مازالت الآراء متضاربة حول موقف الحكومة وموقف الثوار والمعتصمين, فبينما يعتقد رئيس الوزراء أنه أرضي الثوار يرفض المعتصمون بياناته جملة وتفصيلا. لكن هناك إتفاقا علي علانية المحاكمات, وأن يتعرف الشارع المصري كله علي ما يجري فيها أولا بأول وأكد السياسيون أن البلاد الآن ليست تحتاج فقط لحكومة تسيير أعمال بقدر ماهي تحتاج الي حكومة قوية جدا وناضجة تنقل البلاد من نظام افسدها الي نظام جديد يحتاج الي قيادات جديدة تعرف ماذا يريد هذا البلد. وتفاصيل أخري في السطور المقبلة. بداية يقول د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, إن هناك معايير محددة لاختيار الوزراء الذين سيتم الاستعانة بهم في الفترة القادمة وبيان رئيس الوزراء غير واضح, مما يجعلنا نتخوف من اختيار قد يكون للأسوأ, وخاصة أن البيان لم يتطرق إلي أن: هل الاختيار سيكون من رموز الثورة أم من شخصيات مستقلة أو أن المرحلة القادمة لن نستعين بوزراء من الحزب الوطني أو من المتعاونين مع النظام السابق, ويضيف د. حسن نافعة أنه من الضروري أن تكون المحاكمات علنية, وهذا مطلب ثوري, ولكن بيان رئيس الوزراء أغفل اجراءات محددة لضمان علنية هذه المحاكمات, فهناك إجراءات محددة لضمان إستقلال القضاء ليتماشي التطبيق مع طموحات الناس ومطالبهم. كما أن هناك ضرورة لتطهير مؤسسة القضاء أولا واتخاذ الإجراءات التي تضمن استقلاله بإصدار القانون الخاص باستقلال القضاء, والمطالبة بتغيير النائب العام الذي حدث في ظله انتهاكات لحقوق الانسان في قضية قتل خالد سعيد وتزوير التقرير الطبي الخاص به, كما أنه لابد من تبعية التفتيش القضائي للمجلس الأعلي للقضاء ليحول دون سيطرة السلطة التنفيذية علي القضاء فإمساك الوزير بالعصا والجزرة يفسد السلطات. ويضيف د. حسن نافعة, أن الاجراءات الخاصة بوقف عدد من الضباط عن العمل بالداخلية, حدث في البيان الأخير لرئيس الوزراء تراجعا عنها وحقيقة الأمر أنه لابد من فلسفة جديدة وهيكلة جديدة للداخلية بمعناها الشامل وضرورة إجراء محاكمات عاجلة للمتهمين بقتل الثوار واصابتهم. ويؤكد د. حسن نافعة أن البلاد ليست في حاجة لحكومة لتسيير الأعمال بل هي أخطر حكومة تنقل البلاد من نظام فاسد الي نظام جديد يحتاج لقيادات جديدة تعرف ماذا يريد الشعب. وحول علانية المحاكمات التي تعد من أبرز المطالب للثوار, والتي أكد عليها رئيس الوزراء كشف مصدر قضائي كبير أن الأصل في المحاكمات أن تكون جلساتها علنية بمعني السماح بدخول قاعة المحكمة لمن يريد دون أن ينتج عن ذلك تكدسا أو إخلالا بالنظام, ولا تنعقد الجلسات سرية إلا بناء علي طلب الدفاع أو النيابة وبموافقة المحكمة إذا ما رأت أن العلانية تضر بالأمن القومي أو بأسرار حياة شخصية, وبالنسبة لحضور وسائل الاعلام وتسجيل الجلسات بالصوت والصورة فإنه طبقا لقرار سابق للمجلس الأعلي للقضاء فإن هذا يرتهن بموافقة هيئة المحكمة وتقديرها حسب نوعية القضية ووقائعها وأطرافها. ويقول د. نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي عميد حقوق الزقازيق سابقا: لا شك أن مظاهرات8 يوليو كان لها منطقها في معظم المطالب واعتقد أنها تحتاج لمزيد من الأجوبة عن تساؤلات كثيرة مطروحة في الساحة لذلك جاء بيان رئيس الوزراء ليوضح كثيرا من النقاط المثارة مع العلم بأنه لا يستطيع للمحافظة علي هيبة الدولة, وعدم تداخل السلطات أن يتدخل باعتباره رئيسا للوزراء ورئيس للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية, حيث أنه لا يمكن دفع القضاء الي انهاء محاكمات في فترة وجيزة لأن هذا يعتبر مخالفا لحقوق الانسان في العدالة, ومن ثم يمكن اتهام القضاء المصري بمحاكماته غير العادلة وهذا غير صحيح فالقضايا متشابكة, وأظن أن تصوير المحاكمات سيجعل من الصعب جدا استرداد الأموال الموجودة في الخارج مما يضاعف من الاحتقان في الشارع المصري. كما أن تفريخ بعض الدوائر القضائية للمحاكمات سيؤدي الي سرعة الفصل مع عدالة الاحكام. ويضيف د. نبيل حلمي أنه لابد من التفرقة بين من كان يدافع عن أقسام الشرطة والمراكز وهجوم البلطجية, وبين من كان يطلق النار علي المتظاهرين, فإن احترام هيئة الشرطة هو إحترام لهيبة الدولة. وفي نفس الوقت فإن الإدارة السليمة هو الإدارة الجماعية في تعاون وتآلف بين الوزراء لتحقيق المصلحة العامة واستهداف استقرار الدولة وحماية اقتصادها. اما الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية فيري أن هناك آليات محددة ومعروفة لدي أكثر من54 دولة خاضت مخاص التحول الديمقراطي علي رأسها دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة وكل هذه الدول مرت بهذا المخاض وللأسف لم تستفد الحكومة المصرية من هذه الوسائل, وكل الاجراءات والتدابير التي اتخذها المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة برئاسة د. عصام شرف هي تدابير لا تتعدي كونها مسكنات وردود فعل, ولم يتخذ المجلس أو الحكومة المبادرة ولم نتعلم من التجارب السابقة. وتساءل د. سلامة, إذا كان تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة التي أنشأها المجلس القومي لحقوق الانسان قد خلصت الي أن الرئيس المخلوع حسني مبارك قد أمر بقتل الثوار في ميدان التحرير وغيرها من محافظات مصر, وأكد التقرير أنه قد علم بجريمة قتل الثوار ولم يتدخل بما لديه من سلطات قيادية لوقف هذه الانتهاكات وإحالة المسئولين عنها للمساءلة والمحاكمة. أما الدكتور ابراهيم البحراوي المحلل السياسي وأستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة عين شمس, فيري أن يكون التغير الوزاري شاملا ومصحوبا برؤية سياسية تؤدي الي اشراك جميع القوي السياسية المساهمة في الثورة في الحكومة الجديدة من خلال كوادر ترشحها هذه القوي, علي أن تكون ذات خبرة ودراية بأعمال الوزارة التي سترشح لها, مما يضمن تكوين حكومة ائتلافية تشارك فيها القوي الرئيسية وتستطيع أن تعبر عن مطالب الشعب تعبيرا صادقا وهو مايؤدي الي استقرار البلاد. ويضيف د. البحراوي, أن جماهير الثوار قد اعترضت وبحق علي الاعلان السابق لرئيس الوزراء الذي طالب فيه وزير الداخلية بإنهاء خدمة الضباط المتهمين, فشباب الثورة يتمسك بأصول العدالة, ذلك أنهم عندما رفضوا قرار رئيس الوزراء, واعتبروه منافيا للقانون والعدالة, لكون هؤلاء الضباط متهمين يمكن أن ينالوا البراءة في المحاكمات, طالبوا الشباب بوقف الضباط المتهمين عن العمل لحين البت في قضاياهم, وهو أمر محمود لابد من تشجيعه. ويري د. أحمد سعد أستاذ القانون بحقوق بني سويف أن تدخل رئيس الوزراء في أعمال السلطة القضائية يمثل اعتداء من السلطة التنفيذية علي القضاء واختراقا لمبدأ الفصل بين السلطات. ولعلنا نتذكر أن سبب البلاء طوال30 سنة كان بسبب اعتداء السلطة التنفيذية علي سلطات ومؤسسات الدولة الأخري. ومن جهة أخري, فإن هذا الفصل يقتضي قيام السلطة القضائية بمهامها, ويجب عليها أن تدرك أن الحرص من قبل الثورة, ومن قبل الشعب, يأتي من منطلق الحفاظ علي المصلحة العامة. وكنا نتمني ألا تكون هناك صرخة من الشارع المصري للتنديد بالتباطؤ في اجراءات التقاضي يجب أن تدرك السلطة القضائية جيدا أننا بصدد قضية رأي عام, وأنها إحدي ثمار ثورة25 يناير, وعليها أن تسرع بإجراءات التقاضي لأن عنصري المواءمة والزمن عنصران أساسيان في استقرار البلاد, ولا يجوز من قبل السلطة القضائية أن تشغل الرأي العام لمدة سنتين أو أكثر بقضية رجل أعمال قتل فنانة لبنانية. وتتباطأ في قضية شهداء الثورة والفساد السياسي والإداري. ويضيف الدكتور أحمد مسعد, أنه لابد من تقديم الرئيس السابق ورجاله في قضية قتل الشهداء الي القضاء العسكري, حيث ينعقد له الاختصاص قانونا باعتباره وقت ارتكاب هذه الجرائم كان القائد الأعلي للقوات المسلحة, أما قضايا الأموال فتقدم للقضاء العادي, ولذلك فالسرعة الآن مطلوبة, والحسم في هذه القضايا أمر مهم, فالسلطة القضائية بمعالجتها لهذه القضايا باعتبارها قضايا عادية لها مردود سلبي علي المجتمع, وفقدان الثقة في القائمين علي أمور البلاد.