رئيس جامعة السادات: مشاركتنا بافتتاح المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر تأكيد لمساهمتنا بجهود التنمية المستدامة    الكويت ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي القاضي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا    السعودية تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي دولي    سفير أوكرانيا بالقاهرة: اتفاق المعادن النادرة مع واشنطن ليس موجها ضد روسيا    يد - الاتحاد المصري يعلن مشاركة الزمالك كمستضيف والأهلي كبطل إفريقيا في مونديال الأندية    تعرف على شخصية ماجد المصري في فيلم "الست لما" بطولة يسرا    تذكرة ذهاب بلا عودة.. خطة إسرائيلية لإفراغ شمال غزة عبر مراكز توزيع المساعدات    «لا تلبي متطلبات العصر ».. «السجيني»: القوانين الاستثنائية القديمة تعيق حل الأزمة بين المالك والمستأجر    محمد رمضان عن الحكم بإيداع نجله دار رعاية: لا أشك في نزاهة القضاء المصري    الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    عمرو الورداني: الالتجاء إلى الله سنة لمواجهة الكوارث وتحقيق التوازن النفسى    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    كازاخستان: ننتظر توضيحا رسميا من أوكرانيا حول الهجوم على خط أنابيب بحر قزوين    مصرع طفل غرقًا في مياه نهر النيل بكفر الشيخ    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام تحتفى بترجمة «أوراق العشب» كاملا للمرة الأولى عربيا
رفعت سلام: «ويتمان» يمثل الحلم الأمريكى الأكثر إنسانية ترجمة الديوان استغرقت أربع سنوات و أنقذتنى من الاكتئاب

إنك لا تقرأ كتابا بل تلمس إنسانا.. هكذا وصف الشاعر الأمريكى الأبرز والت ويتمان سفره الشعرى «أوراق العشب» الذى أصدر له تسع طبعات بين عامى 1855 وحتى 1892، وكان أثره الفنى الوحيد.
الجملة تعكس فهم ويتمان – الابن الروحى للحداثة الشعرية الأمريكية – للشعر ككيان حي، يغنى للإنسان باعتباره القيمة الأكثر قداسة فى الحياة.
احتفلت الأهرام مؤخرا بترجمة والت ويتمان للمرة الأولى كاملا إلى اللغة العربية على يد الشاعر المصرى الكبير رفعت سلام فى أمسية حضرها محمد عبد الهادى علام رئيس التحرير والكاتب محمد سلماوى والشعراء بهاء جاهين رئيس القسم الثقافى بالاهرام ومحمد عيد ابراهيم وأسامة جاد وحسن هزاع وهدى عمران والكاتبة آمال شحاتة والروائى محسن عبد العزيز ولفيف من المهتمين بالشأن الثقافي.
وديوان ويتمان ترجمت منه مختارات فى عدة ترجمات أهمها ما قدمه الشاعر العراقى الكبير سعدى يوسف والدكتور ماهر البطوطي، لكن هذه هى المرة الأولى التى يتم ترجمة «أوراق العشب» كاملا فى الثقافة العربية وهو حدث مهم يستحق الاحتفال فى الاهرام .
فى بداية الأمسية قال محمد عبد الهادى علام رئيس تحرير الأهرام إن الأهرام كانت دائما منطلقا للأفكار الكبيرة، وكانت ساحة للاحتفاء بالإنجازات الثقافية، فقد كانت دائما جريدة النخبة... «ولا شك أن إتمام ترجمة كاملة للمرة الأولى فى الثقافة العربية لشاعر كبير مثل والت ويتمان إنجاز يستحق التكريم.. وسيكون ذلك تقليدا دائما فى الجريدة، ستكرم كل مبدع وستحتفى بكل إنجاز ليعود الأهرام بيتا للمبدعين المصريين والعرب وقريبا سندشن صالون الأهرام الثقافى الذى سيكون رسالة الأهرام التى تعيد قوته الناعمة والقوة الناعمة للثقافة المصرية.
هذا الصالون سيكون عملا مؤسسيا حقيقيا يطرح المسائل الثقافية والسياسية والاجتماعية بشفافية وبروح الرأى والرأى الآخر. وقريبا سنعلن عن تفاصيل المشروع الثقافى الكبير الذى نحن بصدده. ولذلك أرى أن تكريم رفعت سلام لترجمته ديوانا مهما يأتى فى إطار رسالة الأهرام الثقافية.”
ثم تحدث مقدم للندوة فقال فى مقدمته لترجمة مختارات من «أوراق العشب» كتب الشاعر العراقى الكبير سعدى يوسف، إن أوراق العشب مهمة لأنها ديوان شاعر يعبر عن أمة فى حالة نهضة مما يقدم لشعرنا المتطلع ان يكون المعبر عن نهوضنا انموذجا عاليا . وتمنى يوسف أن يوطن مترجم نمفسه لترجمة السفر الكبيرلوالت ويتمان ترجمة كاملة.
واحتاج الأمر أكثر من ثلاثين عاما لتحقيق أمنية سعدى يوسف على يدى الشاعر الكبير رفعت سلام. فيما احتاج الأمر 37 عاما لينجز ويتمان شعره، والذى بدأه فى 1855 وأصدره بعد عناء فى كتيب صغير لم يلق إقبالا بل هجوما نقديا سافرا، ولكنه واصل العمل عليه بالإضافة والحذف مع كل طبعة حتى وصلت طبعاته إلى 9 طبعات ، كانت آخرها فى العام 1892، قبيل وفاته.
رفعت سلام: حلم قديم
ثم تحدث رفعت سلام قائلا : «فى البداية دعونى أتوجه بالشكر إلى صحيفة الأهرام العريقة فهذه هى المرة الأولى على ما أعتقد فى الصحافة المصرية أن يتم الاحتفاء بعمل ثقافى وصدور كتاب..
أتمنى أن يكون هذا الاحتفال مجرد بداية لأن تستعيد المؤسسات الصحفية وفى مقدمتها الأهرام دورها الثقافى المهم الذى قدمته فى تاريخنا الحديث. فقد تربينا على ملحق الأهرام الذى كان يشرف عليه الراحلان لويس عوض وأحمد بهجت، وعلى مسئولى الصحف الآن أن يعرفوا أن أبناءنا فى القرى والنجوع محرومون من الثقافة فلا تصل إليهم الكتب أو المجلات الثقافية بانتظام، وما يصلهم فقط هو الصحف الورقية.. ولذلك فإن استعادة الأهرام لدورها الأصلى عمل جليل يستحق التحية والتشجيع، فقد عرفنا الأدب الحديث كله عربيا وعالميا عن طريق الملحق الثقافى بها.
اما عن ترجمة ويتمان فلها تاريخ طويل معي. ففى الثمانينات من القرن الماضى وقعت فى يدى نسخة من ديوان «أوراق العشب» للمرة الأولى وكنت قرأته وقرأت عنه، لكننى لم أقتن نسخة إلا فى الثمانينات. وظننت أن النسخة التى معى هى الأصلية المكتملة للديوان، إلا اننى اكتشفت بعد ذلك أنها ناقصة. وفى يوم من الأيام فى التسعينات، كنت أمر بشارع النبى دانيال فى الإسكندرية ولمحت نسخة من الديوان فاشتريتها، واكتشفت بعد ذلك أنها الطبعة الكاملة التى رضى عنها ويتمان قبل وفاته.
الأهرام: كيف عرفت أنها النسخة الأصلية ؟
لأن أرشيف ويتمان كاملا صار متاحا على الإنترنت، وقد قارنت نسختى بالنسخة النهائية -أى الطبعة التاسعة للكتاب- التى كتب عليها ويتمان أن هذه الطبعة هى «الأكمل التى أرضى عنها لأننى راجعتها بنفسى ونقحتها»، وهى ما تعرف بنسخة فراش الموت.. فقد راجعها عام 1892 قبل وفاته مباشرة
الأهرام: ولماذا تأخرت الترجمة منذ التسعينات للآن ؟
كانت لدى رغبة فى ترجمة الديوان لكنى كنت متخوفا من خوض التجربة. وبشكل لاشعورى ظللت أرجئ التنفيذ فتأجلت الترجمة إلى أن شجعنى على خوضه أنى قطعت شوطا فى ترجمة مشروعات مشابهة من الأعمال الكاملة للشعراء الكبار من أمثال قسطنطين كافافيس وشارل بودلير ورامبو، وتكونت لدى خبرة عمليه حول إمكانية السيطرة على أعمال كاملة لشاعر كبير بحجم والت ويتمان. ساعتها قررت أن أترجم السفر الكبير لشاعر الحداثة الامريكية والإنجليزية بعد أن قدمت مشروع الحداثة الأوروبية متمثلا فى بودلير.
ولماذا أخذت منك الترجمة أربعة أعوام ونصف العام ؟
لعلنا نعرف ماذا حدث فى البلد منذ ثورة يناير والتحولات التى وقعت، والفوضى والارتباك الذى حل.. فقررت أن أنشغل بعمل كبير يمنحنى السكينة. وكان الانشغال بوالت ويتمان ملاذا نفسيا وعمليا لى.
وفى هذه الفترة أيضا تعرضت ابنتى يارا لمشكلة كبيرة حيث تم اعتقالها، فأوقفت الترجمة إلى أن تماسكت نفسيا من صدمة اعتقال ابنتى الصغرى، وعندما انتهيت من تأمين احتياجات يارا فى أزمتها، عدت إلى ويتمان الذى أنقذنى شعره من الاكتئاب والحزن.
وعندما بدأت الترجمة وجدت نفسى أسير ببطء فى المشروع فتعجبت لأن الكتاب يقع فى 400 صفحة فقط، فقمت بعد السطور مرة أخرى فاكتشفت أن بالصفحة 42 سطرا ما يعنى أن الصفحة توازى صفحتين من الكتب العادية ولذلك أخذت الترجمة وقتا طويلا، لأننى لا أنقل النص فقط بل أتتبع إشاراته ولقطاته الثقافية وأرجع الى مصادره بشكل كبير.
فأنا لا أبدأ ترجمة عمل إلا إذا كانت كل المصادر والمراجع تحت يدى بأكثر مما أحتاجه، لأن ذلك يفتح لى أفكارا وإشارات لموضوعات، وأكتشف عبر القراءة عن الشاعر وظروف إنتاجه معلومات جديدة تساعدنى فى الفهم وتجعل الترجمة أكثر دقة.
ثورةالشعر .
وبدأت الترجمة فاكتشفت النقلة التى أحدثها ويتمان فى الشعر متمثلة فى النصوص واللغة .بمعنى أن اللغة المستخدمة فى نص ويتمان ليست تلك اللغة العادية التقليدية التى كان الشعر يكتب بها عند الشعراء السابقين عليه فى القرن الثامن عشر. فويتمان طالع من الشوارع ومن القرى ومن أسرة فقيرة لم يكمل تعليمه النظامي، يعيش فى مجتمع خليط من المهاجرين بخليط من اللغات واللهجات التى تتناثر فى قصائده كما يتم التعامل بها فى الحياة العادية. ولذلك تجد قصيدته فسيفساء لغوية من كلمات الهنود الحمر ومن اللغات الأوروبية كالإيطالية والاسبانية والأيرلندية.
وكان ويتمان كلما كتب مجموعة شعرية جديدة أصدر طبعة جديدة من الديوان بالاسم نفسه، وقام بتعديل بعض القصائد وعناوينها وبنيتها التى تتغير بتغير طبعات الديوان.
وهذه الظاهرة وجدتها مرتين مع الشعراء الكبار، مع بودلير وويتمان، لأنهما لا يعتبران الديوان الشعرى كتابا لتجميع قصائد بل يتعاملان معه باعتباره بنية شعورية وجمالية ولغوية. ولذلك يعدلان فى إبداعهما فى كل طبعة ولا يضيف ويتمان القصائد الجديدة إلى آخر الديوان بل يعيد ترتيب الديوان ككل وإضافة القصائد الجديدة فى المكان الذى تتسق فيه مع سياق الديوان كله وبنيته الجديدة.
واللافت أن بودلير وويتمان قدما أشعارهما الثورية فى فترة متزامنة فقد كتب ويتمان أوراق عشبه عام 1855 كعلامة للشعر الامريكى وبعدها بعامين قدم بودلير «أزهار الشر» كعلامة فارقة فى الشعر الفرنسي.
وكلنا يعرف ماذا حدث لبودلير عندما حوكم بسبب أزهار الشعر وقررت المحكمة حذف 6 قصائد كاملة من الديوان. وكان ممكنا للشاعر الكبير أن يصدر الديوان بما تبقى من قصائد لم تعترض عليها المحكمة، لكنه قرر كتابة 6 قصائد جديدة تتسق مع بنية الديوان وتسد النقص الذى حصل مع قرار المحكمة، وقال استطيع تدبر أمر الغرامة التى فرضتها المحكمة لكن ماذا أفعل فى النقص الحاد فى بنية الديوان؟! لكنه لم يكتب 6 قصائد فقط بل كتب 25 قصيدة وأعاد ترتيب الديوان كاملا.
شاعر الفقراء
كان ويتمان يعانى بشدة عند بداية كتابته للشعر فقد كان فقيرا ويعمل عاملا لصف الحروف فى مطبعة وقد ساعده ذلك فى صف كلمات قصائده على هامش عمله، ولكن رفضت المطبعة طبعه. فطبعه فى مطبعة أخرى عام 1855 ولكنه استقبل استقبالاسيئا.
وفى الأول من مارس 1882، كتب النائب العام لمقاطعة بوسطن أوليفر ستيفنس إلى الناشر جيمس أوزجود أن أوراق العشب تشكل «أدبا إباحيا». ومدفوعا بجماعة نيوإنجلند لمحاربة الرذيلة، كتب فى رسالته: «نحن نرى أن هذا الكتاب يخضع لأحكام النظام الأساسى العام المتعلق بالأدب الإباحي، ونقترح على المالك سحبه من التوزيع، ومنع طبعه بالتالي». وطالب ستيفنس بحذف قصائد «امرأة تنتظرني»، «إلى عاهرة عادية»، وأيضًا القيام بتغييرات فى «أغنية نفسي»، «من أنهار حبيسة أليمة»، «أغنى الجسد المثير»، «عفوى أنا»، «لحظات حميمة»، «مزاح النسور»، «على شاطئ أونتاريو الأزرق»، «متفتحًا خارج القطعان»، «النائمون»...
وعاش ويتمان فترة بلا عمل حتى توسط له إيمرسون للعمل كموظف فى وزارة الداخلية، لكن لسوء حظه أن مر الوزير يوما فى أروقة الوزارة ومر بمكتب ويتمان فوجد نسخة من أوراق العشب فسأله لمن هذا الكتاب فقال إنه ديوانه، فقال له أنت كتبت هذا؟ فقال: نعم يا سيدى فقرر الوزير طرده من الوزارة فورا وذلك للسمعة السيئة للديوان كعمل إباحى فى مجتمع شديد المحافظة فى ذلك الوقت.
وكان يتم النظر لأوراق العشب بطريقتين، الأولى ينظر إليه شعراء ومنهم إيمرسون على أنه حدث كبير فى الشعر الأمريكى والعالمى
والأخرى وجهة النظر الشعبية العامة التى تراه عملا إباحيا.. ولنا أن نتصور ما يواجه ديوانا يحتفى بالجسد الإنسانى والمساواة الحقيقية بين الرجل والرجل والمرأة والرجل فى مجتمع عنصرى محافظ.
الحلم الامريكى
إلى حين وفاته لم يتم الاعتراف به كشاعر كبير له قيمته فى المشهد الشعرى الأمريكى ولكنه صار رمزا مقدسا للشعر والثقافة الأمريكية إلى الدرجة التى قال فيها أحد كبار الكتاب إنه يمكن الخلاف حول الإنجيل فى امريكا ولا يمكن الخلاف أو التشكيك فى قيمة والت ويتمان فى الشعر العالمى والأمريكي.
وقد كتب الناقد الأدبى الكبير هارولد بلوم فى مقدمته لطبعة «أوراق العشب»، بمناسبة مرور 150 عامًا على صدورها للمرة الأولى: «لو كنتَ أمريكيًّا، فإن والت ويتمان هو أبوك وأمك الخياليان، حتى لو لم تكتب سطرًا شعريًّا واحدًا، مثلي. يمكنك أن ترصد عددًا معقولًا من الأعمال الأدبية المرشحة لأن تكون الكتب المقدسة العلمانية للولايات المتحدة. وقد تتضمن «موبى ديك» لميلفيل، و»مغامرات هَاكلبيرى فِن» لمارك توين، وسلسلتَى مقالات إيمرسون و»سيرة الحياة». لكن لا شيء من هؤلاء، ولا حتى لإيمرسون، بمركزية الطبعة الأولى من أوراق العشب».
وأنا أرى أن ويتمان هو الحلم الأمريكى الحقيقى الذى لم يتحقق والذى لا أجد ضيرا فى الانتساب إليه كيف ذلك ؟
حضور ويتمان المغروس فى الوعى الثقافى الأمريكى يتجاوز شعريته الحداثية؛ فقصائد ويتمان ترسم ملامح الحلم الأمريكى الرفيع فى القرن التاسع عشر: الحرية والمساواة المطلقتان، والتحقق الإنسانى المزدهر، والكرامة الإنسانية للجميع؛ داخل الولايات، وفيما بينها، وخارجها مع الشعوب الأخري.
هو الحلم العصي، الذى أتت التطورات الأمريكية بنقيضه تمامًا، بالداخل والخارج، إلى حد الإبادة؛ ابتداءً بإبادة الهنود الحمر، إلى إبادة الملايين من شعوب آسيا، واختراع سياسة «الأرض المحروقة»، فى كل الصراعات؛ فلم يندثر الحُلم أو يتلاشَى، بل ظل مغروسًا فى عمق الوعى العام الأمريكي.
كأنه حُلمٌ مستحيل. لكنه الحُلم الإنسانى الجدير بالتشبث به، فى جميع الظروف والملابسات.
ربما لهذا، يتمسك المواطن الأميريكى العادى بويتمان (طبعات مختلفة متعددة من «أوراق العشب» تصدر كل عام)، بقدر تمسكه الواعى واللاواعى بذلك الحلم العصِى الكامن فى «أوراق العُشب».
التعليقات والحوار
وعلق الشاعر محمد عيد ابراهيم على تجربة رفعت سلام مثمنا جهوده فى ترجمة الأعمال الشعرية الكبرى، ومؤكدا أن ترجمة الشعر لا يقدر عليها سوى الشعراء، لأنهم أقرب إلى روح النصوص المترجمة ولأنهم يعرفون – أكثر من غيرهم – دقائق اللغة الأجنبية التى يتم ترجمتها ويعرفون دقائق اللغة العربية بسياقاتها المختلفة عن سياق النص الأصلى
وقال إن ترجمة الشعر خيانة لكنها خيانة جميلة. «فمن دون جهد المترجمين هل كان لمعظم المثقفين العرب - وهم للاسف لا يمتلكون لغات أجنبية فى اكثر الأحيان – أن يقرأوا ماركيز أو جوته أو كفافيس أو رامبو أو ويتمان”.
ولا شك أن رفعت سلام قدم للمكتبة العربية ترجمات مهمة لآباء الحداثة الشعرية وآخرهم والت ويتمان، وهو جهد يستحق الشكر والتقدير.”لأنه سد نقصا فى المكتبة العربية بترجماته التى تصدر دون دعم من أحد فالذين ينتجون فى ثقافتنا المصرية يلاقون العنت».
وثمن الشاعر والمترجم أسامة جاد تجربة سلام خاصة مع ترجمة رامبو معبرا عن أنها كانت الأقرب إلى روح الشاعر والأعلى لأنها قدمت كل نتاج رامبو من القصائد المدرسية حتى فصل فى الجحيم.
«وقد أعانتنا ترجمة سلام على إعادة قراءة المصطلحات القديمة القيمة، وخاصة فيما يتعلق بترجمة بودلير ورامبو حول قصيدة النثر.. وأعتقد أن ويتمان إضافة بالغة الأهمية لهذا المشروع الثقافى الكبير».
وتساءل محسن عبد العزيز عن حق المبدع فى إعادة طبع ديوانه الشعرى وإحداث تغيير فيه... وكيف نقرأ النص : هل لا بد أن أتبع تغييرات الكاتب أم أكتفى بطبعة واحدة. وثمن عبد العزيز تجربة سلام فى ترجمة رامبو التى كانت برأيه الأقرب إلى روح ذلك الشاعر الفرنسى المترد الجموح.
وعقب سلام قائلا:
فيما يتعلق بتغيير الكتابة هذا غير جائز – من دون قانون بالطبع – فى عالمنا العربي.بينما التغيير فى الثقافة العربية مشروع حيث يسعى المبدع للكمال ، وكما قلت فإنه يتعامل مع الكتاب أو الديوان باعتباره وثيقة وليست مجرد مجموعة قصائد.
وهناك نمطان من التغيير تعاملت معهما: الأول قام به بودلير فى ديوانيه «أزهار الشر» و»ونسائم باريس»، حيث نجده يعدل فى الطبعتين، لكنه يغير حرفا أو كلمة فقط من دون أن يهدم بنية الديوان.
والنمط الثانى قام به ويتمان وهو الذى لا يغير بالمعنى الحرفي، بل يضيف أو يعيد كتابة الديوان كله. فهو فى طبعة 1805 وهى الطبعة الجذرية أو الأساسية للديوان والمختلفة تماما عن الطبعات الأخرى
فقد أضاف إليها قصائد ، وهو – كما قلت – لا يضع القصائد الجديدة فى آخر الديوان بل فى سياقها الجمالى مع القصائد القديمة.
والطبعة الأولى هى التى تعامل معها الشاعر الكبير سعدى يوسف، فى ترجمته التى صدرت فى نهاية السبعينات ، ثم أصدرناها مؤخرا فى سلسلة المائة كتاب. وهناك ترجمة الدكتور ماهر البطوطى لمختارات أخرى، خارج هذه المجموعة ، حيث قدم مختارات من قصائد الحرب الأهلية.
وتساءلت مها شهبه عن المقولات النقدية التى طالت تجربة ويتمان واتهمته بأن قصيدته بلا شكل، وكيف ينظر إليها سلام عند الإقدام على ترجمته للديوان؟ كما تساءلت عن الثورة التى أحدثها ويتمان فى لغة الشعر الأمريكى وهل هى ثورة لغوية أم فكرية؟.
وأجاب سلام أن الحديث عن لغة ويتمان وأن قصيدته بلا شكل، «هى مقولات لا تستند إلى حقائق .. فالرجل قام بتغيير جذرى فى بنية القصيدة الأمريكية والإنجليزية، وكان ديوانه أوراق العشب نقطة فاصلة فى الشعرية الإنجليزية كلها. فقد نقل لغة الشعر من فخامة وكلاسيكية اللغة المعيارية التى كان الشعر الأمريكى بكتب بها فى القرن الثامن عشر، إلى لغة الشارع المتعددة الأصوات واللهجات. وجعل الشعر حقا للجميع ، لا يحتاج المواطن العادى إلى جهد كبير لقراءته.
فعندما جاء ويتمان كان الشعر يكتب بنمط موسيقى إيقاعى منتظم أقرب إلى روح القصيدة العمودية العربية، ونظم كل هذا بديوان واحد مثلما فعل بودلير فى ديوانيه أزهار الشر ونسائم باريس”.
ويشرح سلام أن ويتمان كتب سفرا حرا بلغة وحشية أقرب إلى روح الشارع مع امتلاكه لرؤية للعالم .. وغير صحيح أن رؤية العالم طغت على شاعريته لأنه كان يرى العالم وطنا للإنسان، وكانت رؤيته للعالم تنطلق من قدسية الإنسان بعيدا عن الاختلاف حول القصائد والأنظمة السياسية
و»الإنسان عند ويتمان هو الإنسان العادى ، ولذلك لا يزال الرجل يمثل حلما للديمقراطية الأمريكية لم يتحقق، ومن هنا تأتى أهميته. فقد ساد منذ نهاية العشرينات من القرن الماضى حلم أمريكى آخر يقوم على الرفاه والاستهلاك والملكية ، وليس على قيم إنسانية يمكن أن تكون قيما عالمية كما دعا إليها ويتمان”.
معايير الاختيار
وتساءلت الشاعرة هدى عمران عن أسرار اختيار رفعت سلام لترجماته، وما هى المعايير التى ينطلق منها فى عملية الترجمة التى ترى أنها اختيارات تجنح نحو الشعر الراديكالى.
فرد سلام :
«أنا اخترت ألا أترجم سوى الشعر فلم أهتم بترجمة الروايات أو كتب الفكر. أنا شاعر مغرم بترجمة الشعر فقط ربما لأنه الناقص فى المكتبة العربية ولأننى أشعر بأن لدى قدرة على التعامل معه. كما أننى أترجم الأصوات الشعرية التى تتسق مع قناعاتى الفكرية والجمالية . أنا مع النص المنفتح وتعدد طرائق الكتابة. وأظن أن تقديم رواد الحداثة الشعرية العالمية منجز مهم يمنحنى قدرا من الرضا”.
فيما طرح أنور عبد اللطيف سؤالا عن النص المتولد من عملية الترجمة وهل هو النص الأصلى أم نص مواز يدين للمترجم وشخصيته؟ وكيف تطغى شعرية المترجم على شعرية الديوان الأصلى .
وقال سلام «»عندما نترجم نصا من الإنجليزية إلى العربية فإننا نقوم بعمل ثقافى يحاول تطويع لغتين مختلفتين وسياقين مختلفين على الالتقاء”، يجيب رفعت سلام، مضيفا أن الترجمة من الإنجليزية مثلا إلى الفرنسية أو الاسبانية أسهل بكثير من الترجمة إلى العربية المختلفة جذريا عن اللغات الأوروبية.
«وعندما أقوم بترجمة نص شعرى فإننى أقدم ميتا ترجمة أو ما فوق الترجمة ، لا بد أن أكون على قدر المسئولية.. بمعنى أننى أنقل بودلير ، فلابد أن يكون بودلير موجودا أو حاضرا فى الترجمة وليس رفعت سلام.
فى الترجمة أنا أعمل عند بودلير وويتمان وبإخلاص أعيش تماما مع النص ومصادره ومراجعه لأعرف كل شيء عن الشاعر وقصيدته وأعرف التفاصيل الدقيقة فى النصوص وحولها.
ففى النص سياقات متعددة وثقافات تظهر وتختفى وظلال (طبعا هذا فى النص الكبير).. ولا يصح أن ينزلق الشاعر على السطح الأملس للنص. وبروز شخصية المترجم على النص إحدى مشكلات الترجمة العربية فهناك من يتصرف فى الترجمة بشكل كبير وهناك من يترجم بلا روح.
المهم أن أستبعد نفسى كشاعر من النص تماما عند الترجمة قدر المستطاع رغم اننى استفيد من كل طاقات رفعت سلام الشاعر وأنا اترجم نص ويتمان. وعندما أترجم الديوان أصبح مؤلفا للترجمة وليس مجرد مترجم لكنى لا أبتعد عن النص الأصلي”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.