في الوقت الذي يطالب فيه الجميع باستقلال القضاء ونحن معهم لم يتحدث أحد للأسف عن الإساءة التي يتعرض لها كثير من القضاة ورجاله, والهجوم الذي يمارسه الخارجون علي القانون علي المحاكم. وليت الأمر يقف عند هذا الحد, بل إن القاضي في كثير من الأحيان يتم الهجوم عليه داخل صومعته المقدسة وفوق منصته المهيبة عقابا له علي حكم عادل أصدره, وبما أملاه عليه ضميره ومراعاة خالقه, وقول الحق الذي لايحيد عنه قيد أنملة, ولم يتحدث أحد أيضا عن كيفية تأمين دور العدالة وحمايتها من البلطجة التي بدأت تأخذ شكل الظاهرة من كثرة تكرارها في كثير من المحاكم, ولم يطالعنا أحد بوضع خطة متكاملة لوقف هذه الظاهرة احتراما لقدسية القضاء المصري ورجاله الشوامخ, علما بأن جميع دساتير وقوانين العالم تكفل حق القاضي الطبيعي في الحماية التي هي جزء لايتجزأ من حقوق الحريات العامة, وأن السلطة التنفيذية مسئولة مسئولية كاملة عن توفير الأمن والأمان للقاضي الذي يعتبره فقهاء القانون في العالم حجر الأساس في حصول المواطن نفسه علي الأمن والأمان. وقد أعجبني القاضي الذي قال في أحد تصريحاته أو حواراته لأجهزة الإعلام مسموعة ومرئية إنني لن أتأثر أثناء نظري لأي قضية بميدان التحرير وأنا أصدر أحكامي, لإيماني العميق بأن ضمير القاضي الذي يتحرك بداخله هو الذي يجعله ينطق بهذا الحكم أو ذاك, وهذا ما تعلمنا طوال دراستنا للقانون وممارستنا لمهنة قضائنا العادل, وانه ليس من المقبول أو المعقول لأي من القضاة إرضاء الناس علي حساب الحقيقة التي هي عنوان أحكامهم.. ولاينكر أحد من شعبنا بكل فئاتهم وأطيافهم وأعمارهم أن قضاء مصر الشامخ كانت له مواقف ووقفات بطولية في مواجهة النظام السابق شهد لها كثيرون من فحول القانون وشوامخه الأفذاذ القدامي والمعاصرين, وقد تحققت هذه المواقف البطولية بفضل شعور القاضي وهو يصدر أحكامه بأنه محاط بسياج من الأمن والأمان جعله مطمئنا تماما لكل ما يصدره من أحكام عادلة ومتفقة وروح القانون. إن آخر شيء كنا نتوقعه الاعتداء علي دور العدالة التي تكرس جهودها من أجل حماية حقوق الإنسان والدفاع عن المواطن في مواجهة الطغيان, ويجب علي الجميع حكاما ومحكومين أن يحترموا أحكام القضاء إذا كنا بالفعل نريد أن يتحقق الاستقرار والاستقلال لقضائنا المصري, وفيما يلي بعض وقائع الاعتداء علي منصة القضاء خلال الفترة الماضية نضعها أمام المسئولين والرأي العام في بلدنا. قيام أهالي أحد تجار المخدرات بعد الحكم الصادر ضده بتحطيم زجاج قاعة المحاكم بدار القضاء العالي ومقاعدها, ولولا تدخل قوات من الجيش ما استطاع أعضاء هيئة المحكمة مغادرة المكان, وقد ساهم عدم تأمين المحاكم علي نحو جاد كما يقول المستشار عبدالعزيز عمر رئيس محكمة استئناف القاهرة في بعض تصريحاته وحواراته الصحفية في حدوث هذا الاعتداء, وأن الوضع لايزال علي وتيرته الذي يتعرض فيه القضاة في دوائر عديدة لإرهاب أهالي المتهمين أثناء المحاكمة, وأن كثيرا من القضاة يخشون إصدار أحكام في ظل الفراغ الأمني الذي تعانيه بعض قاعات المحاكم, وهذا يشكل علي حد قوله عبئا جسيما علي القضاة والعدالة علي حد سواء. محاولة عدد من البلطجية الاعتداء علي هيئة المحكمة بالدائرة الثانية جنايات الاسماعيلية بعد صدور أحكام ضد أقاربهم, وقد تمكنوا من الوصول إلي السلالم الداخلية بمجمع المحاكم ورددوا شتائم غير لائقة للقضاة مما دفع عددا كبيرا منهم إلي تقديم مذكرة للمسئولين بهذه الواقعة مطالبين فيها أيضا بحماية أكثر من جانب الشرطة. قيام عدد من البلطجية في إحدي الدوائر بعد صدور حكم ضد أحد المتهمين من أقاربهم باقتحام قاعة المحكمة وكسر القفص الحديدي المحبوس به في محاولة منهم لإخراجه منه والهروب به خارج مقر المحكمة, في سابقة هي الأولي من نوعها التي تحدث في دور المحاكم بسبب عدم وجود التأمين الكافي للمحكمة من رجال الشرطة. وأخيرا مع وجود كل هذه المليونيات التي نشاهدها بميدان التحرير والأحزاب والحركات والائتلافات المتعددة ومطالبها الكثيرة التي يسعي مجلس الوزراء جاهدا لتحقيقها نتمني أن يتبني أحدها اقتراحا بإنشاء جهاز جديد تكون مهمته تأمين دور العدالة وحمايتها من أي تعديات تتعرض لها من الخارجين علي القانون والبلطجية, وأن يرأس هذا الجهاز أحد رجال الشرطة الكبار المشهود لهم بالكفاءة والقدرة علي تحقيق الأمن والانضباط في الشارع المصري, وأن يكون لهذا الجهاز أفرع لحماية المحاكم بجميع المحافظات, وبذلك وحده تعود الهيبة لدور العدالة والاحترام لمنصة القضاء كواجب وطني يلتزم به الجميع. [email protected] المزيد من مقالات مصطفى الضمرانى