة). وهم مجموعة طليعية في شعر الولاياتالمتحدة بزغت في آخر عقد الستينات وخلال عقد السبعينات من القرن المنصرم. كانت نقطة تطور شعرهم عندما ركزوا علي «الأسلوب»، خاصة عند غريرترود ستين، ولويس زوكوفسكي. ويعتبر «شعراء لانوغوج» حاليا ممثلين لتيار «ما بعد الحداثة» الشعرية. (2) «شعر فلارف» FLARF POETRY: يمكن أن يميز بأنه تيار شعري عبثي مخرب يهدف لهدم تقاليد الشعر الراسخة. برز في آخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. ركز رواده من الشعراء البارعين في برمجة الكمبيوتر علي مبدأ «الإبداع القبيح» لكتابة كل شكل «غير مناسب» و«غير لائق» شعريا بهدف هدم فكرة الشعر التقليدية. استعملوا محركات البحث علي الإنترنت خاصة «جوجل» للبحث عن كلمات عشوائية وغير منطقية ويتم عمل كولاج ترقيعي لها ومن ثم تصفية النتائج لينتجوا قصائد عبثية وهزلية ومزعجة للقراء والشعراء والنقاد. وكلمة فلارف FLARF مقتبسة من دمج مختصر لكلمتين هما:FLUFF أي «غلطة» وBARF أي «قيئ» ليكون معناها المقصود تقريبا: «قيء غلط» أي «كلام فارغ». ويقول غاري سوليفان الذي كتب أول قصيدة فلارف إنه كتبها كنكتة ورد فعل ساخر علي المسابقة الأزلية ل «أفضل قصيدة» التي أعلن عنها بكثرة موقع «شعر دوت كوم» Poetry.com الأمريكي حتي شعر بالاستفزاز وقرر أن يهدم تقاليد الشعر مستعينا بقدراته الفذة علي البرمجة ليثبت أنه الأفضل حتي لو لم يفز بتلك الجائزة. وقد صدرت بالفعل عشرات الدواوين لشعر فلارف وعدة كتب لأنطولوجيا شعر فلارف، وصار لها جمهور ينتظرون صدور كتبها لمتابعة تطوراتها الشعرية القبيحة.