1 عثرت علي حقيبة اليد الجلدية المنتفخة, وراء المقعد الذي الي يسارك وأنت داخل. وضعتها أمامي علي الكنبة الصغيرة. لاحظت أن التراب التصق بجلدها البني الخشن. وقمت أبحث في الشقة هنا وأبحث هناك عن قطعة قماش من التي يمسحون بها الأشياء إذا كانت متربة وأنا أعرف أنني لن أجد. كانت زوجتي تتابعني في ذهابي وعودتي. ولما قالت: إنت بتدور علي إيه؟ قلت: أبدا. ثم دخلت الحمام وتناولت فانلتي نصف الكم من كومة الغسيل في سبت البلاستيك أعلي الغسالة وفتحت الحنفية علي ذيلها وعصرته جيدا, ومررت وراء ظهرها وسمعتها تقول إن: الهدوم النضيفة في الدولاب. ولكني مشيت في طريقي الي الحجرة الأخري وأنا أشعر بالقرف من هذه الطريقة في الكلام. 3 ما أن انتهيت من مسح جلد الحقيبة بذيل الفانلة المندي حتي توهجت في لونها النبيذي الخشن وصارت حقيبتي القديمة التي كنت أحبها, وشعرت بالضيق من عدم عنايتي بها قبل الآن. كانت ممتلئة حتي آخرها بنسخ من رسائل كتبتها وتقارير وبطاقات أرسلها جونيور وصور فردية لنا وأخري تجمعنا مع بعضنا أو مع آخرين وأوراق وقصاصات شتي. 4 بعد محاولته القديمة الهرب الي انجلترا والامساك به في سوريا وإعادته الي مصر والحكم عليه بالسجن مع إيقاف التنفيذ لم يتوقف جونيور أبدا عن المحاولة. كان التقي بمسئول انجليزي وأطلعه علي جنسيته والمراسلات التي بينه وبين أخواله وخالاته الانجليز. يقول إن المسئول وضع يده علي كتفه وقال: لو كنت في السودان, ياجونيور, كنت أعدتك الي انجلترا. بعد ايام, أخبرني حماده أن جونيور موجود الآن في الخرطوم. وأثناء جلوسي أحد الايام في البيت وصلتني بطاقة ملونة عليها صورة ساحلية من( كرونويل) جنوبانجلترا تحمل عنواني بالانجليزية ومكتوب فيها بالعربية مع تحياتي. جونيور. أعدت قراءتها وأنا أمسك بها في يدي, كأنها لم تصلني إلا الآن. 5 كانت هناك مجموعة مختلفة من الصور. صور له يتمشي أو يتخذ أوضاعا في حدائق المدينة التي يعيش فيها, وصور أخري أمام واجهة طويلة لحانة لها مدخل صغير ملحقة برسالة كتب فيها أن ولدا من عمره احتك به وتلاسنا, وحسب تقاليد المكان دعاه الي التلاكم خارجها والرواد خرجوا للمشاهدة وأنه ضرب الولد ضربا شديدا وأسال دماءه بعدما استخدم رأسه وألقي به أرضا والرواد صفقوا له وأنه أصبح الآن محل تقدير في حانات المنطقة التي يعيش فيها. 6 كان طلب مني أن أرسل له تقارير عن كل مايفوته من أحوال الأصدقاء. وراح بدوره يرسل لي كل مايجري له. إذا عمل علي ماكينة كان يرسم لي خطوطها ويرسم نفسه ويحدد المكان الذي يقف فيه والشيء الذي يقوم بتحريكه أو ضغطه ودور هذا الشيء في عملية الانتاج التي تقوم بها هذه الماكينة. كان يرسم نفسه مستطيلا نحيلا له ساقان من خطين وذراعين أحدهما الي جواره والآخر مرفوع عند موضع التحريك أو الضغط, وعند طرف الآلة البعيد كومة من الاشياء التي تقوم الآلة بإنتاجها. كنا نراه ونضحك كأنه معنا. 7 آخر مرة, ربما, كنت ذهبت أنا وتوفيق وحمادة الي الحجرة الأرضية التي استأجرها في الترجمان. كنا تسللنا أول الليل ونظرنا من الباب الموارب الي الحجرة شبه المعتمة. كان يجلس علي الحصيرة ويركن ظهره الي الجدار الجانبي ويحيط جوزة الهند بكفيه أمام ركبتيه المفتوحتين وطرف الغابة في فمه, وأمامه كانت الفتاة السمراء التي تلاحقه في كل مكان بعينيها الوديعتين. كانت منحنية تمسك بورقة مقواة وتهوي علي منقد الفحم الموجود بينهما, والدخان يعمل سحابة خفيفة بيضاء تحيط بها, وتتوزع في شبه العتمة المحيطة. كان شعرها يخفي وجهها من هذه الناحية, بينما انعكس وهج الفحم علي وجهه المائل وزاده احمرارا. وللكلام بقية.