ولد وتوأمه فى سوهاج وانتقل مع والده للعيش بفيلا فى شبرا بشارع على بك النجار سلطان جزر المالديف فى نهاية القرن ال 19 كان زوج خالته
ربما في وقت متأخر، بدأ جمهور الفنان الكبير عماد حمدي، يلاحظ ذلك الشبه الكبير بينه وبين توأمه الدبلوماسي عبد الرحمن، منذ أن أحيل الأخير إلى التقاعد، وعاد ليستقر في مصر، بعد جولاته المكوكية في العديد من دول العالم، التي تنقل بينها نظرا لطبيعة عمله في مجال السلك الدبلوماسي، وزيرا مفوضا، فظل يتنقل من الاتحاد السوفيتي إلى تشيكوسلوفاكيا، ومن الهند إلى دول عديدة في أوروبا، حتى استقرت به الحال في مصر بعد التقاعد، وبظهوره كثيرا مع شقيقه الفنان الكبير، بدأ الجمهور يلاحظ ذلك الشبه العجيب الذي يصل إلى حد التطابق، ليس فقط في الملامح الخارجية، والهيئة، والبدايات الفنية، والمدهش أن ذلك التشابه كان في طريقة التفكير، والتصرفات، بل الأكثر دهشة كان في عدم الاستقرار في الحياة الزوجية، لذا ربما لم يكن هناك من يمكن أن يطبق عليه المثل الشعبي الدارج بحق:»فولة واتقسمت نصين» وتطبيقه عليهما بصورة لا تقبل الجدل. إذا كان ذلك لم يكن ذلك خافيا على كل من حولهما، فمن المؤكد أنه لم يكن خافيا عليهما، فكل منهما يعرف أنه الجزء المتمم، وليس المكمل للآخر، بمعنى أنه لم يكن كل منهما يكمل نقصا في الآخر، بل إن كلا منهما يشعر بأنه متمم للآخر، إذا سعد أحدهما، يسعد الآخر، وإذا حزن الأول يحزن الثاني، كل منهما جزء أصيل من الآخر، فهما باختصار وجهان بملامح واحدة، وعقلان بتفكير واحد، وجسدان بإحساس واحد. حنين وألم ما إن تقدم العمر بالفنان عماد حمدي، فتى الشاشة الأول وربما الأخير، حيث اختلفت بعده معايير من أطلقت عليه شركات الإنتاج ثم الصحفيون لقب «فتى الشاشة الأول»، لتنحسر عنه الأضواء، في ظل سيطرة أفلام يطلق عليها مجازا لفظ «سينما» وليس فيها من الصناعة سوى الاسم، فضلا عن التجارب الفنية والإنسانية المريرة التي مر بها، جعلته ينأى بنفسه عن هذه الأجواء الغريبة، في الوقت الذي تقاعد فيه توأمه عبد الرحمن من عمله، فأصبحا لا يفترقان، فإما أن يكون عماد في بيت عبد الرحمن، أو العكس، غير أنه منذ أن مرض قلب عماد، أصبح عبد الرحمن هو من يقوم بزيارة عماد، الأخ الأصغر بما يقرب من خمس وعشرين دقيقة، بشكل دائم ويومي، يقضي معه أغلب اليوم، يتحدثان يجتران ذكرياتهما منذ الطفولة، ثم في نهاية اليوم يلعبان الورق، ويتنافسان بشدة، ليكون الأمر المدهش في نهاية اللعب، أن من يفز منهما على الآخر، يشعر بأنه الخاسر، ثم يعود عبد الرحمن إلى بيته في آخر الليل. في يوم «شم النسيم» من العام 1983، قضيا اليوم معا، وبعد أن قاما بكل طقوسهما اليومية جلسا يلعبان الورق كعادة نهاية اليوم، ألقى عماد بورقة، ثم ضحك كثيرا لأنه أفسد بها ما كان يخطط له عبد الرحمن، فإذ بعبد الرحمن يمسك ورقة في يده ويتردد في إلقائها وينظر إلى عماد، فيضحك عماد ساخرا: * ارميها ارميها.. أنت مكسوف.. هي كده كده العشرة راحت يا حبيبي. = أنا تعبان أوي يا عماد. * إيه مالك يا عبده.. حاسس بإيه؟ = مش قادر آخد نفسي.. حاسس إني بتنفس بصعوبة أوي. * فجأة كده حسيت دلوقت؟ = لا من بدري.. وعمال أقاوم لكن خلاص مش قادر. * قوم.. قوم بسرعة البس هدومك. = على فين؟ * نروح للدكتور محمد عوض في معهد القلب. = أيوه بس النهاردة شم النسيم.. تفتكر ممكن يبقى موجود؟ * آه صحيح.. ده كان بيقول إنه مسافر يقضي شم النسيم في إسكندرية.. بس مش مهم.. إحنا نروح المعهد دلوقت وبكره نبقى نعدى عليه في العيادة أخذ عماد توأمه على الفور إلى معهد القلب في إمبابة، وهو يتضرع إلى الله ألا يصيب قلب شقيقه مكروه، فقد ظن أن الدور حان على عبد الرحمن، فقد اعتاد أن يشعر كل منهما بآلام الآخر، ومنذ أن مرض قلب عماد، وهو يخشى أن تأتي تلك اللحظة التي يشكو فيها عبد الرحمن أيضا من متاعب القلب. في استقبال معهد القلب قام الأطباء بفحص عبد الرحمن، وعمل رسم قلب، فجاءت النتيجة غير متوقعة، حيث أكد الأطباء أن قلبه سليم تماما، وليس هناك ما يدعو إلى القلق أو التوتر، وأن كل ما هنالك هو ارتفاع طفيف في ضغط الدم، وداعب الطبيب المعالج عماد حمدي، باعتباره مريض قلب قديما، يتردد على المعهد كثيرا، قائلا: - اطمن يا أستاذ عماد.. قلب الأستاذ عبد الرحمن سليم وزي البمب.. هو بس يظهر إنه زودها شوية في الفسيخ والرنجة. * أبدا والله يا دكتور.. ده مقاطع الحاجات دي علشان خاطري.. لأنه عارف إني ممنوع منها. = ده أكيد.. والمفروض إن أنت اللي تخللي بالك من نفسك يا أستاذ عماد.. لونك مخطوف أوي وشكلك مش عاجبني.. اطمن أخوك زي الفل ما تقلقش. اطمأن الشقيقان إلى كلام الطبيب، غير أن اطمئنان عماد لم يكن كافيا، فقام بتوصيل شقيقه إلى بيته وهو يؤكد عليه ضرورة أن يزورا الدكتور محمد عوض، الطبيب المعالج الخاص، مساء اليوم التالي، حتى يفحصه ويطمئنا تماما. ترك عماد شقيقه ليستريح وعاد إلى بيته، غير أنه ما إن فتح باب الشقة حتى سمع صوت الهاتف يرن دون انقطاع، فجرى نحوه وأمسك بسماعة الهاتف، وإذ بصوت يقول له: = تعالى بسرعة وهات معاك أنبوبة أكسجين.. أخوك تعبان أوي يا أستاذ عماد. عاد عماد إلى بيت شقيقه مسرعا، وقد أخذ معه أنبوبة أكسجين للتنفس الصناعي، غير أنه ما إن دخل من باب شقة شقيقه، حتى وجد عددا من الجيران يجلسون في الاستقبال، بعد أن هموا لنجدة شقيقه، فيما يقوم طبيبان بفحص شقيقه في غرفة النوم. وجدهما يقومان بتدليك عضلة القلب، وما إن شاهدا عماد حتى طلبا منه أن يقترب وينفخ في فم شقيقه، فهرع إليه ووضع فمه على فم عبد الرحمن، وراح ينفخ بكل قوة، لكن يبدو أنها كانت قبلة الوداع، التي منحها الشقيق لتوأمه، فلم تفلح كل محاولات الأطباء أو قبلة الوداع في الإبقاء على حياة عبد الرحمن، الذي فاضت روحه إلى بارئها، ليرحل صاحب القلب السليم، فيما حاول صاحب القلب المريض إنقاذه! بداية الفيلم انتهى عماد حمدي من مراسم دفن شقيقه التوأم، وتلقى العزاء، ليعود إلى بيته، يقضي بقية الليل بمفرده، لأول مرة منذ سنوات طويلة، لم يصدق ما حدث بهذه السرعة، شعر بأنه يجلس في انتظار دوره، فقد تعود أن يتقاسم أفراحه وأحزانه مع توأمه، وها هو قد رحل، فمن المؤكد أنه سيلحق به. جلس عماد حمدي، وفجأة وجد ذاكرته تستحضر أحداث حياته بأكملها، منذ الطفولة والصبا والشباب، وصولا إلى الكهولة، وما مر به طيلة حياته من لحظات القوة والضعف، أيام الثراء والبؤس، ليالي السهر والصحبة، ليمر أمام عينيه أطول فيلم سينمائي شاهده في حياته، تقاسم فيه البطولة مع توأمه الراحل عبد الرحمن. سوهاج تشهد مولده جاءت البداية من جنوب مصر، وتحديدا في مدينة سوهاج، التي انتقل إليها أخيرا المهندس عبد الحميد حمدي وأسرته، في مطلع القرن العشرين، بحكم عمله في «سكك حديد مصر»، لم يكن هناك ما يثيره في أيامه في تلك المدينة الهادئة، سوى الاستماع إلى أسطوانات كبار المنشدين والمطربين، أمثال عبده الحامولي وداود حسني، وعبد الحي حلمي، والشيخ سلامة حجازي، إضافة إلى الموسيقي والمطرب الشاب سيد درويش، حتى كانت الليلة الخامسة والعشرون من شهر نوفمبر للعام 1909، عندما هاجمت زوجته آلام المخاض، التي أوشكت على الإنجاب للمرة الثانية، وبرغم حرصه على صحة زوجته وقلقه وتوتره، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يمني نفسه بوصول ابنه الثاني، ولم يهدأ إلا عندما سمع صوته يملأ سكون المنزل بكاء، لتخرج الممرضة وتزف له البشرى التي ينتظرها بأنه أصبح أبا لذكر، فطار من فرط السعادة، غير أن سعادته تخطت كل الحدود بالمفاجأة المدهشة، بعد مرور ما يقرب من خمس وعشرين دقيقة، عندما علم بوصول ذكر آخر له، فلم يكن يحلم أن يصبح أبا لتوأمين، ليصبح لديه ثلاثة ذكور. مع نسمات الفجر الباردة، وبعد أن عاد الهدوء إلى البيت الذي امتلأ ضجيجا وتوترا، دخل الأب ليهنئ زوجته بقدوم ولديهما، ويسألها عما يمكن أن يطلقا عليهما: = الله يسلمك.. ويخليك لينا.. ويتربوا في عزك. - قوليلي بقى يا ستي.. ها تسميهم إيه؟ = هو مين اللي نزل الأول؟ - الممرضة قالتلي الواد السمين شوية ده.. اللي باين عليه كان بياكل أكل أخوه. = الله أكبر.. ما يحسد المال إلا صحابه. - على رأيك.. مع إنهم سبحان الله فولة واتقسمت نصين.. بس كويس علشان نقدر نعرفهم من بعض. = خلاص نسمى اللى كل أكل أخوه ده.. عبد الرحمن. - حلو أوي.. طب والتاني؟ = سميه أنت بقى. - أقولك.. نسميه محمد عماد الدين. لم تعترض الأم، بل غطت وجهها ابتسامة راضية، وأدركت أن زوجها قد اختار للمولود اسم زوج شقيقتها «محمد عماد الدين إسكندر» سلطان جزر المالديف، وهو مسلم من أصل هندي، الذي عزله الإنجليز، وقاموا بنفيه إلى مصر، بعد أن ظل سلطانا على المالديف لما يزيد على ثمانية وأربعين عاما، في الفترة من 1835، إلى 1882، لتكون فترة حكمه هي الأطول في المالديف، ليستقر في مصر، ويغادرها بعد عدة شهور من الاستقرار بها، ليحمل المولود الثاني اسم «سلطان المالديف» الراحل، ذلك الرجل النادر في كل شيء، من أدب وتواضع، وحب للناس والخير، وهو ما كان سببا لاضطهاد الإنجليز له، فلعل هذا الابن يكون له نصيب من حظه في كل شيء. تفاءل المهندس عبد الحميد حمدي بوصول طفليه التوأمين، وتأكد من ذلك بعد مرور عدة أيام، عندما صدر قرار بترقيته ونقله إلى القاهرة، لتحزم الأسرة أمتعتها وتنتقل إلى القاهرة، لتستقر في بيتها الجديد، وهو عبارة عن «فيلا» صغيرة تحيط بها حديقة كبيرة، في شارع «على بك النجار» في حي شبرا الأشهر، على بعد خطوات من «محطة سكك حديد مصر». كعادة معظم الآباء والأمهات الذين يخشون على أولادهم من الحسد، خصوصا إذا ما كان المولود ذكرا، فكيف يمكن أن يكون الحال، وهم ثلاثة ذكور، بينهم توأمان متماثلان لهما طلة تلفت الأنظار؟ حرصت الأم على ألا يرى ولديها أي من الجيران أو المحيطين بهم، لتكون حديقة المنزل، هي حدودهما القصوى، وغير مسموح لهما بتخطيها، كما قامت بحياكة ملابس «بناتي» لهما، وتركت شعرهما مسدلا فوق كتفيهما، حتى يظن من يشاهدهما أنهما بنتان، ظنا بأن العين تحسد الذكور ولا تحسد الإناث، حتى اقتنع الجيران والمحيطون بهم بأنهما بنتان بالفعل، غير أن الأب اضطر للكشف عن هويتهما، عندما قرر تعليمهما، فكانت البداية من خلال «حضانة مدام شكور». حيث اقتصر عدد المدارس التابعة للحكومة المصرية آنذاك في العام 1914، على 68 مدرسة فقط، ما بين ابتدائي وثانوي، بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى أن الاحتلال الإنجليزي لم يشجع على زيادة عدد المدارس، ما انعكس بشكل سلبي على التعليم خلال هذه الفترة، لتزداد الأمور تدهورا بعد نشوب «الحرب العظمى» – الحرب العالمية الأولى – في 28 يوليو 1914، عندما أصر الخديو عباس حلمي على السفر إلى مصيفه المعتاد في «الآستانة» ما أثار غضب الدولة البريطانية، خصوصا أن الدولة العثمانية، إحدى دول المركز ضدها في الحرب مع «الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية، ومملكة بلغاريا»، فأصدروا قرارا بعزله، وإعلان الحماية البريطانية على مصر، معبرين بذلك عن نواياهم الاستعمارية الحقيقية، لتخرج جريدة «الأهرام» صباح السبت 19 ديسمبر 1914، وقد نشرت خبرا في صدر صفحتها الأولى تحت عنوان: «التغيير العظيم في مركز القطر المصرى» أصدرت الوقائع المصرية الملحق الآتي وهو بنصه إعلان: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى، أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمي باشا، خديو مصر السابق، على الانضمام لأعداء الملك، قد رأت حكومة جلالته خلعه عن منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامي مع لقب «سلطان مصر» على سمو الأمير حسين كامل باشا، أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد علي، فقبله». اهتم الوالدان بضرورة تعليم التوأم لغات أجنبية إلى جانب العربية، فالوالدة تريد تعليمهما الفرنسية التي تجيدها بطلاقة، باعتبارها خريجة مدارس «المير دي ديه» فضلا عن أن أمها كانت فرنسية، في الوقت الذي يريدهما الوالد أن يتقنا الإنجليزية، التي يجيدها بحكم دراسته أيضا، وكما فعل مع شقيقهما الأكبر، فاستقرا على أن يتما تعليم الإنجليزية في المدرسة، على أن تتولى الأم تعليمهما الفرنسية، لينتقل التوأمان بعد «حضانة مدام شكور» إلى مدرسة «عباس الابتدائية» التي سرعان ما حققا فيها نتائج مبهرة، فكان كلما تقدما في دراستهما، زاد إصرار الوالد على الارتقاء في إجادتهما اللغة الإنجليزية، حتى إنه لم يكتف بالمدرسة، بل عهد بهما إلى مدرس شاب، ذاع صيته بين مدارس شبرا، في تدريس اللغة الإنجليزية هو «الأستاذ بديع خيري»، الذي اجتهد كثيرا في تعليمهما، ومع حصول التوأمين على الشهادة الابتدائية، أصبحا يجيدن الإنجليزية قراءة ونطقا كأهلها. شقاوة وأحلام مع الترقية الجديدة، وحصول الوالد على لقب «الباكوية»، كان لابد أن تنتقل الأسرة إلى بيت أكبر وأرحب، خصوصا بعد أن أصبح للتوأمين خمسة إخوة وأخوات آخرون، بخلاف الأخ الأكبر، ولم يكن هناك أفضل من فيلا أقرب إلى شكل القصور، يطلق عليها «بيت الكونت شديد» في شارع «قطة» وسط حدائق شبرا، ليعيش فيه التوأمان مرحلة بداية الشباب، وأجمل سنوات العمر، الممتلئة بالأحلام.. والشقاوة أيضا، بعد أن انتقلا إلى مدرسة «التوفيقية الثانوية». برغم تماثل التوأمين في كل شيء، فإن محمد عماد كان أكثر شقاوة من عبد الرحمن الذي يميل إلى الهدوء والانطواء، يرفض أن يشارك محمد خروجه الدائم وشقاوته، من أجل الاستمتاع بمباهج الحياة، حتى إن أكثر الأوقات سعادة، تلك التي يقضيها متعلقا في باب «التروللي باص» أو كما يطلق عليه أولاد الذوات «سانت كروفت» حيث يقوم بقطع تذكرة «بستة مليمات» ويرفض أن يجلس على مقعد بداخل عربة الترام، ليظل على الباب فقط ليشاهد حدائق شبرا الفسيحة المبهجة، والحقول الخضراء، التي يمتلكها «جارابديان» الأرمني الجنسية. ما إن انتهت السنة الدراسية الثانية، حتى صدر قرار جديد بنقل المهندس عبد الحميد إلى مديرية أسيوط، لتقضي الأسرة عاما بالقرب من الوالد، وتعود بعده الأسرة مجددا إلى القاهرة، وإلى بيت «الكونت شديد» كما يعود التوأمان إلى مدرسة «التوفيقية الثانوية» مرة أخرى. كانت العودة إلى مدرسة التوفيقية الثانوية هذه المرة مختلفة عما تركها التوأم، فما إن عادا حتى بدآ يلفتان الأنظار بقوة، ليس فقط في الشكل والملابس، حتى في «منديل جيب الجاكيت» بل أيضا في تفوقهما الدراسي، وإجادتهما للغة الإنجليزية، حتى في درجاتهما في الامتحان، فعندما نجح عبد الرحمن وجاء ترتيبه السابع على المدرسة، كان محمد حمدي ترتيبه السابع مكرر، إضافة إلى مشاركتهما في كل الأنشطة الرياضية بالمدرسة، وتفوقهما فيها، فما إن أصبح عبد الرحمن، كابتن فريق كرة القدم، حتى أصبح محمد عماد، كابتن المدرسة في نشاط القسم المخصوص الرياضي، وإن كان محمد عماد، يستغل ذلك في بعض الأحيان، ليمارس مقالبه المعهودة بين الأساتذة وزملائه، في عدم قدرتهم على التفريق بينه وبين عبد الرحمن، حتى ظهر في المدرسة أستاذ جديد لتدريب فريق التمثيل بالمدرسة، فبدأ الاختلاف بين التوأم: * مساء الخير يا نينه = تعالى يا محمد.. أنا بس عايزة أفهم بقى إنت إيه اللي مزعلك يا سيدي * عبد الرحمن يا نينه.. عايز يتخلى عني. = يتخلى عنك.. ليه بتقول كده.. أخوك عمره ما اتخلى عنك.. وبعدين عايز يتخلى عنك في إيه؟ * إحنا اتعودنا نبقى مع بعض في كل حاجة.. إلا فريق التمثيل.. عبد الرحمن مش عايز ينضم معايا لفريق التمثيل. = تمثيل!! تمثيل إيه يا محمد؟ * يا نينه فريق التمثيل بالمدرسة.. علشان نقدم المسرحيات العالمية اللي بندرسها لشكسبير وموليير وغيرهما من الكتاب العظام.. علشان نفهمها كويس. = جزء من الدراسة يعني. - لا يا نينه.. دي ملهاش علاقة بالدراسة ولا المذاكرة.. محمد مش عايز يقول إني دي هواية زيه زي الرياضية والموسيقى. * حتى لو هواية.. إيه المشكلة لما تشترك معايا فيها. - بس أنا ما عنديش طولة بال لموضوع التمثيل والمسرح ده. = والله هاتندم يا عبده.. ده كفاية الأستاذ اللي بيدربنا.. لما باقعد اسمعه وهو بيتكلم.. بابقى عايز أقوله ما يبطلش كلام.. من طريقته الجميلة في الألقاء. = للدرجة دي يا محمد؟ * طبعا يا نينه وأكتر.. حضرتك لو سمعت الأستاذ عبد الوارث عسر مرة.. أنا واثق أنك هاتطلبي من عبد الرحمن يحضر تدريبات المسرح. = كفاية لحد كده كلام.. يلا اتفضلوا على أوضكم أصر عبد الرحمن على ألا ينضم لفريق التمثيل، ليس كرها فيه، لكن لحبه الكبير للرياضة وتحديدا كرة القدم، فيما سحر محمد عماد بأسلوب الفنان عبد الوارث عسر، وطرق تدريبه لفريق التمثيل، حتى تعلق قلبه بالتمثيل بشكل كبير، ولم يترك «بروفة» واحدة من بروفات مسرحية «الملك لير» التي كان يقوم عبد الوارث عسر بتدريبهم عليها، التي كانت مقررة على طلبة «البكالوريا»، وأخرجها لهم، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها محمد عماد، هي تقديم المسرحية على خشبة مسرح «الأزبكية» أمام جمهور كبير من قيادات «نظارة المعارف»، ما أصاب محمد عماد بالرعب من مواجهة كل هذا الجمهور، كيف سيقف على هذه الخشبة، بعد أن كان «الفصل» هو حدود المسرح بالنسبة له؟ وكيف سيقف أمام هذا الحشد الرهيب من الجمهور؟ وأقصى عدد وقف أمامه ليمثل، لم يزد على عشرة أفراد من زملائه في المدرسة، ممن تستهويهم مشاهدة زملائهم وهم يمثلون! أمام هذه الأسئلة التي زادت من خوف وتوتر محمد عماد، قرر أن يتراجع، عن المشاركة في تقديم العرض!