في الجزء الثالث من محاولة استشراف مستقبل مصر السياسي, ظهرت بوادر تشاؤم واسعة بين الخبراء والسياسيين, إذا تمت الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر بعد أسابيع في ظل الانفلات الأمني وحالة الاحتقان والاستقطاب السياسي وقانون الانتخابات الحالي. حيث رأي الخبراء والسياسيون أن كف مستقبل الديمقراطية في مصر يعاني من تعرجات وتقاطعات بين خطوطه. ولا نبالغ إذا قلنا إن تشاؤم بعضهم جعله يضع سيناريو محبطا في أقل درجاته ومرعبا في أعلاها ما بين فشل الثورة وعودة النظام القديم بدون رأسه أو الدخول في صراعات ايديولوجية لا تنتهي بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. وبرغم هذا, فهناك اجماع علي أن الحلول ممكنة وكثيرة ومتاحة بالفعل, وأنه يمكن تفادي كل أو معظم المخاطر خاصة الكبري إذا أعدنا الاستقرار الأمني وتم وضع قانون جديد للانتخابات تتوافق عليه القوي السياسية, وأعطيت فسحة من الوقت قبل إجراء الانتخابات, يتم خلالها إزالة الاحتقانات أو تهيئة الساحة أمام القوي والأحزاب لترتيب أوضاعها وتحالفاتها السياسية و فقا لبرامج وطنية واضحة, ويتم خلال هذه الفسحة من الوقت المزمع بعدة شهور الاتفاق علي المبادئ والمفاهيم التي تشكل أساس الحياة السياسية في مصر المستقبل. يري سامح عاشور رئيس الحزب الناصري ان مصر سوف تدفع ثمنا غاليا للتعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل تغيير الدستور, وان هذا الثمن سوف يترتب عليه اضطراب شديد في الحياة السياسية وصراع بين القوي والتيارات المختلفة وهذا يؤثر تأثيرا كبيرا علي وحدة نسيج الشعب المصري ويقول ان الاهم هو الحالة الامنية فهي حالة غير مستقرة وغير مستتبة ولا تحتمل إجراء انتخابات برلمانية ولابد من ضبط الامن أولا قبل اتخاذ أي قرار, مشيرا الي أن هناك خيوطا مقطوعة مع المجلس العسكري وان الحوار غير مكتمل, علاوة علي أنه غير مباشر, والمتواصل منه يتم عن طريق وسطاء المجلس العسكري, وبالقطع سوف يؤثر هذا تأثيرا كبيرا علي مستقبل مصر الديمقراطي. ويضيف عاشور اننا بالفعل نستشعر قلقا شديدا بسبب ما يجري في مصر الآن, وربما كان الحوار ضروريا من أجل تحديد المفاهيم والاتفاقات علي المبادئ والتفاصيل حتي يزول الاحتقان ويحل محله التراضي والاتفاق علي الأسس والمبادئ العامة. بينما يصف أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط المرحلة التي تمر بها مصر الآن بأنها استعداد للمرحلة الانتقالية الثانية التي ستشهد صراعا حول تشكيل النظام السياسي وقواعد اللعبة الديمقراطية وهو ما يجري حوله الحراك الآن ويصل احيانا لحالة الاستقطاب بين القوي السياسية المختلفة. ويوضح ماضي أن النقطة المحورية في المرحلة الحالية هي شكل الدستور القادم وبرغم أن الشعب حسم القرار بأن الانتخابات أولا, فإن هناك أطرافا سياسية لم تقبل أو تستجيب لهذه الارادة وتحاول اعادة فكرة المبادئ فوق الدستورية أو الحاكمة للدستور, وقام حزب الوسط بمحاولة تقريب وجهات النظر بين الاطراف المختلفة الاسلامية والليبرالية والقومية والناصرية وغيرها واوشكنا علي الانتهاء من مشروع اولي لصياغة مبادئ دستورية متوافق عليها ليست حاكمة ولا فوق دستورية وليست ملزمة ولكنها استرشادية ولا يصدر بها اعلان دستوري ولكن يتم التوقيع عليها من جميع القوي السياسية ستشكل التزاما أدبيا علي من وقع عليها, وبالتالي سننتقل الي الانتخابات البرلمانية التي ستسفر عن تشكيل هيئة تأسيسية علي أن تراعي هذه الهيئة عند صياغتها للدستور الجديد المبادئ التي اتفقنا عليها. ويشير ماضي الي انها هناك قلقا متبادلا بين القوي السياسية, حيث ان الاطراف الاسلامية قلقة من عدم تطبيق المادة الثانية والاطراف الليبرالية واليسارية قلقة من المواد المتعلقة بالمواطنة والحريات. مؤكدا اننا وضعنا مواد قليلة تغطي هذا الجانب وتحل الاشكالية وترضي جميع الاطراف دون التوسع في صياغة مبادئ تقترب من ان تكون دستورا جديدا. وفيما يتعلق بالانتخابات يؤكد ماضي ان التحالفات الاخيرة لم تتشكل بعد, لكن بالنسبة للتكتلات الحالية فإن أبرزها التحالف الديمقراطي الذي يقوده الوفد والإخوان يوجد به28 حزبا وحركة أغلبهم ليس لهم وجود حقيقي في الشارع. ونحن متحفظون رغم حضورنا معهم بعض الاجتماعات علي هذا التحالف بهذا الشكل لان التحالف لابد أن يكون بين قوي حقيقية في الشارع ويجمعها برنامج وطني وحتي الآن هذا لا يتم ونتيجة هذا الكيان تشكل ما يسمي الكتلة المصرية وأيضا فهي تمت بشكل متسرع, بدا كما لو كانت تواجه كتلة اسلامية لم تتشكل بعد ولكنها قد تدفع دفعا بالقوي الاسلامية ان تشكل حزبا مضادا له, علي اساس ايديولوجي بمعني قوي اسلامية وغير اسلامية وهذا خطر نخشاه ان تكون التكتلات علي اساس وطني, وليست هذه التكتلات أو التحالفات التي أعلن عنها ليست هي التحالفات الحقيقية التي ستقود الانتخابات علي اساسها فمازلنا في مرحلة مخاض للتحالفات وحينما نقترب من الانتخابات ستتضح الصورة أكثر بشكل تتضح فيه التحالفات النهائية ومن ناحيته, يؤكد المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر الاسبق اننا كلنا نواجه خطرا واحدا هو عودة النظام السابق, حيث سقط رأس النظام ولكن جسده متغلغل وموجود علي أرض مصر. والثورة لم تنجح بعد لأن رؤساء الجامعات والعمداء المعينين من قبل امن الدولة مازالوا موجودين في مواقعهم. كما يوضح عبد العزيز ان مستقبل مصر السياسي لن يبنيه الا حرية وديمقراطية علي قاعدة اقتصاد قوي. ويطالب عبد العزيز بتأجيل الانتخابات البرلمانية الي شهر يناير او فبراير القادم لحين انتشار واستقرار الامن والامان في الشارع المصري, ولابد من اختيار مسلك واحد ما بين القائمة النسبية المطلقة او مغلقة وضرورة الفصل بين انتخابات مجلسي الشعب والشوري. ومن جانبه, يري الدكتور ضياء رشوان الخبير الاستراتيجي بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الوضع كله في مصر معلق علي نقطة واحدة هي الانتخابات القادمة وهي النقطة المفصلية التي ستكشف المستقبل, مضيفا أن المعضلة الكبري تكمن في قانون الانتخابات, فالقانون الحالي نصف الفردي والنصف للقائمة قانون سيضيع الثورة كاملة بدون اي مبالغات وهذا كلام مبني علي حسابات محددة ومعروفة لكل من يعي ويفهم في القضايا الانتخابية. وبالتالي فإن القضية المركزية هي تغيير هذا القانون الي قانون يقتصر فقط علي القائمة للمستقلين وللاحزاب, محذرا من الخطر الشديد التي ستواجهه الثورة اذا تم إجراء الانتخابات وفقا لهذا القانون. ويدعو رشوان لأن تكون جمعة9/9 تحت شعار القائمة اولا وتطبيق قانون الغدر موضحا ان ذلك هدف اتفقت عليه كل القوي السياسية بلا استثناء من اخوان وليبراليين ويساريين لكي تمر الانتخابات بسلام وستمر الثورة وهذا احد السبل لإزالة الاحتقان بين القوي السياسية. ويشير دكتور سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع إلي ان الوضع الحالي مذبذب بين الكلمات والافعال و يتجه نحو عملية انتخابية يفترض أنها ستتم خلال شهر ولكن لايزال الموضوع لم يتم مناقشته حتي الآن من خلال مؤتمر ولا تجمع محدد المدة ولولمدة48 ساعة تلتقي فيه مجموعة الاحزاب والقوي السياسية لتبدي رأيها. ويطالب فياض بوضع مشروع قانون مبدئي يطرح للحوار بين كل القوي السياسية خلال مدة زمنية محددة علي اساس ان يكون الحوار علي شكل لقاء موسع يتم فيه وضع الصيغة النهائية وعرضه علي المجلس العسكري والحكومة, ويري فياض أن الاحزاب بصفة عامة اقوالها اكثر من افعالها ويجب علي الائتلافات أن تلعب دور أكثر فعالية وبدون شروط محددة. كما طالب الاحزاب بأن تتفرغ للعملية الاجتماعية وللتغير الشامل الذي تشهده مصر وتؤجل تغييرتها الداخلية حيث تجري بعض الاحزاب عمليات تغيير داخلية, هذه التوقيت يصعب الجمع فيه بين العمل الوطني الاجتماعي و العمل الداخلي الحزبي. ويري فياض انه لا داعي لتأجيل الانتخابات لانه لو تم التأجيل ستتزايد درجة الغليان والاحتقان بين القوي المختلفة. وتساءل: هل تفعلها ثورة25 يناير وتعطي نموذجا حقيقا لثورة حقيقية ام انها ستكون تكرارا لما حدث في دول شرق اوروبا دول التحول الاشتراكي ولنماذج اخري في اسيا؟ وقال نحن نطالب بالديمقراطية الليبرالية التي تستند بالدرجة الاولي الي حق الاقلية في التعبير عن رأيها لأن الهدف الرئيسي للديمقراطية هو حماية حقوق الاقلية في التعبير و التحدث علي ان تتحمس الاغلبية لحماية رأي الاقلية واذا لم يتم هذا يكون النموذج الديمقراطي الذي تقدمه مصر ما هو الا تكرار لنماذج ديمقراطية سيئة طرحت في العالم تسمي نموذج الديمقراطية غير الليبرالية. من جانبه, يري ممدوح حمزة رئيس المجلس الوطني المصري ان الاستفتاء الذي حدث في مارس الماضي يعتبر مصيبة كبري, حيث تم وضع السم في العسل للشعب من خلال هذا الاستفتاء, فلم يحدث في تاريخ البشرية ان هناك مجلس شعب يضع دستورا فالذي يضع الدستور دائما هيئة تاسيسية تنتخب لهذا الغرض وينتهي عملها بعد وضع الدستور ولا يحق لاعضائها أن يترشحوا في مجلس الشعب بعد ذلك ويصبح الدستور نافذا بعد الاستفتاء عليه وعندما يكون هناك مجلس شعب يضع دستورا سيكون دستور الاغلبية وليس دستور الأمة, مؤكدا ان هناك خطورة شديدة ان تكون الاغلبية لتيار يضع الدستور علي هواه ومن ثم تصبح غلطة تاريخية تكتب في التاريخ كونها من اهم اخطاء وسقطات ثورة25 يناير. ويشدد حمزة علي ضرورة عدم اجراء الانتخابات دون معالجة الحالة الامنية الضعيفة و بدون وجود اقتصاد جيد. ويطالب بتغيير قانون الانتخابات و تأجيلها حتي يعود الامن بصورته القوية الكاملة في الشارع وان يعود الاقتصاد من جديد حتي تعود لمصر روحها وان تجري الانتخابات في ظروف طبيعية لا استثنائية لأن الظروف الاستثنائية ستولد مجلس شعب استثنائيا قد يستمر لمدة اعوام ويشير حمزة الي اننا لسنا في اتجاه اهداف الثورة والدليل عدم تحقيق اهم مطلب من مطالب الثورة او ظهور حتي بوادر منه وهو العدالة الاجتماعية ويحذر حمزة من ظهور موجة ثانية من الثورة العارمة التي يقودها ويشارك فيها العمال والفلاحون والبسطاء ومحدودو الدخل والسكن إذا لم تتحقق العدالة الاجتماعية والتي تشمل الحد الادني والاعلي للاجور وتقديم حلول جذرية للبطالة والزيجات المعطلة وحلول للمسكن والصحة والضريبة التصاعدية وحماية المنتج المحلي. ويضيف ان هذه الثورة العارمة إذا وقعت فسوف ينكمش امامها اي تيار مهما كان حجمه موضحا انه لو كان هناك حكومة ستقوم بالخطوات الاولية لتحقيق العدالة الاجتماعية سوف تستتب الامور تدريجيا.