الثلاثاء.. انطلاق المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    النائب أحمد صبور: تنمية قطاع ريادة الأعمال يساهم في تسريع نمو الاقتصاد    النائب أحمد فرغلي: الحكومة تتخلى عن مسئوليتها في إدارة المستشفيات.. ووزير المجالس النيابية: نقدم كل خير للشعب    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    محافظ المنيا: توريد 244 ألف طن قمح إلى الصوامع منذ بداية موسم الحصاد    تفاصيل تنفيذ مشروع القطار الكهربائي الخفيف «الرحاب – العاصمة الإدارية»    حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية الدوليين للقطاع الخاص فى مصر    السيسي يهنئ نظيره التشادي هاتفيا بالفوز في انتخابات الرئاسة    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 37 طائرة مسيرة روسية    علم مصر فقط.. 4 إرشادات لجماهير الزمالك بنهائي الكونفدرالية    «تعليم المنوفية»: تصحيح العينة العشوائية للغة العربية يؤكد مراعاة مستوى الطلاب    «الأرصاد»: أجواء مائلة للحرارة ليلا.. والعظمى في الصعيد تسجل 45 درجة    «الداخلية»: تسهيلات للحالات الإنسانية في أقسام الجوازات على مستوى الجمهورية    تأييد براءة مصطفى كامل من سب وقذف سكرتير نقابة الموسيقيين السابق    فيلم عالماشي يحقق 40 ألف جنيه إيرادات في يوم واحد    النائبة أميرة العادلي: قانون تشغيل المنشآت الصحية يحقق معادلة صعبة    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان العلوم    المجلس الأعلى للحوار الإجتماعي يستكمل جلساته برئاسة وزير العمل    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    بولتيكو: ترامب طرح فكرة الفترة الرئاسية الثالثة لو فاز فى نوفمبر    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    وصول 96 ألف طن قمح على متن سفينتين لصالح هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص    «دراما الشحاذين» يستهل فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح ال31    خفة ظله «سر» شهرته.. ذكرى وفاة الفنان حسن مصطفى    أوزيك يحسم نزال القرن أمام تايسون فيوري.. ويدخل التاريخ    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    جبالى يحيل 10 مشروعات قانون للجان النوعية بالبرلمان    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول كتابة الشعر في المدارس
نشر في صوت البلد يوم 08 - 01 - 2017

أيهما أهم للطفل: التعرف على المعنى الشعري في القصيدة، أم الاستماع إلى موسيقى الألفاظ ..؟
وهل نطلب من أطفالنا أن يفهموا كل شيء يقرؤونه في مجال الشعر، أم نطلب منهم أن يحفظوا ويرددوا فقط دون فهم المعنى أو المراد من النص الشعري الموجه إليهم؟
وهل إذا حاول أطفالنا أن يكتبوا شعرا سنطالبهم بالحفاظ على الوزن والقافية والالتزام ببحر شعري ما، أم سنشجعهم على الكتابة فحسب، أيًّا كان الناتج الأدبي الذي سيخرج من بين أصابعهم ووجداناتهم دون الالتزام بالوزن أو الإيقاع أو القافية أو البحر ..؟
يرى البعض أننا يجب أن نعوِّد أطفالنا على الالتزام بموسيقى شعرية ما إذا حاول أحدهم أن يقترب من عالم الشعر، بالضبط مثلما يلتزم بلغة عربية سليمة، نحوًا وصرفًا إذا ما حاول أن يكتب شعرا باللغة العربية.
ولكن هل يتسنى لأطفالنا في سن المرحلة الابتدائية أو المرحلة الإعدادية أن يمتلكوا ناصية التعبير الموسيقي السليم دون دراسة علم الأوزان والقوافي ..؟
يرى البعض أن الشاعر الصغير عادة ما يكون موهوبا في هذه الناحية، أي أنه يمتلك الموسيقى الشعرية دون دراسة لجوانبها المختلفة.
وعموما فإن عدد الموهوبين شعريا بناءً على هذه الشروط سيكون ضئيلا جدا، والمطلوب اكشاف ناصية التعبير الشعري لدى أطفالنا في سن مبكرة مضحين قليلا أو كثيرا بمسألة الوزن والقافية.
إن أريك جي بولتون، صاحب كتاب "كتابة الشعر في المدارس" يرى ضرورة تحطيم هذين المعتقدين الوزن والقافية إذا ما أريد أي تقدم في هذا الموضوع بالنسبة لأطفالنا، وهو يرى أن على معلم الشعر أن يعمل جهده لنقض الرأي القائل إن الشعر يجب أن يكون موزونا ومقفى لكي يستحق تسميته شعرًا.
ويبدو أن مسألة وجود معلم للشعر في مدارسنا العربية ستكون نوعا من الرفاهية التدريسية، أو أن مدرسينا لم يفكروا فيها على نحو جاد، ويكفي أن يكون هناك مدرس للغة العربية يقوم بتدريس الشعر المقرر على طلبته فحسب، ولكن الموضوع الذي أمامنا مختلف كل الاختلاف عن مجرد تدريس الشعر المقرر، إنه يتعدى ذلك لاكتشاف التلاميذ الشعراء ومنحهم الفرصة تلو الأخرى ليكتبوا شيئا من إنتاجهم هم ليقرر أو يدرس على زملائهم.
من هنا تأتي أهمية التجارب التعليمية والأدبية والتربوية التي قام بها أريك جي بولتون في إحدى المدارس الإنجليزية والتي قام الأديب العراقي ياسين طه حافظ بترجمتها، وصدرت في سلسلة الموسوعة الصغيرة العدد 21 التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والفنون بالعراق، وذلك تحت عنوان "كتابة الشعر في المدارس".
ينطلق المؤلف / المدرس من فرضيتين مهمتين في هذه التجارب الأولى، أشرنا إليها منذ قليل، وتتعلق بنقض الرأي القائل إن الشعر يجب أن يكون موزونا ومققى حتى يستحق تسميته شعرا. والثانية إنه ليست هناك طريقة لتدريس قواعد اللغة أفضل من تلك التي تتم خلال الكتابة الشعرية.
الفرضية الأولى يدعمها خشية أن يتعامل التلاميذ مع القافية باعتبارها أهم شيء في النص الشعري أو القصيدة، وفي بحثهم عن الكلمات القوافي سوف يخسرون كل التلقائية والأصالة.
وتعد مشكلة الجمالية والعاطفية من أهم المشكلات التي قابلها المؤلف مع الأطفال، ذلك أن الأطفال اعتادوا على التفكير بأن الشعر يتعامل كليا مع ما هو جميل وعاطفي، في حين يذهب المؤلف إلى أن هذه الفكرة الخاطئة ناشئة من الشعر الرث الذي يكثر في عموم كتب الأطفال في المجلات، وبطاقات أعياد الميلاد والتقاويم.
وقد حاول المؤلف أن يعالج هذه المشكلة في كتابات الأطفال بحيث يسحب الموضوع الذي يتحدث فيه مع الأطفال بطريقة تصبح القصائد فيها لا جميلة ولا عاطفية، مثل كلب تقتله سيارة مرمي أو أو ملقى في مجرى مائي وملطخ بالتراب والقذارة وبدمه.
لقد ناقش المؤلف أو المدرس تلاميذه حول ماذا يشعرون إزاء هذا الكلب، وهل يشعرون وكأنهم الفاعلون ..؟ وقد جاءت قصيدة إحدى التلميذات في الثانية عشرة على النحو التالي:
كلب هزيل تالف المظهر
يرقد في المجرى
جسمه ملطخ بالدم والوحل:
ساكن كالموت
كلب كان حيا يوما، والآن ميت:
مرعب أن تراه
ولكني نظرت إليه
هناك الأسف
الكلب سيصبح قذارة
يوضع في القمامة
يحرق ثم تنطفيء الجمرة
ويعلق بولتون على هذه القصيدة بقوله: "هذه القصيدة الصغيرة البسيطة تتحرك بشكل لطيف. من الملاحظة خلال الشعور بالأسف، إلى تقبل حقيقة الكلب. المقطع الثاني الجميل يحمل حنانا وتعاطفا دون أية لمسة من الانفعال الزائد والغلو".
وتكتب طفلة أخرى في السن نفسها قصيدة عنوانها "جسد كلب ميت" تقول فيها:
جسد ميت لكلب
لم تعد الحياة ترقص في هذه الجثة
ميت !
ميت بالنسبة لجميع العالم
الدم الذي كان يوما في عمل
مسفوح الآن على جانب الطريق
إنه الآن رمز للموت
ساقاه مثنيتان بشكل غير طبيعي
الرأس مكسور، منفصل عن الجسد
العينان بيضاوان تتحولان ببطء إلى الأحمر
العظام غاطستان في اللحم
الهواء يتحول عفنا
والغبار يتراكم على الجثة
الذباب يهبط على الدم
مستعدا ليتغذى على لحم
الجسد الميت
ويعلق المؤلف على هذه القصيدة بقوله: "هذه قصيدة مختلفة جدا عن (سابقتها) القاموس اللفظي أوسع، والكلمات استعملت بشكل تصوري وتخيلي أكثر. إنها مختلفة أيضا في أن الأسى أو الشعور بالرثاء مختف. إنها قصيدة متوحشة. في توحشها تدين كل أولئك الذين كانوا سببا للموت. لا تقبُّل إطلاقا للموت هنا. والقصيدة تنتهي بتصوير مرعب للكلب الميت".
وفي مرحلة تالية يبدأ المؤلف استعمال الأساليب المشوقة الأخرى بدل الكلام والمناقشة، حيث بدأ الأطفال أنفسهم يقتنعون بقدراتهم على الكتابة، ومن الطرق التي استعملت في هذه المرحلة قراءة قصائد تتناول حيوانات وناسا، مع إثارة عواطف الخوف والغضب والحب والكراهية خلال ردود الفعل الناتجة من موقف خاص أو تجربة.
لقد وضع بولتون بين يدي الأطفال الموضوع التالي "صباح يوم عطلة لاحظت وأنا أسير في الطريق إلى المدرسة المغلقة، لاحظت صفا من الدور قد هدمت إلا واحدة ما تزال الستائر على نوافذها وقناني الحليب تنتظر عند الباب".
وطلب منهم صياغة أو كتابة قصائد تتناول هذا الموضوع، فكتبت طفلة في الثانية عشرة النص التالي:
وأنا أسير في الشارع
تابعة ظلي
سمعت شخصا يصيح
داري تسقط
النجدة !
النجدة !
النجدة !
داري تسقط
أنا لا أقدر أن أبنيها مرة أخرى
النجدة !
النجدة !
النجدة !
أنا لا أقدر أن أبنيها مرة أخرى
النجدة !
ويعلق المؤلف على هذه القصيدة بقوله: "واضح أن هذه القصيدة تدين بقليل في مضمونها إلى الموضوع الذي طرح. لقد استخدمت (الطفلة) فكرة سقوط الدور كرمز شخصي. هذه إحدى الميزات الكبيرة لاستعمال حقائق متفرقة لا تربطها إلا علائق بسيطة غامضة".
ثم يضيف "هنالك حس حقيقي من عدم الاطمئنان يتخلل هذه القصيدة والذي أعتقد أن (الطفلة) لم تكن واعية تماما به. إن رمز الدار الذي قدمته أنا دون علم بما سيئول إليه، كان ذا فائدة".
وكتب طفل آخر في الثانية عشرة أيضا قصيدة بعنوان "دارنا" يقول فيها:
صف من الدور،
الدور العتيقة،
من سنين يعيش فيها الناس
وحين تسقط الجدران
يراقب هؤلاء الناس ويقطبون
وتسقط أيضا قطعة من قلبك
وعندما تسقط آخر طابوقة
تبدو كأنها سوف لا تصل الأرض أبدا
تطفو بأمان مثل سنونو
تطفو
رشيقة جدا
وفجأة تهبط بارتطام
ومثلما في حلم، تنكسر
قلبك ينكسر أيضا
ويعلق المؤلف على تلك القصيدة التي كان كاتبها واحدا ممن تهدمت منازلهم، وقد راقب داره وهي تتمزق وتهوي، ويتضح هذا في المقطع الثاني، يقول بولتون: "إنها ليست قصيدة مراقب موضوعي مجرد، ولكنها قصيدة شخص شمله الحدث بعمق وأصابه شخصيا. إن هذا يظهر أن التجربة كلما كانت أقرب إلى شخصية الطفل نفسه، كانت النتائج المتوقعة أفضل".
ومن المشكلات التي قابلها المؤلف في هذه المرحلة أن بعض كتابات الأطفال غير واضحة، ويقول في علاج هذه المشكلة: "كنت أترك الأطفال يكتبون قصائدهم على مسودات، ثم يقرؤونها لي. وبينما هم يقرؤون كنت أعيد كتابتها بشكل مناسب، ويقوم التلميذ بعد ذلك باستنساخها في دفتره. بهذه الطريقة أكون قد منحته بعض الثقة بنفسه وبقدرته على كتابة الشعر".
وفي مرحلة سنية تالية وهي الثالثة عشرة والرابعة عشرة يتغير أسلوب التعامل، وتبرز مشكلات أخرى منها أن الأطفال بدأوا يكتبون شعرا تتوافر فيه شروط الكتابة، ولكنه بغير حياة، ومن هنا يجب أن تكون استجابات الأطفال حية وطازجة مع الأخذ في الاعتبار دخول المرحلة النقدية، بعد أن كانت المرحلة السابقة تعتمد على العفوية والطلاقة.
ويلاحظ المؤلف أنه في هذا العمر تصبح أعمال الأطفال أقل موضوعية ووجهات نظرهم تنحرف إلى الذاتية والاستبطان الشخصي، وقد بدأ مع هذه السن أخذ الأطفال إلى أماكن خارج المدرسة ليكتبوا عن مشاهداتهم الخارجية مع التحدث عن قصائد تناولت موضوعات مثل التي سوف يشاهدونها.
وقد لاحظ المؤلف أن تلاميذه في هذه المرحلة يلتقطون دون وعي تكنيكات آخرين، ويتبنونها لاحتياجاتهم الخاصة.
ومن خلال تجربة المؤلف مع أطفاله تأكد له أن الأطفال يجدون صعوبة بالغة في الكتابة الجيدة، عما هو سحري، وغير طبيعي. وتظل هذه الصعوبة كبيرة، وإن كانوا يتمتعون كثيرا بقراءة هذا النوع من الأشعار. لذا فقد حاول أن يرجعهم إلى كتابة قصائد لمناسبات مدرسية خاصة، كما حاول في مرحلة متقدمة أكثر أن يحفزهم للنظر داخل أنفسهم، ويسأل كلٌّ منهم نفسه أي نوع من الأشخاص أنا؟ وأي شخص أريد أن أكون؟
وقد لاحظ المؤلف أن فكرة الطفل عما يريد أن يكونه دائمة التغيير. وقد دعا المؤلف تلاميذه لأن يكتبوا عن العائلة والدين والمدرسة في محاولة تثبيت مواقفهم الخاصة وسط تلك المفاهيم والمسلمات، وقد تم ملاحظة أن أطفال هذه المرحلة يريدون أن يناقشوا أنفسهم والمجتمع الذي وجدوا أنفسهم فيه، وأن القصائد التي يتمتعون بها أكثر من سواها هي تلك القصائد التي تتناول الموضوعات التي يتساءلون عنها، لذا فإن أشعار كيتس كما يقول المؤلف شائعة بين أطفال هذه المرحلة، لأن هذا الشاعر يهتم بجوهر الحياة والجمال، وهذا الاهتمام واحد مما يرتاح إليه الأحداث في سنيهم هذه، كما أنهم يريدون أن يعرفوا شيئا عن الموت، وأشعارهم تعكس ما يشبه الافتتان المرضي بالموت.
يقول طفل في الصف الخامس في قصيدة بعنوان "ذكرى":
ساعة ذهبية ب (سير) متهريء
زوج من الأخفاف يتعذر لبسهما
خيط من اللؤلؤ اصفرَّ من مرور الزمن عليه
سوف لن يرتديه أحد لسنين قادمة أخرى
كلما فتحت الدولاب
تتدحرج إحدى الذكريات نحوي
وتسقط ميتة فوق الأرض
التقطها، وانظر للزمن الماضي
ثم أعيدها حية
هي والأفكار التي صحبتها
أحيانا أتساءل إن كانت تستطيع
أن ترانا الآن، وتعرف أن بضاعتها اللفظية
الباقية حقيقة في الطريق
وأن الفراغ الذي تشغله
يمكن أن يكون لأداة أو آنية
ولكنها يمكن أن تستريح، لأن الزاوية
التي تشغلها
سوف تظل دائما ذكريات
ويعلق بولتون بقوله إن قصيدة الشاعر جورج ماكبث وراء هذه القصيدة التي يتوافر نوع من الخلود فيها.
ولما كان موضوع العائلة من الموضوعات التي يهتم بها أطفال هذه المرحلة، فقد طلب منهم المؤلف أن يكتبوا قصائد عن شخص يعرفونه جيدا، وأن يحاولوا امتلاك شخصيته أكثر من مظهره البدني.
ولعل القصيدة التالية لتلميذ في الصف الخامس الابتدائي كتبها عن جده تنجح تماما في محاولتها تحقيق ذلك:
كان رجلا طويلا نحيفا
يتمشى في الغرفة ذهابا وإيابا
كما لم تكن فيها أية مقاعد
إنه يسير ببطء مثل السلحفاة
يأكل ويشرب شايه
ويتساقط منه لغو غريب
كما لو كان سكران
وإذا ما جلس، فلينتف
أزراره
ويقتلع، يمزق شيئا ما إلى قطع
ثم يظل يحدق في النار
يحدق حتى يصير وجهه أحمر ورديا
أيضا لاحظ المؤلف أن هناك تأثيرا للكتب التي يقرؤها التلاميذ على شعرهم، وهو ما يمكن أن يلمس ويرى في القصائد التي يكتبونها.
وفي الختام، يعلق بولتون على تجربته مع أطفاله في محاولة كتابة الشعر بقوله: "أحد الآمال التي أعتز بها، أن بعض الأطفال والأحداث الذين أسهموا في الكتابات الشعرية سوف يجدون دائما متعة عميقة وقناعة بالشعر ...".
لا شك أنها تجربة تربوية وفنية وأدبية رائعة ورائدة تلك التي قام أريك جي بولتون، وليت أحد شعرائنا العرب الذين يعملون في مجال التدريس في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو حتى الثانوية يحاول أن يفعل مثلها أو شبيهها لنرى هل سيخرج بالنتائج نفسها التي خرج بها المؤلف الإنجليزي، وكيف ستكون استجابات أطفالنا، وهل سيتم اكتشاف أو سيتم صناعة شعراء صغار بهذه الطريقة؟
أيهما أهم للطفل: التعرف على المعنى الشعري في القصيدة، أم الاستماع إلى موسيقى الألفاظ ..؟
وهل نطلب من أطفالنا أن يفهموا كل شيء يقرؤونه في مجال الشعر، أم نطلب منهم أن يحفظوا ويرددوا فقط دون فهم المعنى أو المراد من النص الشعري الموجه إليهم؟
وهل إذا حاول أطفالنا أن يكتبوا شعرا سنطالبهم بالحفاظ على الوزن والقافية والالتزام ببحر شعري ما، أم سنشجعهم على الكتابة فحسب، أيًّا كان الناتج الأدبي الذي سيخرج من بين أصابعهم ووجداناتهم دون الالتزام بالوزن أو الإيقاع أو القافية أو البحر ..؟
يرى البعض أننا يجب أن نعوِّد أطفالنا على الالتزام بموسيقى شعرية ما إذا حاول أحدهم أن يقترب من عالم الشعر، بالضبط مثلما يلتزم بلغة عربية سليمة، نحوًا وصرفًا إذا ما حاول أن يكتب شعرا باللغة العربية.
ولكن هل يتسنى لأطفالنا في سن المرحلة الابتدائية أو المرحلة الإعدادية أن يمتلكوا ناصية التعبير الموسيقي السليم دون دراسة علم الأوزان والقوافي ..؟
يرى البعض أن الشاعر الصغير عادة ما يكون موهوبا في هذه الناحية، أي أنه يمتلك الموسيقى الشعرية دون دراسة لجوانبها المختلفة.
وعموما فإن عدد الموهوبين شعريا بناءً على هذه الشروط سيكون ضئيلا جدا، والمطلوب اكشاف ناصية التعبير الشعري لدى أطفالنا في سن مبكرة مضحين قليلا أو كثيرا بمسألة الوزن والقافية.
إن أريك جي بولتون، صاحب كتاب "كتابة الشعر في المدارس" يرى ضرورة تحطيم هذين المعتقدين الوزن والقافية إذا ما أريد أي تقدم في هذا الموضوع بالنسبة لأطفالنا، وهو يرى أن على معلم الشعر أن يعمل جهده لنقض الرأي القائل إن الشعر يجب أن يكون موزونا ومقفى لكي يستحق تسميته شعرًا.
ويبدو أن مسألة وجود معلم للشعر في مدارسنا العربية ستكون نوعا من الرفاهية التدريسية، أو أن مدرسينا لم يفكروا فيها على نحو جاد، ويكفي أن يكون هناك مدرس للغة العربية يقوم بتدريس الشعر المقرر على طلبته فحسب، ولكن الموضوع الذي أمامنا مختلف كل الاختلاف عن مجرد تدريس الشعر المقرر، إنه يتعدى ذلك لاكتشاف التلاميذ الشعراء ومنحهم الفرصة تلو الأخرى ليكتبوا شيئا من إنتاجهم هم ليقرر أو يدرس على زملائهم.
من هنا تأتي أهمية التجارب التعليمية والأدبية والتربوية التي قام بها أريك جي بولتون في إحدى المدارس الإنجليزية والتي قام الأديب العراقي ياسين طه حافظ بترجمتها، وصدرت في سلسلة الموسوعة الصغيرة العدد 21 التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والفنون بالعراق، وذلك تحت عنوان "كتابة الشعر في المدارس".
ينطلق المؤلف / المدرس من فرضيتين مهمتين في هذه التجارب الأولى، أشرنا إليها منذ قليل، وتتعلق بنقض الرأي القائل إن الشعر يجب أن يكون موزونا ومققى حتى يستحق تسميته شعرا. والثانية إنه ليست هناك طريقة لتدريس قواعد اللغة أفضل من تلك التي تتم خلال الكتابة الشعرية.
الفرضية الأولى يدعمها خشية أن يتعامل التلاميذ مع القافية باعتبارها أهم شيء في النص الشعري أو القصيدة، وفي بحثهم عن الكلمات القوافي سوف يخسرون كل التلقائية والأصالة.
وتعد مشكلة الجمالية والعاطفية من أهم المشكلات التي قابلها المؤلف مع الأطفال، ذلك أن الأطفال اعتادوا على التفكير بأن الشعر يتعامل كليا مع ما هو جميل وعاطفي، في حين يذهب المؤلف إلى أن هذه الفكرة الخاطئة ناشئة من الشعر الرث الذي يكثر في عموم كتب الأطفال في المجلات، وبطاقات أعياد الميلاد والتقاويم.
وقد حاول المؤلف أن يعالج هذه المشكلة في كتابات الأطفال بحيث يسحب الموضوع الذي يتحدث فيه مع الأطفال بطريقة تصبح القصائد فيها لا جميلة ولا عاطفية، مثل كلب تقتله سيارة مرمي أو أو ملقى في مجرى مائي وملطخ بالتراب والقذارة وبدمه.
لقد ناقش المؤلف أو المدرس تلاميذه حول ماذا يشعرون إزاء هذا الكلب، وهل يشعرون وكأنهم الفاعلون ..؟ وقد جاءت قصيدة إحدى التلميذات في الثانية عشرة على النحو التالي:
كلب هزيل تالف المظهر
يرقد في المجرى
جسمه ملطخ بالدم والوحل:
ساكن كالموت
كلب كان حيا يوما، والآن ميت:
مرعب أن تراه
ولكني نظرت إليه
هناك الأسف
الكلب سيصبح قذارة
يوضع في القمامة
يحرق ثم تنطفيء الجمرة
ويعلق بولتون على هذه القصيدة بقوله: "هذه القصيدة الصغيرة البسيطة تتحرك بشكل لطيف. من الملاحظة خلال الشعور بالأسف، إلى تقبل حقيقة الكلب. المقطع الثاني الجميل يحمل حنانا وتعاطفا دون أية لمسة من الانفعال الزائد والغلو".
وتكتب طفلة أخرى في السن نفسها قصيدة عنوانها "جسد كلب ميت" تقول فيها:
جسد ميت لكلب
لم تعد الحياة ترقص في هذه الجثة
ميت !
ميت بالنسبة لجميع العالم
الدم الذي كان يوما في عمل
مسفوح الآن على جانب الطريق
إنه الآن رمز للموت
ساقاه مثنيتان بشكل غير طبيعي
الرأس مكسور، منفصل عن الجسد
العينان بيضاوان تتحولان ببطء إلى الأحمر
العظام غاطستان في اللحم
الهواء يتحول عفنا
والغبار يتراكم على الجثة
الذباب يهبط على الدم
مستعدا ليتغذى على لحم
الجسد الميت
ويعلق المؤلف على هذه القصيدة بقوله: "هذه قصيدة مختلفة جدا عن (سابقتها) القاموس اللفظي أوسع، والكلمات استعملت بشكل تصوري وتخيلي أكثر. إنها مختلفة أيضا في أن الأسى أو الشعور بالرثاء مختف. إنها قصيدة متوحشة. في توحشها تدين كل أولئك الذين كانوا سببا للموت. لا تقبُّل إطلاقا للموت هنا. والقصيدة تنتهي بتصوير مرعب للكلب الميت".
وفي مرحلة تالية يبدأ المؤلف استعمال الأساليب المشوقة الأخرى بدل الكلام والمناقشة، حيث بدأ الأطفال أنفسهم يقتنعون بقدراتهم على الكتابة، ومن الطرق التي استعملت في هذه المرحلة قراءة قصائد تتناول حيوانات وناسا، مع إثارة عواطف الخوف والغضب والحب والكراهية خلال ردود الفعل الناتجة من موقف خاص أو تجربة.
لقد وضع بولتون بين يدي الأطفال الموضوع التالي "صباح يوم عطلة لاحظت وأنا أسير في الطريق إلى المدرسة المغلقة، لاحظت صفا من الدور قد هدمت إلا واحدة ما تزال الستائر على نوافذها وقناني الحليب تنتظر عند الباب".
وطلب منهم صياغة أو كتابة قصائد تتناول هذا الموضوع، فكتبت طفلة في الثانية عشرة النص التالي:
وأنا أسير في الشارع
تابعة ظلي
سمعت شخصا يصيح
داري تسقط
النجدة !
النجدة !
النجدة !
داري تسقط
أنا لا أقدر أن أبنيها مرة أخرى
النجدة !
النجدة !
النجدة !
أنا لا أقدر أن أبنيها مرة أخرى
النجدة !
ويعلق المؤلف على هذه القصيدة بقوله: "واضح أن هذه القصيدة تدين بقليل في مضمونها إلى الموضوع الذي طرح. لقد استخدمت (الطفلة) فكرة سقوط الدور كرمز شخصي. هذه إحدى الميزات الكبيرة لاستعمال حقائق متفرقة لا تربطها إلا علائق بسيطة غامضة".
ثم يضيف "هنالك حس حقيقي من عدم الاطمئنان يتخلل هذه القصيدة والذي أعتقد أن (الطفلة) لم تكن واعية تماما به. إن رمز الدار الذي قدمته أنا دون علم بما سيئول إليه، كان ذا فائدة".
وكتب طفل آخر في الثانية عشرة أيضا قصيدة بعنوان "دارنا" يقول فيها:
صف من الدور،
الدور العتيقة،
من سنين يعيش فيها الناس
وحين تسقط الجدران
يراقب هؤلاء الناس ويقطبون
وتسقط أيضا قطعة من قلبك
وعندما تسقط آخر طابوقة
تبدو كأنها سوف لا تصل الأرض أبدا
تطفو بأمان مثل سنونو
تطفو
رشيقة جدا
وفجأة تهبط بارتطام
ومثلما في حلم، تنكسر
قلبك ينكسر أيضا
ويعلق المؤلف على تلك القصيدة التي كان كاتبها واحدا ممن تهدمت منازلهم، وقد راقب داره وهي تتمزق وتهوي، ويتضح هذا في المقطع الثاني، يقول بولتون: "إنها ليست قصيدة مراقب موضوعي مجرد، ولكنها قصيدة شخص شمله الحدث بعمق وأصابه شخصيا. إن هذا يظهر أن التجربة كلما كانت أقرب إلى شخصية الطفل نفسه، كانت النتائج المتوقعة أفضل".
ومن المشكلات التي قابلها المؤلف في هذه المرحلة أن بعض كتابات الأطفال غير واضحة، ويقول في علاج هذه المشكلة: "كنت أترك الأطفال يكتبون قصائدهم على مسودات، ثم يقرؤونها لي. وبينما هم يقرؤون كنت أعيد كتابتها بشكل مناسب، ويقوم التلميذ بعد ذلك باستنساخها في دفتره. بهذه الطريقة أكون قد منحته بعض الثقة بنفسه وبقدرته على كتابة الشعر".
وفي مرحلة سنية تالية وهي الثالثة عشرة والرابعة عشرة يتغير أسلوب التعامل، وتبرز مشكلات أخرى منها أن الأطفال بدأوا يكتبون شعرا تتوافر فيه شروط الكتابة، ولكنه بغير حياة، ومن هنا يجب أن تكون استجابات الأطفال حية وطازجة مع الأخذ في الاعتبار دخول المرحلة النقدية، بعد أن كانت المرحلة السابقة تعتمد على العفوية والطلاقة.
ويلاحظ المؤلف أنه في هذا العمر تصبح أعمال الأطفال أقل موضوعية ووجهات نظرهم تنحرف إلى الذاتية والاستبطان الشخصي، وقد بدأ مع هذه السن أخذ الأطفال إلى أماكن خارج المدرسة ليكتبوا عن مشاهداتهم الخارجية مع التحدث عن قصائد تناولت موضوعات مثل التي سوف يشاهدونها.
وقد لاحظ المؤلف أن تلاميذه في هذه المرحلة يلتقطون دون وعي تكنيكات آخرين، ويتبنونها لاحتياجاتهم الخاصة.
ومن خلال تجربة المؤلف مع أطفاله تأكد له أن الأطفال يجدون صعوبة بالغة في الكتابة الجيدة، عما هو سحري، وغير طبيعي. وتظل هذه الصعوبة كبيرة، وإن كانوا يتمتعون كثيرا بقراءة هذا النوع من الأشعار. لذا فقد حاول أن يرجعهم إلى كتابة قصائد لمناسبات مدرسية خاصة، كما حاول في مرحلة متقدمة أكثر أن يحفزهم للنظر داخل أنفسهم، ويسأل كلٌّ منهم نفسه أي نوع من الأشخاص أنا؟ وأي شخص أريد أن أكون؟
وقد لاحظ المؤلف أن فكرة الطفل عما يريد أن يكونه دائمة التغيير. وقد دعا المؤلف تلاميذه لأن يكتبوا عن العائلة والدين والمدرسة في محاولة تثبيت مواقفهم الخاصة وسط تلك المفاهيم والمسلمات، وقد تم ملاحظة أن أطفال هذه المرحلة يريدون أن يناقشوا أنفسهم والمجتمع الذي وجدوا أنفسهم فيه، وأن القصائد التي يتمتعون بها أكثر من سواها هي تلك القصائد التي تتناول الموضوعات التي يتساءلون عنها، لذا فإن أشعار كيتس كما يقول المؤلف شائعة بين أطفال هذه المرحلة، لأن هذا الشاعر يهتم بجوهر الحياة والجمال، وهذا الاهتمام واحد مما يرتاح إليه الأحداث في سنيهم هذه، كما أنهم يريدون أن يعرفوا شيئا عن الموت، وأشعارهم تعكس ما يشبه الافتتان المرضي بالموت.
يقول طفل في الصف الخامس في قصيدة بعنوان "ذكرى":
ساعة ذهبية ب (سير) متهريء
زوج من الأخفاف يتعذر لبسهما
خيط من اللؤلؤ اصفرَّ من مرور الزمن عليه
سوف لن يرتديه أحد لسنين قادمة أخرى
كلما فتحت الدولاب
تتدحرج إحدى الذكريات نحوي
وتسقط ميتة فوق الأرض
التقطها، وانظر للزمن الماضي
ثم أعيدها حية
هي والأفكار التي صحبتها
أحيانا أتساءل إن كانت تستطيع
أن ترانا الآن، وتعرف أن بضاعتها اللفظية
الباقية حقيقة في الطريق
وأن الفراغ الذي تشغله
يمكن أن يكون لأداة أو آنية
ولكنها يمكن أن تستريح، لأن الزاوية
التي تشغلها
سوف تظل دائما ذكريات
ويعلق بولتون بقوله إن قصيدة الشاعر جورج ماكبث وراء هذه القصيدة التي يتوافر نوع من الخلود فيها.
ولما كان موضوع العائلة من الموضوعات التي يهتم بها أطفال هذه المرحلة، فقد طلب منهم المؤلف أن يكتبوا قصائد عن شخص يعرفونه جيدا، وأن يحاولوا امتلاك شخصيته أكثر من مظهره البدني.
ولعل القصيدة التالية لتلميذ في الصف الخامس الابتدائي كتبها عن جده تنجح تماما في محاولتها تحقيق ذلك:
كان رجلا طويلا نحيفا
يتمشى في الغرفة ذهابا وإيابا
كما لم تكن فيها أية مقاعد
إنه يسير ببطء مثل السلحفاة
يأكل ويشرب شايه
ويتساقط منه لغو غريب
كما لو كان سكران
وإذا ما جلس، فلينتف
أزراره
ويقتلع، يمزق شيئا ما إلى قطع
ثم يظل يحدق في النار
يحدق حتى يصير وجهه أحمر ورديا
أيضا لاحظ المؤلف أن هناك تأثيرا للكتب التي يقرؤها التلاميذ على شعرهم، وهو ما يمكن أن يلمس ويرى في القصائد التي يكتبونها.
وفي الختام، يعلق بولتون على تجربته مع أطفاله في محاولة كتابة الشعر بقوله: "أحد الآمال التي أعتز بها، أن بعض الأطفال والأحداث الذين أسهموا في الكتابات الشعرية سوف يجدون دائما متعة عميقة وقناعة بالشعر ...".
لا شك أنها تجربة تربوية وفنية وأدبية رائعة ورائدة تلك التي قام أريك جي بولتون، وليت أحد شعرائنا العرب الذين يعملون في مجال التدريس في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو حتى الثانوية يحاول أن يفعل مثلها أو شبيهها لنرى هل سيخرج بالنتائج نفسها التي خرج بها المؤلف الإنجليزي، وكيف ستكون استجابات أطفالنا، وهل سيتم اكتشاف أو سيتم صناعة شعراء صغار بهذه الطريقة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.