أحسن مجلس نقابة الصحفيين صنعا عندما وقف بحزم وبلا هوادة أمام حملة تطهير الصحافة, التي كانت النية تتجه إلي تنفيذها في المرحلة الحالية ضد الصحفيين الذين أظهروا الولاء والطاعة العمياء لمبارك ونظامه السابق وتمكنوا بنفاقهم الفج من تشويه صورة الصحافة المصرية القومية, وبالقطع نحن لا نختلف حول سؤال, هل تتطهر الصحافة أم لا ؟ لأننا جميعا نؤيد التطهير. ولكن السؤال الأصعب والأكثر أهمية هو من الذين ستتطهر منهم الصحافة المصرية؟ لأنه عندما تدور عجلة التطهير لن تأخذ في وجهها فقط كبار المنافقين والمنتفعين من نظام مبارك, ولكن التطهير من الوارد أن يطيح كذلك بالعديد من الشرفاء وأصحاب الأقلام الصحفية المرموقة, لأن التجارب التاريخية السابقة علمتنا أن محاكم التفتيش عندما تبدأ فإنها لا تصيب فقط من يستحقون العقاب, ولكنها تلاحق وتدمر العديد من الأبرياء الذين لم يكن يستهدفهم هذا التطهير, وربما أدرك مجلس نقابة الصحفيين هذا المعني بوعي شديد ولذلك أكد أن من أهداف ثورة25 يناير أنها قامت لأجل ترسيخ الحريات ورفض أي مساس بها إلا في ضوء اتهامات موثقة وأدلة دامغة تؤكدها أحكام قضائية بعيدا عن تشييع الاتهامات أو الاختلاف في الرأي أو الانتماء السياسي و الحزبي. وأكد بيان نقابة الصحفيين أيضا مساندته لمحاسبة من يثبت تورطه من رؤساء مجالس الادارة والتحرير السابقين والحاليين بكل حزم واتخاذ كل الاجراءات اللازمة لذلك واحترام رغبات الصحفيين في هذه الاطار. لأن تطهير الصحافة بلا ضوابط سيعني فتح الباب أمام عشاق الانتقام والرغبة العارمة في الإطاحة بالخصوم والمنافسين, حيث يمكن أن نجد في دوامة التطهير من يدس أسماء زملائه الذين يختلف معهم ضمن قوائم وكشوف التطهير ليصيبهم عقابا لا يستحقونه, وقد يحدث ما هو أعجب وأدهي من ذلك, فقد تخلوا كشوف التطهير من أسماء من دافعوا بجسارة عن حكم مبارك والتوريث ولجنة السياسات, فهؤلاء يمكنهم باستخدام الدس والمكر والخداع أن يجعلوا أنفسهم في النهاية خارج دائرة الاستبعاد والتطهير لأنهم أكثر قدرة علي المناورة والتبجح وقلب الحقائق وتغيير الأقنعة, فنجدهم في لحظة هم الذين فجروا ثورة يناير بل وأصحاب الفضل في نجاحها, وسنراهم بعيدا عن كل سوء. وليست هذه بالطبع دعوة لجعلهم بعيدا عن العقاب والمحاسبة00 ولكنه تحذير من أن نيران التطهير قد تحرق الشرفاء وتؤدي إلي تكميم الأفواه00 أما هؤلاء فلن يفلتوا بكل حال من العقاب, لأنهم مازالوا متربصين بهذا الشعب الطيب وثورته, يتتبعون كل الشائعات التي تطلق ضد الثورة, فيضخمون في هذه الشائعات لإحداث بلبلة حول جدوي الثورة ونفعها, هذه القلة انكشف أمرها وعرفها الشعب, ويكفي أنهم تحولوا إلي نموذج سيئ يجب أن نبتعد عنه, وتنفر منه الأجيال الصحفية القادمة, لقد أصبحوا صورة منبوذة يشار إليها عندما نقول للآخرين لا تكونوا مثل هؤلاء, وهذا في حد ذاته فيه فائدة لمهنة الصحافة, ويكفي أنهم يرقدون أمواتا في أعمدتهم الصحفية التي ما زالت مخصصة لهم, لا يشعر بهم أحد, ولا يتأثر بكلماتهم أحد, ولا يجوز علي هؤلاء الأموات إلا الرحمة. [email protected]