تدمير شبه كامل للقاعدة وأصبحت خارج نطاق الخدمة العسكرية الجيش الحكومى أصبح محروما من الغطاء الجوى فى معاركه بحمص وحماة وإدلب
يمثل الضربة الصاروخية التى شنتها الولاياتالمتحدة فجر يوم الجمعة قبل الماضى، على مطار "الشعيرات" العسكرى الجوى قرب مدينة حمص السورية، والذى جاء كرد على حادث "خان شيخون" الذى وقع قبل ثلاثة أيام، واستخدم فيها الأسلحة الكيماوية، مؤشرًا لاتجاه واشنطن نحو إعادة صياغة موقفها تجاه الصراع فى سوريا، ويبدو أن تداعياتها سوف تفرض على جميع الأطراف المعنية بالصراع إعادة تقييم حساباتها الأمنية والسياسية، خصوصا روسياوإيران، بما يعنى أن تلك الضربة ربما تشكل نقلة نوعية فى مسار ملف الصراع السوري، ليكون الحد الفاصل فيه هو استخدام القوة العسكرية الأمريكية للمرة الأولى فى المجال السوري. ووفقًا لما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن الضربة، فإنه تم استهداف مطار "الشعيرات" العسكرى ب 59 صاروخ "توماهوك" تم توجيهها من مدمرتين أمريكيتين فى شرق البحر المتوسط إلى الهدف بدقة. وهذا الهدف تحديدًا كان - حسب تقارير عديدة - ضمن أربعة خيارات قدمها العسكريون الأمريكيون إلى الرئيس دونالد ترامب، شملت توجيه ضربة محدودة للأهداف العسكرية السورية منها ضرب قوات متنوعة ومطارات مختلفة، أو منع الطيران من التحليق فى المجال السورى، أو فرض منطقة حظر جوي. ومن المتصور أنه تم اختيار هذا الهدف بعناية أيضًا، بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية للمطار، والتى تتجلى فى أنه يمثل قاعدة مشتركة بين روسياوإيران والنظام السوري، كما أنه يعد، حسب الاتهامات الأمريكية، نقطة انطلاق للهجوم بالغازات السامة على منطقة خان شيخون، ويشكل تقريبًا ربع قدرات السلاح الجوى السوري، ويضم أهم المعسكرات فى المنطقة الوسطى، والتى تحتوى 3 أسراب مكونة من الطائرات الحربية "ميج" و"سوخوي". ويتكون المطار من مدرجين طول كل منهما 3 كم ونحو 40 حظيرة، كما يتضمن مزودا بدفاعات صواريخ "سام 6" والتى تم تدميرها. فضلا عن ذلك، فإن اختيار التوقيت فجرًا يعنى أن الهدف يقصد منه تدمير أكبر مستوى من البنية العسكرية فى المطار فى مقابل تقليل الخسائر البشرية، ومن المرجح أن واشنطن اتخذت وضع الاستعداد للضربة فى أعقاب ساعات من الإعلان عن الهجوم الكيماوى مع نشر حاملة الطائرات "جورج واشنطن" بمرافقة غواصات وفرقاطات باتجاه السواحل السورية فى موقع مثالي، حيث أعلن البنتاجون أن الضربة حققت جميع أهدافها بدقة، وهو ما يفسر ما ألمح إليه وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، بأن واشنطن اتخذت القرار فى وقت سابق. وقد كشفت تقارير عديدة عن تفاصيل الخسائر الناجمة عن القصف، ومنها شل حركة الطيران فى القاعدة تمامًا، وتدمير 9 طائرات عسكرية سورية، بالإضافة إلى تدمير عدد من الرادارات وسقوط 6 قتلى يعملون فى القاعدة، ، لكن مع استخدام هذا العدد الكبير من الصواريخ، فإنه من المرجح أن يكون هذا المطار الإستراتيجى فى شرق حمص قد أصبح خارج نطاق الخدمة، وربما يمكن ترجيح أن تكون هذه الخطة الأمريكية هى الخطة ذاتها التى كانت معدة فى عام 2013 عقب الهجوم الكيماوى على الغوطتين الشرقية والغربية لريف دمشق، وتراجع عنها الرئيس السابق بارك أوباما بعد طرح مبادرة تفكيك الأسلحة الكيماوية السورية. ووفق دراسة تقدير موقف لمركزالمستقبل للدراسات المتقدمة بأبو ظبى تلقت "الأهرام العربى" نسخة منها، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تستخدم سلاحها الجوى، بمعنى أن التقييم العسكرى للعملية يصنفها على أنها "عملية الهدف الواحد والمحدود" ولا تمثل انخراطًا عسكريًا أمريكيًا كاملا فى الصراع السوري، لكنها برغم ذلك ربما تؤدى إلى تغيير التوازنات العسكرية والسياسية، ويبدو أن واشنطن تسعى من خلالها إلى توجيه رسائل عديدة إلى الأطراف المعنية بتطورات الصراع والتى يمكن إبرازها من خلال ما يلي:
أولاً: رسائل إلى النظام السوري 1 إقناع النظام السورى بأنه إذا كانت أولوية الإدارة الأمريكية الحالية هى الحرب على الإرهاب وليست إسقاط النظام، فإن ذلك لا يعنى التجاوز عن ممارساته التى لا تتوافق مع السياسة الأمريكية. 2 تنبيه الرئيس بشار الأسد إلى أن عنف العملية وقوتها التدميرية يمكن تكرارهما عند الضرورة، وأن على النظام السورى أن يُدرك ذلك جيداً. 3 محاولة تطويع الموقف السياسى للنظام السوري، من خلال إجباره على تقديم تنازلات فى العملية السياسية الجارية، سواء فى مفاوضات الآستانة أم جنيف. 4 إن تحالف نظام الأسد مع روسياوإيران لن يحول دون قيام الولاياتالمتحدة بإجراءات منفردة لعقابه، طالما أنه غير جاد فى الوصول للحل السياسي. 5 أن الولاياتالمتحدة لديها القدرة على إقامة مناطق آمنة فى المنطقة التى تم استهدافها، مع فرض حظر جوى مستقبلاً. 6 التأكيد للنظام السورى بأن الفراغ الذى يمكن أن يترتب على تدمير تنظيم "داعش" ومحاصرته، لن يُسمح أن تملئه القوات العسكرية للنظام.
ثانياً: رسائل إلى قوى المعارضة 1 محاولة استيعاب الاستياء الذى ترسَّخ لدى قوى المعارضة خصوصا العسكرية منها، بعد إعلان الرئيس الأمريكى ترامب أخيراً أن أولويته ليست إسقاط النظام السورى فى هذه المرحلة، ولكن يتركز هدفه حالياً فى الحرب على الإرهاب. 2 توجيه دعم أمريكى مباشر لقوى المعارضة من خلال شل القدرات الجوية للنظام السورى فى المنطقة الوسطي. 3 مشاركة المعارضة فى تشويه صورة النظام السورى دولياً وإقليمياً لإفقاده المزيد من الشرعية، وذلك بعد إعلان واشنطن أن ضرباتها سببها الرئيسى هو استخدام النظام للسلاح الكيماوي.
ثالثاً: رسائل إلى روسيا 1 التأكيد أن استخدام روسيا "الفيتو" فى مجلس الأمن لحماية بشار الأسد، لن يحول دون القيام بعملية مضادة للنظام السوري، وأن الولاياتالمتحدة لديها القدرة على ممارسة ذلك بصورة منفردة. 2 ضرورة مراجعة روسيا تحالفاتها مع إيران ومع النظام السوري، وأن ما أكدته واشنطن من أولوية الحرب على الإرهاب، لن تعنى إخلاء الساحة السورية لكلٍ من روسياوإيران. 3 ممارسة ضغوط على روسيا لتطويع موقفها فيما يتعلق بالتفاهمات الثنائية حول مستقبل الأوضاع فى سوريا. 4 إن التنسيق الثنائى العسكرى بين واشنطنوموسكو لن يحول دون انفراد واشنطن بعمليات تتوافق مع مصالحها الذاتية.
رابعاً: رسائل إلى الدول الإقليمية 1 محاولة استعادة حجم وطبيعة العلاقات مع أنقرة للتأثير على التقارب التركى - الروسي، حيث إن تدمير القاعدة الجوية السورية يعنى إتاحة مجالات حركة أوسع للتنظيمات العسكرية ذات الصلة بتركيا خصوصا "أحرار الشام" و"استقم كما أُمرت" و"نور الدين الزنكي"، كما يوفر بنية أساسية للمطلب التركى المتكرر بإقامة مناطق عازلة أو آمنة فى الشمال السوري. 2 التجاوب مع مواقف بعض الدول الإقليمية الرافضة للنظام السوري، والتى تم تهميش دورها فى الأزمة السورية أخيراً. 3 تعتبر العملية رسالة واضحة لإيران، تكشف عن أسلوب عمل الإدارة الأمريكية الحالية، وترجيحها الخيارات العسكرية.
خامساً: رسائل للداخل الأمريكي 1 الرسالة الأساسية لترامب وإدارته كانت للداخل الأمريكى للتأكيد على مقاربة خاصة للإدارة الأمريكية الحالية ترقى بمستوى الأداء الإستراتيجى الأمريكي، وتستوعب سلبيات أداء الإدارة الأمريكية السابقة تجاه الأزمة السورية، وهو الموقف الذى عبّر عنه الرئيس ترامب عدة مرات. 2 التأكيد على عودة الحضور الأمريكى فى دوائر الاهتمام بفاعلية ومن دون انتظار لمواقف دولية مساندة، والرد على اتهامات بعض القوى الأمريكية للرئيس ترامب وإدارته بعدم الجدية أو الصلابة فى التعامل مع روسيا.
عملية محدودة وكان من الواضح الحرص الأمريكى على أن تظل العملية محددة من دون أن تتطور إلى تدخل عسكرى أوسع أو مباشر، خصوصا أنه لا يزال هناك حرص أمريكى على المحافظة على حد مناسب من العلاقات مع روسيا وكذلك التفاهمات بخصوص التطورات السورية. وربما الإخطار الأمريكى لروسيا بالعملية الأخيرة لم يترك وقتاً مناسباً لكى تقوم موسكو بإخطار النظام السورى للاستعداد الكافى للضربة. ومن المرجح أن يشهد التنسيق العسكرى الأمريكى - الروسى تراجعاً واضحاً خلال الفترة المقبلة، وأن يكون ذلك مجالاً للحوار المشترك بينهما. ويُتوقع كذلك أن يؤدى تدمير القاعدة الجوية فى مطار الشعيرات، إلى تراجع قدرات النظام السورى فى مواجهة فصائل التنظيمات العسكرية فى المنطقة الوسطى والشمالية، وهو ما يمكن أن يُهيئ مزيداً من أوراق المساومة للمعارضة السورية، سواء فى مؤتمر الآستانة أم جنيف. وسوف تؤدى نتائج العملية، أيضاً، إلى إضعاف القدرات الجوية لنظام الأسد فى مواجهة تمركزات "داعش" فى المناطق المحيطة بتدمر ودير الزور. ويشير الموقف الروسى حتى الآن إلى استمراره فى حدوده السابقة من حيث مواصلة الانتشار العسكرى فى سوريا، ويمكن أن يتطور إلى دعم قدرات الدفاع الجوى السورى خلال المرحلة القادمة، خصوصا مع إعلان موسكو فى أعقاب الضربات الأمريكية عن قيامها بتعزيز الدفاعات الجوية السورية. بصفة عامة، فإنه من المرجح ألا تتصاعد العمليات العسكرية فى سوريا خلال المرحلة المقبلة، وأن تشهد العملية السياسية زخماً أوسع، وإن كان من المرجح أيضاً تصاعد نشاط الفصائل العسكرية فى كل من ريف حمص وريف حماة خلال المرحلة المقبلة.