جذبته نداهة الفن رغما عنه، فترك الصيدلة التى تخرج فيها، والتى منحته لقب «دكتور» الذى يسعى إليه الكثيرون، وقرر البدء من الصفر، أو من تحت الصفر لنكون أكثر إنصافا، فقد عمل مساعد مخرج لفترة تجاوزت العشر سنوات، وهى تجربة قاسية جدا، وطويلة، حتى إنه قرر التوقف عن ممارسة المهنة، ولكن جاءته الفرصة من جديد، وفتحت له السينما أبوابها، فقدم أول أعماله الروائية الطويلة وهو فيلم «يا دنيا يا غرامي» مع نجمات السينما «ليلى علوى، إلهام شاهين، وهالة صدقي»، «كاست» لم يحدث مع مخرج لأول مرة، وهو ما يعنى أنه محظوظ، كما أنه يتعامل مع الفن بمزاج مبدع، وليس بعقلية موظف، فقدم «البطل، أسرار البنات، خلطة فوزية، وعصافير النيل»، فكان بحق أحد صقور السينما المحلقين فى سمائها متصيدا الأعمال المتميزة.. إنه المخرج مجدى أحمد علي. بدأ حديثه معنا عن الأسباب التى دفعته لدراسة الصيدلة قبل الالتحاق بمعهد السينما فقال: كان صعبا جدا أن أتقدم للمعهد بعد الدراسة الثانوية حتى لا أسبب الإحباط لأسرتى، فأنا أكبر إخواتى، وكنت متفوق دراسيا، وبالتالى فأنا بالنسبة للأسرة كلها السبيل للانتهاء من رحلة المعاناة التى عشتها بعد وفاة والدى، وكان حلم الأسرة أن ألتحق بإحدى كليات القمة من وجهة نظرهم وهى كليات الطب أو الهندسة أو الصيدلة، وبالفعل وتحقيقا لرغبتهم التحقت فى البداية بكلية الهندسة، ثم قمت بالتحويل إلى كلية الصيدلة بعد ذلك تحقيقا لرغبة أمى، ومن ناحية أخرى أنتهى من دراسة الصيدلة سريعا، حتى أتوجه لتحقيق حلمى فى مجال الفن، وهو ما كان. • متى كانت البداية فى عالم الإخراج السينمائي؟ - البداية تأخرت بعض الشيء حيث مرضت أمى، وهو الأمر الذى اضطرنى إلى السفر للخارج، فسافرت إلى السعودية لمدة عامين، وعملت هناك بمهنة التدريس «حاجة كده لا صيدلة ولا فن»، وبعد العودة من السعودية بدأت العمل مساعد مخرج، وعملت مع محمد خان، وخيرى بشارة، ويوسف شاهين. • من المخرج الذى يعتبره مجدى أحمد على الأستاذ بالنسبة له؟ - يوسف شاهين وذلك لأنه لديه ملكة تعليم الشباب، واستفدت من الآخرين وتعلمت منهم، كما أنى أحبهم جميعا، وأحترمهم، وأهم درس تعلمته منهم جميعا أن أخرج من التجربة دون أن أكون شبيها لأحد. • ما هى التجربة التى كنت تتمنى أن تطول مدة تصويرها؟ - الحقيقة كان نفسى الأفلام كلها تنتهى سريعا، لأن تجربة «مساعد المخرج» تجربة قاسية جدا، لدرجة أننى قررت فى بعض الأوقات أن أتوقف، فمساعد المخرج يحمل هموما كثيرة جدا، وفى ذات الوقت لا يصنع فنا، بالعكس هو يقمع الجزء الفنى الموجود بداخله لصالح رؤية المخرج، وهذا القمع لو استمر بشكل متواصل يصبح تأثيره سلبيا وبالتالى لن يكون مفيدا. • ما حكاية أول فيلم قمت بإخراجه؟ - أول فيلم روائى طويل ده كان حكاية، ولكنى أعتبر الأفلام التسجيلية المهمة جدا لأى مخرج، حيث بدأت بإخراج أربعة أفلام تسجيلية مع المركز القومى للسينما، وبعد ذلك قمت بكتابة سيناريو فيلم «ضحك ولعب وجد وحب»، وهذا يعتبر أول عمل لى فى عالم الاحتراف فى الأعمال الروائية الطويلة، وقام بإخراجه «طارق التلمساني» وعملت معه فى هذا الفيلم «مساعد مخرج»، وكان آخر فيلم أعمل فيه مساعد إخراج وذلك من أجل «التلمساني»، ثم فتح لى الحظ أبوابه من خلال العمل مع المنتج والمخرج «رأفت الميهي» فى فيلم من إنتاجه، والتأليف والسيناريو ل«محمد حلمى هلال»، هو فيلم «يا دنيا يا غرامي»، وهو أول عمل روائى طويل قمت بإخراجه للسينما، ويعتبر هذا الفيلم الوحيد الذى أنتجه «الميهي» لغيره. • لماذا رصيد مجدى أحمد على السينمائى قليل؟ - طبعا خمسة أفلام رصيد قليل، وأنا بالتأكيد «زعلان»، لكن حظى كان سيئا، فالأزمة العالمية أثرت على السوق المصرية، وبالتالى أثرت على مستوى الإنتاج، بالإضافة إلى ظهور «الديجتال»، وهو الأمر الذى سهل دخول عناصر جديدة لعالم الفن والإخراج السينمائى، حتى لو كانت غير مؤهلة، لكن المهم يكون لديها دائرة علاقات واسعة، هذا إلى جانب رغبة المنتجين فى عدم المخاطرة مع مخرج ذى تاريخ وأجر مرتفع، وبالتالى لن يستجيب لرغبات المنتج، هذه أسباب قلة الأعمال. • لماذا لا نرى لك «شلة» فنية؟ - أعتقد أنا لى «شلة»، لكنها «شلة» أصدقاء حقيقيين، ليسوا أصدقاء عمل، وأنا سعيد بهم جدا، وهذه «الشلة» حققت لى الاكتفاء، كما أن مستوى الشللية الآن سيئ، فهى لم تعد «الشلة» المنتجة، أو حتى شلة الاقتراب الفكرى، ولكنها أصبحت «شلة المهيصة»، ولذا لم أحاول أنا أكون هذه الشلة النفعية، كما أنى كنت أطلق على نفسى اسم الموظف، بمجرد أن أنتهى من التصوير أذهب إلى المنزل مثل أى موظف، وعلاقاتى الحقيقية بالوسط قليلة جدا، وأنا أرى أن هذا أفضل من «الرطرطه» فى كل مكان. • ما تعليقك على الأفلام التى نشاهدها فى السينما حاليا؟ - تعبر عن فترة عدم الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى، ودائما الفترات التى تعقب الثورات يكون مستوى الفن فيها غير جيد، نظرا لعدم الاستقرار النفسى لدى الجماهير، وأعتقد أن هذه الحالة ستستمر لفترة مقبلة، وبالتأكيد سترجع الأمور لمجراها الطبيعى بمجرد أن يستقر الوطن، وذلك لأن الشعوب مثل المبدعين لهم «مزاج». • متى سنرى السينما التى لا تخجل الأسرة من مشاهدتها؟ - أرجو أن يعود حال السينما كما كان، فأنا حتى الآن لا أرى أى بوادر من ناحية الدولة لإصلاح السينما، لكنى أرى رغبة حقيقية من ناحية الشباب فقط فى تقديم سينما مستقلة، وإن كانت كلمة مستقلة هذه لم تتضح بشكل قوى، كما أرجو أن تستقل السينما عن الممول الأجنبى، لأنه إلى الآن والسينما المستقلة هذه تعتمد بشكل رئيسى على تمويل غربى، والغرب يصنع فقط الأفلام التى يستريح لها، لكن الاستقلال الحقيقى الذى أقصده هو أن نصنع فيلما مصريا معتمدا على تمويل ذاتى، وعلى ردود أفعال الجمهور المصرى، وليس من الارتماء فى حضن الغرب. • أفلامك كانت تعبر عن حال الطبقة الوسطى، كيف ترى هذه الطبقة الآن وبعد ثورتين؟ - الطبقة الوسطى كانت قد أوشكت على أن تنتهى قبل الثورة، حيث كان هناك انهيار كامل للذوق، وظرف اقتصادى صعب أثر جدا على وجود هذه الطبقة، فأصبحت طبقة دنيا أو ما دون الدنيا، ولذا أرجو الآن بعد ثورتين أن ترجع هذه الطبقة مرة أخرى وتتماسك، لأنها «رمانة ميزان» هذا الوطن، وهى القادرة على صنع تقدم أى مجتمع، وأعتقد أنها بدأت تعود من جديد. • هل الفن يعبر عنها حاليا؟ - لا، الفن حاليا أو السينما بالتحديد تعبر عن الجمهور الذى يشاهدها، وحاليا جمهور الطبقة الوسطى غير موجود، فلا توجد سينمات محترمة، ولا سينمات حى، ولا يوجد دعم من الدولة لإنتاج أفلام تراها الأسرة التى تتنوع الأذواق فيها، وصناع السينما حاليا يقدمون أفلاما لجمهور خاص، هو الجمهور الذى يخاطر ويذهب للسينما أثناء حظر التجوال، وفى ظل الظروف الأمنية السيئة، وهذا أغلبه من طبقات شعبية، للأسف هذه الطبقات تستهلك نوعا من الثقافة ليست ثقافة الطبقة الوسطى، ولذا علينا أن نبدأ فى عمل سينما لكل الطبقات، وفى ذات الوقت تقدم أفلاما حقيقية، كما ينبغى أن تعود الدولة وتتبنى مفهوم الصناعة الحقيقى، وأن تصبح السينمات موجودة فى كل مكان. • لماذا لا توجد سينمات متنقلة تذهب إلى الأقاليم؟ - لم يأت وزير للثقافة حتى الآن لديه خيال، فيما عدا الدكتور «شاكر عبدالحميد»، والدكتور «عماد أبوغازي» ولذا لم يستمرا فى مناصبهما طويلا، وكل الوزراء الآخرين فقراء جدا فى الخيال، والمنصب بالنسبة لهم وجاهة اجتماعية فقط، دون أى رغبة حقيقية فى التجديد، والوزير الحالى يكفيه أنه «لف» على جميع مناصب وزارة الثقافة دون أى ابتكار حقيقى، لكن «مبيعملش حاجة ومش هيعمل حاجة»، فهو رجل تجاوز سن الخيال وسن الحركة، و«بيدور» الوزارة بشكل وظيفى جدا، وحريص على استمرار علاقته التى هى أقرب «للتواطؤ» مع النظام، لم يطلب منه أحد أن يكون ضد النظام، لكن ينبغى أن يكون لديه خيال للتعامل مع الشباب، ومع الأجيال الجديدة ومع الأفكار الجديدة، لذا نحن فى حاجة إلى ثورة ثقافية قبل الثورة الاجتماعية. • تجربة «البطل» مهمة جدا ولكنها لم تحصل على حقها الطبيعى، لماذا؟ - عملت فيلم «البطل» بروح طيبة، وبذلت فيه جهدا بصريا وذهنيا كبيرا جدا، وغامرت بوجوه جديدة، لكن مشكلة الفيلم تمثلت فى أن «أحمد زكي» لم يكن متحمسا للفيلم بشكل كافٍ «ماكنش حاسس إنه ممكن يبقى ملاكم»، هذا إلى جانب أن وقت عرض الفيلم لم يكن مناسبا حيث تأخر عرضه كثيرا. • ما هو الجديد لديك؟ - لدى موضوعان للسينما هما «الدنيا أجمل من الجنة»، وكان هناك كلام على فيلم «مولانا» عن رواية للكاتب الصحفى «إبراهيم عيسي»، أحاول أن أحرك حاجة منها. • إلى أين وصلت مشكلة مسلسل «مداح القمر» مع مدينة الإنتاج الإعلامى الآن؟ - العمل متوقف حتى الآن، ورئيس المدينة الحالى رجل سمعته كويسه، لكنه دخل «عش دبابير»، ولازم العش ده يتفور عشان يقدر يشتغل، ولو «مأخدش باله من كده مش هيعمل حاجة»، وهو بالتأكيد لديه علم بالقضية، لكن أنا «معنديش» استعداد أدخل مرحلة استجداء لمدينة الإنتاج تانى، لو هو أدرك قيمة «مداح القمر» وكلمنا سنذهب إليه، لكن حتى الآن أنا لم أر أى ملامح أو رغبة فى التغيير، ومدينة الإنتاج مسيطر عليها عصابات والهيكل الوظيفى للمدينة لم يتغير. • باعتبارك أحد المثقفين الذين شاركوا فى ثورتى 25 و30 ما تعليقك على اشتغال المثقفين بالسياسة؟ - الحقيقة أن اشتغال المثقفين بالسياسة أضر الفن والثقافة معا، ولكن هذا يكفى، نعم الوطن كان فى خطر، ونحن لنا الحق فى التفرغ لإنقاذه، لكن أرى أن الوطن الآن أصبح فى مرحلة أكثر استقرارا وتعافيا، وعلينا الآن العمل كى نصل بالثورة إلى بر الأمان، وتحقق مبادئها الحقيقية. • ألم تفكر فى صناعة فيلم روائى أو تسجيلى لتوعية الشباب؟ - لا.. أستغفر الله العظيم أنا ممكن أكتب أفلاما وأعرضها على من يتحمس لإنتاجها، لكنى لن أشارك فى صنعها فنيا، حيث أرى أن الفنان الحقيقى هو المتواصل مع جمهوره، وهو الذى يستمد تمويله من هذا الجمهور، ليس الفنان من يصنع فيلما كى يراه خمسة أو ستة من أصحابه، و«يلف» به بعد ذلك على المهرجانات، ويرضى الجهة الممولة، وأنا معنديش استعداد أدخل فى الأجواء دى. • ماذا عن حياتك الأسرية؟ - لدى ثلاثة أولاد «أحمد» ممثل ومخرج سينما، هو حاصل على ليسانس حقوق لكنه فضل العمل السينمائى، و«دينا» خريجة «بايو تكنولوجي»، و«رشا» خريجة الأكاديمية البحرية، فاجأتنى أنها «تغني»، وأنا شديد السعادة بهم، لأنى تمكنت من تربيتهم فى بيئة صالحة، وبشكل ديمقراطى.•