الجمهور يهتف ضد «السوق السوداء» وصلاح أبو سيف ينقذ مستقبل عماد الفني بدرخان يمنح عماد فرصة الظهور فى فيلم «عايدة».. والقدر يختار توأمه بدلا منه
أسئلة عديدة دارت فى رأس محمد عماد، كلها تصب فى اتجاه الإحباط، غير أنه لم يستسلم لها، خصوصا أن التمثيل أصبح شغله الشاغل، ولم يكن يتصور أن يقع فى غرامه إلى هذا الحد، حتى إنه قلما جلس خلف مكتبه بين الدفاتر والحسابات، بل كلما علم بتصوير فيلم جديد، حتى لو لم يكن من إنتاج استديو مصر، يحرص على حضور تصويره، ومتابعة مراحله الفنية، حتى قادته الأقدار إلى مصادفة لم يتوقعها، عندما التقى المخرج أحمد بدرخان، الذى كان يستعد لإخراج ثانى أفلام أم كلثوم بعنوان «عايدة» إنتاج «شركة الشرق» بالمشاركة مع «استديو مصر»، فاستجمع محمد شجاعته واقترب منه وفاجأه: * مساء الخير يا أستاذ بدرخان. = أهلا يا محمد ازيك.. أرجو أنك تكون خلصت ميزانية الفيلم. * لا ما تشيلش هم.. خلصة وبعتها شركة الشرق إمبارح. = كده طب عال أوي.. شكلك عايز تقول حاجة.. اتكلم يا محمد. * بصراحة أنا عايز أمثل. = كده.. أخير اقتنعت أن وجهك سينمائي. * أنا مقتنع ونفسي.. بس وجودى فى الحسابات عامللى حرج شديد. = ولا حرج ولا حاجة.. سيب الموضوع ده عليا أنا.. النهاردة بعد الضهر عدى عليا فى المكتب تاخد نسخة من الرواية وتعرف دورك. * وهو كذلك.. أنا مش عارف أقولك إيه؟ = ولا حاجة.. تثبت لى وللكل إنك ممثل شاطر.. وكمان شوفلك اسم يكون خفيف شوية على السمع. * نخليه «عماد عبد الحميد بدل محمد عماد عبد الحميد حمدي. = طب ما نخليه عماد حمدى على طول. * حلو أوى طبعا.. أنا ليا زمايل كتير بيندهونى عماد حمدي. = قوللى أنت سبق قولتلى إنك عندك خبرة بالطب والتمريض.. بحكم عملك فى أبو الريش * ده صحيح.. لأنى فعلا كان نفسى أكون طبيبا. = طب عال.. إدينى هاحققلك الأمنية دى كمان. حصل عماد حمدى على نسخة السيناريو، حيث أسند إليه أحمد بدرخان دور «الدكتور عبد السلام»، ليطير عماد فرحا، سيقف لأول مرة أمام كاميرا السينما، ويشارك فى دور، ولو صغيرا أمام كوكب الشرق أم كلثوم، فضلا عن عدد كبير من الفنانين، منهم سليمان نجيب، عباس فارس، إبراهيم حمودة، عبد الوارث عسر، محمود رضا، وحسن كامل، مارى منيب، نجمة إبراهيم، وسامية فهمي، كتب قصة الفيلم عبد الوارث عسر، سيناريو وحوار فتوح نشاطى وعباس يونس، أغانى أحمد رامي، مونتاج صلاح أبو سيف، مكياج حلمى رفلة. لعبة القدر ظل عماد يحفظ الدور طيلة أسبوع كامل، بالمشاركة مع توأمه عبد الرحمن، يمسك عبد الرحمن نسخة السيناريو، ويسمع الدور لعماد، ثم يؤدى أمامه الحركة، فيثنى عليه، أو يطلب منه الإعادة، حتى أتقن الدور تماما وأصبح توأمه راضيا عنه، غير أنه فى الليلة السابقة على موعد التصوير، حدثت مصادفة، قد لا تحدث إلا فى الأفلام السينمائية، انزلقت قدما عماد فى الحمام، فكسرت ساقه، وتم نقله على الفور إلى المستشفى، ليتم وضع ساقه فى الجبس لمدة ثلاثة أسابيع مع عدم الحركة، لتحول الأقدار بينه وبين أول مشاركة سينمائية له، ليبكى حظه العثر، غير أن المشكلة الأهم ماذا سيفعل أحمد بدرخان غدا فى التصوير، وقد وضع عليه أملا كبيرا، لذا لم يكن أمامه سوى أن يقوم التوأم مجبرا بأداء الدور، الذى يحفظه عن ظهر قلب، بسبب التدريب عليه مع عماد طوال الفترة الماضية، لتشاء الأقدار أن يقف عبد الرحمن حمدى أمام الكاميرا ممثلا لأول مرة، بديلا عن توأمه عماد، دون أن يلاحظ أحد ذلك، حتى اكتشفه أحمد بدرخان أثناء تصوير أحد المشاهد: = أنت مش عماد! - أيوه حضرتك عندك حق.. أنا أخوه التوأم.. بس عرفت إزاي؟ = لأن المشهد ده تحديدا اتكلمت مع عماد عنه كتير.. واتفقنا على كل شيء فيه.. وأداؤك وكلامك حسسنى إنى قدام شخص تانى خالص. - أنا آسف جدا وهاقول لحضرتك على كل حاجة. حكى عبد الرحمن تفاصيل ما حدث لتوأمه.. فقام أحمد بدرخان بزيارة عماد، وطمأنه أنه سيكتب اسمه على الفيلم، وأن أحدا لن يلاحظ شيئا، وهو ما طلبه أيضا توأمه عبد الرحمن، غير أن عماد أصر وبقوة على أن يكتب اسم توأمه على تترات الفيلم.. حتى لا يخدع نفسه أولا قبل أن يخدع الجمهور. لم يندم عماد حمدى على ضياع هذه الفرصة رغم كل الآلام التى يكابدها، من أجل بقائه خلف الكاميرا وحرمانه من تحقيق حلمه بالتمثيل، فإنه لم يتوان فى تحقيق مزيد من النجاح فى عمله فى إدارة التوزيع، وفى الوقت نفسه البحث عن فرصة جديدة، حتى كان ذلك اليوم الذى قرر فيه أن يمر على مكتب صديقه «الريجيسير» قاسم وجدي، الذى يوجد مكتبه فى نفس المبنى الذى توجد به إدارة التوزيع، فى شارع توفيق، بوسط القاهرة، غير أنه ما إن دخل مكتب قاسم، حتى وجده يجلس مع ضيفين لم يسبق له أن رآهما معه من قبل، فهم بالتراجع، ولم ينطق قاسم وجدي، بل بادر أحد الضيفين بالترحيب به ودعوته للدخول: = اتفضل يا أستاذ ادخل. * مساء الخير. = مساء النور. * أنا متأسف خالص.. كنت فاكر الأستاذ وجدى لوحده = ما هو إحنا برضه مش غرب.. اتفضل. - ده الأستاذ محمد الطوخي.. صاحب ستديو الطوخى للتسجيلات.. هنا معانا فى نفس العمارة. * أهلا وسهلا. - أما ده بقى فالأستاذ كامل التلمساني.. مخرج فى ستديو مصر.. يعنى المفروض أنكم زملا. * أهلا وسهلا أستاذ كامل.. أنا آسف اعذرني.. أصل من يوم ما اتنقلت لإدارة التوزيع.. وأنا رجلى خفت أوى من إدارة الاستديو.. قليل لما باروح. = على كل حال دى فرصة سعيدة جدا أنى شوفتك هنا.. وأتمنى ماتباقش المرة الأخيرة. * دى نفس الأمنية يا أستاذ كامل.. أنا فعلا سعيد أنى اتشرفت بمقابلتكم.. وعلى كل حال أكيد لنا لقاءت تانية إن شاء الله.. ودلوقت أسيبكم تكملوا وكلامكم.. هابقى أمر عليك بكره يا قاسم. - وهو كذلك. خرج عماد من مكتب قاسم وجدي، دون أن تترك المقابلة أثرا فى نفسه، سلبا أو إيجابا، غير أنه فى صباح اليوم التالي، فوجئ بهاتف مكتبه يرن، حيث كان الطرف الثانى المخرج كامل التلمساني، الذى تعرف إليه فقط بالأمس، يطلب مقابلته، ويرجوه أن يكون اللقاء اليوم، بل الآن. دهش عماد من تلك المكالمة، من رجل لم تمر على معرفته به أربع وعشرون ساعة، ويلح على لقائه بهذا الشكل، ترى ماذا يريد؟ وهل سيطلب منه مساعدته فى أمر ما داخل استديو مصر؟ فإذا كان الأمر كذلك ما طلبه بهذا الإلحاح، لكن لماذا كل هذه الحيرة؟ سيتضح الأمر خلال الدقائق التالية. البطولة المطلقة لم يستطع عماد أن يخمن ما الذى يريده كامل التلمسانى من هذه المقابلة من رجل لم يره سوى دقائق معدودة لم يكن بينهما سابق معرفة، أو أى مشترك، سوى أنهما يجمعهما استديو مصر، كل فى عمله. فى الموعد الذى حدده معه، كان عماد أمام كامل التلمساني، الذى استقبله بحفاوة كبيرة، غير أنه بعد أقل من دقيقة تركه وانشغل عنه فى أوراق أمامه، حتى تململ محمد ووقف ليستأذن للانصراف، ففاجأه كامل بما لم يتوقعه: = أنا رشحتك تبقى بطل أول أفلامي. سمع عماد الجملة التى قالها كامل التلمساني، وجلس على كرسيه، كمن يسقط من ارتفاع عن الأرض، وقد جحظت عيناه وفغر فاهه: * إيه.. حضرتك قلت إيه؟ = أنا باستعد لإخراج فيلمى اللى اسمه «السوق السوداء» ومن ساعة ماشوفتك إمبارح فى مكتب قاسم وجدى وقلت إنك إنت «حامد». * مين حامد؟ = بطل الفيلم. * بطل الفيلم حتة واحدة؟ = آه حتة واحدة.. وأنا رشحتك تعمل الدور ده.. عندك مانع؟ * مانع؟! مانع إيه؟ إنت ما تعرفش أنا مستنى الفرصة دى من إمتى؟ = للدرجة دى أنت مهتم أنك تمثل؟ * مهتم إيه يا أستاذ.. أنا كل اللى باعمله فى حياتى علشان اللحظة دي = أنا نظرتى ما تخيبش.. أنا من ساعة ماشوفتك قلت لقاسم وجدى إنك ممثل من نوع خاص.. وقلت له إنى شايف حامد قدامي. * أنا مش عارف أقولك إيه.. بس تفضل مشكلة. = عارفها.. ودى لا مشكلة ولا حاجة.. مش لأنك موظف فى استديو مصر. * بالظبط كده. = قوللى بدون خرج.. إنت بتاخد راتب كام من وظيفتك؟ * لا حرج ولا حاجة.. أنا باخد كله على بعضه ستين جنيها: = ياه.. ده انت من الأعيان وأنا ما اعرفش. * هاهاها.. حاجة زى كده. = عموما إدارة استديو هاتعملك مكافأة شاملة ميتين جنيه. على عكس عماد حمدي، ترك كامل التلمسانى «مدرسة الطب البيطري»، ولم يكمل دراسته بها، بسبب شغفه الشديد بالفن بكل أشكاله، فبدأ فى التفرغ التام لصقل هواياته فى الرسم والتصوير بالدراسة، واستطاع أن يدرس كل المذاهب الفنية والأفكار باللغات الإنجليزية والفرنسية إضافة إلى العربية، كما شارك فى إقامة العديد من المعارض الفنية، حققت نجاحات كبيرة، وفى عام 1943 التحق باستديو مصر، ليبدأ مشواره السينمائى بالعمل كمساعد فى الإخراج والمونتاج والإنتاج.. حتى جاءته الفرصة لتقديم نفسه كمخرج فى فيلم من تأليفه، وكتب له الحوار شاعر العامية الكبير بيرم التونسي، الذى لم تكن أحداثه بعيدة عن الواقع الذى يعيشه الشارع المصري، حيث تدور أحداثه خلال أحداث الحرب العالمية الثانية، عبر قصة حب بين «حامد ونجية» اللذين يتفقان على الزواج، غير أن المعلم «أبو محمود» والد نجية يعمل فى تجارة السلع العتائية فى «السوق السوداء» بالمشاركة مع «المعلم سيد» مستغلين ظروف الحرب، للثراء من وراء ذلك، لكن حامد يتصدى لهما، فيقرر والد نجية الانتقام منه، ويصر على زواجها من شريكه «المعلم سيد». بدأ كامل التلمسانى فى البحث عن أبطال فيلمه، غير أنه رفض ترشيح معظم النجوم المعروفين على الساحة السينمائية، وفى الوقت نفسه يريد وجهاً مصرياً مائة فى المائة، لا يريد بطلاً وسيما له بشرة بيضاء أو حمراء، أزرق العينين، شعر ناعم مسدل يتحرك بمجرد أن يهز النجم رأسه، بل يريد ملامح مصرية صميمة، سواء فى البطل أو البطلة، وهو ما لاحظه فى ملامح عماد، بشرة تميل إلى الإسمرار، شعر مجعد، ممشوق القوام، يمكن أن تجد الآلاف ممن يشبهونه فى الشارع المصري، وهو نفس ما يبحث عنه فى البطلة، أن تشبه فتيات «الحارة المصرية» لا فتيات القصور والفيلات، وهو ما وجده متطابقا مع مواصفات الفنانة عقيلة راتب، التى كانت على العكس من عماد حمدي، فلم يكن الفيلم التجربة الأولى لها، فرغم إنها تصغر عماد بأكثر من سبع سنوات، فإنها سبق أن قدمت أكثر من عشرة أفلام، فضلا عن العمل فى العديد من الفرق المسرحية، كما اختار التلمسانى أن يشاركهما فى بطولة الفيلم مجموعة من كبار الممثلين المحترفين، القادرين على تحمل الجانب «التمثيلي» فى الفيلم، لمساندة النجم الجديد تحديدا، فشاركهما زكى رستم، عبد الفتاح القصري، فردوس حسن، محمد توفيق، السيد بدير، محمد كمال المصرى «شرفنطح» ثريا حلمي، وحسن كامل. بداية فاشلة بذل التلمسانى جهدا كبيرا مع عماد حمدى ليؤدى دوره بشكل أقرب إلى الممثلين المحترفين، وما إن انتهى من التصوير، حتى بدأ عماد ينتظر نتيجة تجربته الأولى، فكان أول ما شغله هو انتظار رأى الجمهور فيه كممثل يبدأ أولى خطواته فى السينما، وبدأها ممثلا أول أو نجما، وهو ما يمثل فرحة كبيرة بالنسبة له، غير أنها فرحة ممزوجة بالتوجس، فرحة خائفة متعلقة بأمل مهزوز، وسعادة مرتعشة، وما إن بدأ الصحفيون والنقاد يكتبون عن انتظار الموهبة الجديدة التى يقدمها كامل التلمسانى فى أول أفلامه، حتى بدأ يساوره القلق، وتعذبه الهواجس، فما أقسى حكم النقاد والجمهور، لا يترفقون بكل جديد، ولا يلتمسون أى تبريرات أو تفسيرات أو أعذار. بعد طول انتظار جاءت اللحظة التى ينتظرها الثنائى كامل التلمسانى وعماد حمدي، دون بقية فريق العمل، غير أنه قبل طرحه فى دور العرض، فوجئ التلمسانى بالرقابة توقف إصدار تصريح عرض الفيلم، بحجة أن به عددا من المشاهد تظهر حالات فقر مبالغا فيها، ومشاهد أخرى يدور فيها الحوار حول الفقراء واستغلالهم من رجال الملك والحاشية، ما يسيء إلى الدولة وجلالة الملك، وأجبرت المخرج كامل التلمسانى على حذف عدد كبير من المشاهد، فى أماكن متفرقة من الفيلم، ما أثر بشكل سييء على سياق الأحداث وتسلسلها، فبدا الفيلم مهلهلا، فما إن انتهى عرضه، حتى خرج مئات المتفرجين وتجمعوا أمام «دار سينما استديو مصر»، يهتفون بهمة وحماس، فظن عماد حمدى الذى حرص على حضور العرض بين الجماهير هو وبقية أبطال الفيلم، أنهم يهتفون من فرط إعجابهم بالفيلم، فانشرح صدره، لكن سرعان ما وصلت الهتافات إلى أذنه: = سيما أونطة.. هاتوا فلوسنا. أيقن عماد أن الجمهور ليس راضياً عن الفيلم أو مقتنعاً بما رآه على الشاشة، فكانت الصدمة قاسية على ممثل يخطو أولى خطواته ويصادفه سوء حظ كبير، للدرجة التى تجعل الجمهور يخرج غاضبا بهذا الشكل، حتى إنه قرر الهرب من دار العرض، خوفا من رد فعل الجمهور الذى قد يبادر ويضربه، أو على أقل تقدير، يسبه ويلعنه بشكل مباشر، غير أنه وجد زكى رستم يتقدم ناحية باب الخروج، فقرر الاحتماء به والخروج معه، لأن توزيع الضرب أو الشتائم على اثنين سيخفف عنه قليلا، إلا أنه فوجئ بالجمهور يفسح الطريق للفنان زكى رستم وهو يودعه بعبارات الشكر والتقدير، حبا واحتراما له، ثم التفتوا إلى عماد حمدى لتكون ردود الفعل متباينة: = أعوذ بالله.. ده ممثل ده؟ - ولا يهمك يا أستاذ أنت عملت اللى عليك.. إحنا عايزين نشوف المخرج بس. لم يكن الجمهور وحده الذى أعلن استياءه من كامل التلمساني، بوصفه كاتب القصة والسيناريو والحوار والإخراج أيضا، بل راحت الصحافة المصرية أيضا تصب جام غضبها وسخطها على الفيلم وصناعه، فيما راحت الصحافة الأجنبية تحتفى به، فكتبت صحيفتا «الجورنال دى إيجبت» و»الأجبيسيان جازيت» عن كامل التلمسانى أنه سابق لعصره، وأن الجمهور هو الذى لم يكن على مستوى الفيلم الذى نُفِّذَ بأسلوبٍ سينمائى متطور. فكاتب السيناريو الذى هو فى الأصل فنان تشكيلى لم يهتم كثيراً بالتفاصيل التى يجب أن يفهمها الجمهور وحده. رغم فشل فيلم «السوق السوداء»، فإن عماد حمدى كان أكثر المستفيدين منه. حيث أصبح بين عشية وضحاها ممثلا معروفاً ومشهورا، وكان الانطباع العام هو أنه أدى واجبه كممثل، فأصبح معروفا لدى كل المخرجين الذين بدأوا يرشحونه لأول أفلامهم وتجاربهم السينمائية. الحب الأول تصادف خلال هذه الفترة، انتقال المونتير صلاح أبو سيف من حجرة المونتاج، للموقوف خلف الكاميرا كمخرج، فبعد أن قدم أولى تجاربه فى الفيلم الروائى القصير «نمرة 6» من بطولة نجم الكوميديا إسماعيل ياسين، قرر أبو سيف أن يقدم تجربته الروائية الطويلة، من خلال فيلم «دايما فى قلبي» الذى كتب له السيناريو والحوار السيد بدير، ليختار أبو سيف بطلى فيلم «السوق السوداء» الذى فشل جماهيريا، «عقيلة راتب، وعماد حمدي» ورشح معهما محمود المليجي، وزوز نبيل، ودولت أبيض، لتأتى النتيجة على عكس ما توقع الجميع، وأولهم عماد نفسه، حيث نجح الفيلم نجاحا كبيرا، ليس على المستوى الجماهيرى فحسب، بل أيضا على المستوى النقدي، حيث رحب النقاد بالفيلم، واحتفوا به ودعموه، فعمل ذلك على تثبيت قدمى عماد حمدى كممثل له حضوره، يقف على أرض صلبة. أصبح عماد منهمكاً ومشغولاً ووقته موزعا بين عمله كرئيس حسابات وأدواره السينمائية التى تعرض عليه، ما جعله يشعر بحاجته إلى الاستقرار، خصوصا أنه لم يكن من هؤلاء الذين يبهرهم النجاح، فيفقدون عقولهم واتزانهم ويبددون عواطفهم ويهدرون مشاعرهم فى السهرات والحانات، فقرر أن يكون له بيت خاص به، وزوجة يقدرها وتقدر هى ظروف وطبيعة عمله وتشاركه رحلة الحياة. اعتاد عماد أن يقضى سهراته وأوقات فراغه داخل نقابة الفنانين فى شارع عماد الدين، حيث يلتقى مع زملائه من الفنانين والفنانات يتحدثون طويلاً فى أمورهم الخاصة والعامة، لتقع عينه على تلك الفتاة الجميلة، التى تسبقها شهرتها، حيث بدأت مغنية مونولوج، لكنها انضمت فيما بعد إلى «فرقة الريحاني» لتصبح واحدة من نجماتها، صوتها جميل ومعبِّر تغنى بتفوق أغانى وألحان سيد درويش وزكريا أحمد. اقترب عماد من فتحية، وتكررت لقاءاتهما ليتعرف كل منهما على حياة الآخر الخاصة، فعرف أنها سبق لها الزواج وإنجاب بنت، غير أن زواجها لم يستمر، وأصبحت وحيدة تعيش فقط للغناء والمشاركة بصوتها الجميل فى العروض الغنائية الجديدة، وكان آخر أعمالها الفنية العرض الغنائى «عزيزة ويونس» الذى قُدِّمَ على مسرح الأزبكية واشترك معها فى بطولته يحيى شاهين وحسين رياض، فيما قامت هى بأداء دور «عزيزة» وأدت 16 لحناً غنائياً، وفيما يحتفلان معا بهذا النجاح فى نادى نقابة الممثلين، همس عماد فى أذن فتحية: * عايز أقولك على سر.. بس اوعى تقولى لحد عليه. = عارفاه.. وبصراحة قلت لكل الناس عليه. * كده.. طب إيه هو؟ = أنك بتحبنى. * قديمة. = اخص عليك.. حبنا حاجة قديمة. * لا السر.. لكن حبنا هايفضل طول عمره جديد.. وهايزيد كل يوم عن اللى قبله.. وعلشان اثبتلك أنه زاد.. أنا مستعد نقوم دلوقت على أقرب مأذون ونتجوز = إيه ده حيلك حيلك.. ماتنفعش جوازات السيما دي.. إحنا لازم نستعد ونعمل فرح كبير.. لأنى حاسه إنى أول مرة أحب وأتجوز. تزوج عماد وفتحية شريف فى عام 1946، وبدآ معا حياتهما العائلية هادئة، يقدرها وتقدر هى فنه وعمله، حتى إنها ما إن أنجبت ابنهما الأول «نادر» حتى قررت أن تضحى بفنها واسمها، وتعتزل الفن وهى فى قمة مجدها، من أجل بيتها وزوجها وابنهما الذى أضفى على حياتهما مزيدا من الحب والاستقرار، ليكون زواجه من فتحية فألاً حسنا، حيث بدأت تنهال عليه عقود الأفلام الجديدة، ليلمع اسمه ويصبح «فتى الشاشة الأول» بمواصفات جديدة ومختلفة عن كل النجوم الموجودين على الساحة، فيقدم فيلم «غرام بدوية» مع المخرج فؤاد الجزايرلي، ثم «أزهار وأشواك» مع المخرج محمد عبد الجواد، ليعود بعدها للوقوف أمام عقيلة راتب مجددا فى فيلم «التضحية الكبرى» للمخرج محمد عبد الجود، ثم تعرض عليه خلال العام 1948 أربعة أفلام دفعة واحدة، بدأها بفيلم «ليت الشباب» مع المخرج حسن عبد الوهاب، وتأليف هنرى بركات، الذى قدم بعده معه فيلما من تأليفه وإخراجه بعنوان «الواجب»، ليعود بعد أربع سنوات من فيلم «السوق السوداء» للتعامل مجددا مع المخرج كامل التلمسانى من خلال فيلم «شمشون الجبار» ولا يحقق الفيلم نجاحا أيضا.