البيئة التى نشأ وتربى فيها النجم عماد حمدى. تجعل منه إنساناً مختلفاً عما تصوره عنه المخرج كامل التلمسانى عندما قدمه بطلاً ضمن أبطال فيلمه «السوق السوداء» عام 1944. .. عماد حمدى فى الواقع كان ابن أسرة ميسورة الحال. والده يعمل مهندساً فى السكة الحديد بمرتب كبير. التحق والده بالعمل فى السكة الحديد كمهندس بعد أن نال دبلوم الهندسة من باريس والدة عماد حمدى سيدة فرنسية جمع الحب بينها وبين أبيه وقت دراسته فى فرنسا.. عماد حمدى كان يجيد أكثر من لغة.. الفرنسية تعلمها من والدته، والإنجليزية التى أصر والده على أن يتعلمها لتصوره بأن المستقبل فى ظل الاحتلال البريطانى لمصر يحتاج إلى إجادة الإنجليزية. ..وكان عماد حمدى يجيد اللغة العربية ومتمرساً فى فن الإلقاء الذى تعلمه علىيد الفنان الكبير عبد الوارث عسر وقت أن كان عبد الوارث عسر يعمل مدرباً لفريق التمثيل بمدرسة التوفيقية الثانوية. ..التى كان عماد حمدى تلميذاً فيها.. ..بحسب رأى الناقد الفنى كمال رمزى. المخرج كامل التلمسانى اختار عماد حمدى لفيلمه السوق السوداء عام 44، لأن التلمسانى رأى فى وجه عماد حمدى المعايير التى يحتاجها لبطل الفيلم.كامل التلمسانى كان مخرجاً يسارى التوجه تقدمى الفكر عضوا نشطا فى جماعة «الخبز والحرية» التى كانت تنشر أفكارها فى مجلة تحمل اسم (التطور).. ..كان كامل التلمسانى يحتاج لبطل واضح الشخصية له روح قوية تتطابق ملامحه مع ملامح الرجال العاديين فى شوارع وحوارى مصر. ..هكذا أصبح عماد حمدى الموظف المغمور وقتها فى استديو مصر (المملوك للاقتصادى المصرى الكبير طلعت حرب) نجماً سينمائيا.. فيلم السوق السوداء كان ينتقد الفئة التى جنت ثروات من قوت الشعب وقت أزمة الثلاثينيات الاقتصادية العالمية. ويتكلم عن مجموعة من تجار احتكروا سلعاً ضرورية فى حياة الناس وصنعوا لها سوقاً سوداء. ..كان الجمهور الذى يملك ثمن تذكرة دخول السينما لمشاهدة الفيلم هم هؤلاء (أهل هذه الطبقة). وهكذا وقبل أن تظهر كلمة النهاية على الشاشة اندلع الهرج والمرج فى دور السينما المعروض فيها الفيلم فى وجود مخرجه وأبطاله.. حطم الجمهور مقاعد السينما كلها تقريبا وهرب المخرج (كامل التلمسانى) وأبطال الفيلم من الموت بأعجوبة!!! ... سقط فيلم السوق السوداء فى شباك التذاكر سقوطا مروعاً. (الفيلم يعده الآن نقاد السينما ومدرسوها من أحسن أفلام السينما المصرية)! ..المخرج كمال الشيخ فى مناقشة عن السبب المذكور لسقوط الفيلم قال إن اسم الفيلم كان عاملا موثراً وعماد حمدى وكونه ممثلاً غير معروف كان له دور أيضاً.. ..عماد حمدى (الشاب المندمج فى نسيج الحارة والذائب فى كل تفاصيل حياة أهلها) تفصله عن عماد حمدى (الحقيقى) مسافة كبيرة... لم يكن عماد مخالطاً لأبناء الأحياء الشعبية فى وقت من أوقات طفولته أو صباه.. وضع أسرته الطبقى (أسرة ميسورة عائلها، فى وضع مرموق، سيدتها فرنسية تنتمى لحضارة وثقافة أرقى وقتها). كان قد فرض ذلك على عماد حمدى عزلة حالت دون مخالطته لأهل هذه الأحياء والأهم أن الريف وأهله من الفلاحين كانوا مفردا غائبا تماماً عن إدراك وتجارب عماد حمدى. ... والد عماد حمدى كان يحمل لقب (بك) وفىحياته كان ينتقل من فيلا إلى فيلا .. العوز والاحتياج للقوت أو للمال لم يعرفه ابداً. ..ميول عماد حمدى للعمل ممثلاً كانت واضحة من زمن مبكر فى حياته.. ظروفه الميسورة جعلته منفتحاً على الثقافة والفن وفريق التمثيل فى مدرسة التوفيقية الثانوية والتلمذة على يد الفنان الكبير عبد الوارث عسر كانوا المفتاح. والذى أكمل الدفع ب ميول عماد حمدى إلى احتراف الفن.. متابعته فى صباه لعروض فرق مسرحية منها جورج أبيض ورمسيس وفاطمة رشدى. ...عماد عندما اختاره التلمسانى لبطولة فيلم السوق السوداء كان عمره (35) سنة. وهو عمر كان يتجاوز الشباب فى ذلك الزمن. لكن عماد نجح فيما بعد فى أن يكون فتى أول.. حلم أى شاب أن يكون هو وأى فتاة أن يكون لها محبوب مثل عماد حمدى.