منافسة شديدة شهدتها الدورة الستون لمهرجان برلين السينمائي الدولي, لفعاليات تميزت هذا العام بأفلام مميزة فنيا.. ورغم تميز عدد كبير من الأفلام في الدورة التي انتهت فعالياتها مساء الأحد الماضي, ألا أن جوائز لجنة التحكيم جاءت منصفة . وحيادية في قرارها وكسرت كثيرا من توقعات بفوز بعض الأفلام, ومؤكدة لفوز البعض الآخر جاء فوز الفيلم التركي عسل للمخرج سميح كوبلان نجلو بجائزة الدب الذهبي كأحسن فيلم, في محله لما حمله الفيلم من رؤية إنسانية لطفل يتمني أن يصبح مثل والده صانع خلايا نحل علي جذوع الأشجار.. استحق الفيلم الجائزة لما حمله من بعد إنساني في علاقة الطفل البطل بأمه من جانب, وبأبيه علي الجانب الآخر, حيث وضح المخرج بصورة شديدة الحساسية كيف تعامل الطفل مع قلق أمه علي غياب أبيه بتصرفات تظهره كرجل قرر الذهاب للبحث عن أبيه, وليس كطفل.. أما علاقته مع أبيه فأظهر المخرج من خلالها كيف صنع الأب من ابنه رجلا في تصرفاته, وتفكيره. استطاع المخرج صاحب المشاركة الثانية في المهرجان بعد مشاركته عام2005 بفيلم سقوط الملائكة في مسابقة الأفلام التسجيلية ضمن فعاليات المهرجان, ان يصنع صورة تميزت بالواقعية الشديدة, ولكن بحرفية استغل فيها المخرج جماليات الطبيعة, والأداء التلقائي السلس للممثلون في جعل الصورة محملة بالمشاعر الانسانية وموضحة لإنفعالاته الشخصية الداخلية.. ودعم التصوير, والمونتاج, والموسيقي ابراز المشاعر التي لعب عليها المخرج في فيلمه. في حين يعتبر فوز رومان بولانسكي بجائزة الدب الفضي كأحسن مخرج عن فيلمه الكاتب الشبح تتويجا لهذا المخرج الذي منعته اقامته الجبرية من الحضور بنفسه لتسلم جائزته عن الفيلم الذي عبر من خلاله رومان عن انعدام المشاعر الانسانية في عالم السياسة, بعد سيطرة حب الذات والمصالح علي أصحاب هذا العالم الذي أظهر المخرج تفاصليه بصورة بينت غياب القيم, والخداع في تعاملات أصحاب هذا المذهب.. وإذا كان بولانسكي تعامل مع الصورة بواقعية ألا أن عمقها يأتي من دلالته التي استخدمها بحرفية عالية سواء إخراجيا أو علي مستوي السيناريو, ولعل أهم هذه الدلالات الصورة الرمادية التي وجدت طوال الفيلم ليعبر المخرج عن ضبابية الرؤية في هذا العالم الممتلئ بالألغاز. أما جائزة أحسن ممثلة والتي حصلت عليها اليابانية شينبو تراجيما عن دورها في فيلم بيت الفراشة فجاءت براعتها في لعب دورالزوجة العائد زوجها من إحدي معارك اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية, أصم وأبكم مقطوع الأيدي والأرجل لتأتي معاناتها معه, حيث عدم تفهم كل منهما لرغبات الآخر وفهم ما يريده, وتخبط هذه الرغبات.. وقد نجحت شينبو في التعامل مع الشخصية بشكل اتسم بالدراسة النفسية للدور بعد صدمتها في أمر زوجها, واصابتها باكتئاب, وإحساس بالدونية من الوضع الذي تعيشه.. وقد تمكنت من إبراز المرض النفسي للشخصية بشكل طبيعي, لقدراتها علي أداء التحولات الانفعالية للشخصية باقتدار, خاصة في المواقف التي تصل فيها مع زوجها لمرحلة الانهيار العصبي الجزئي, ويعقبه خروجها للشارع والتعامل مع الناس بشكل طبيعي, وكأن شيئا لم يكن يؤكد تملكها لأدواتها كممثلة.. حيث توظيفها الجيد لمناطق الوجه في التعبير والتفكير وتحولهما للحالة التي تستوجبها الشخصية دون وجود أدني أثر للحالة السابقة, بل حالة الحزن الموجودة بعينيها فقط طوال الفيلم, ولكنها مفسرة لدي المحيطين بها علي أنها بسبب عجز زوجها لتستحق الجائزة عن دور يعتبر من أصعب, وأعقد الأدوار التي شهدتها أفلام الدورة الحالية. لم يقف فوز السينما الآسيوية عند اليابان, بل استطاع المخرج الصيني شيوان وانج الفوز بجائزة أحسن سيناريو عن فيلمه جزء منا ليؤكد مسيرته كمخرج عالمي بعد فوزه في دورة عام2007 بجائزة أحسن فيلم.. وقد تميز سيناريو الفيلم بالمزج بين البناء المتوازي والمتقاطع للأحداث دون الخلل بموضوع الفيلم, إلي جانب إبرازه للمشاعر الانسانية واختلافها بدقة شديدة. علي جانب آخر استطاعت كل من رومانيا وروسيا من نيل نصيب من الجوائز, ففاز الممثل الروسي سيرجي بوسكبلس بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم كيف أنهي هذا الصيف, وحصد الفيلم الروماني إذا أردت أن أصفر سأصفر جائزتي جراند بركس لأحسن مخرج, والفريد بويار. وكان للجانب العربي نصيب من حصد جوائز المهرجان بنيل الفيلم القطري عايشين جائزة الأديان لطبيعة موضوعه الانساني الذي يتناول وضع الطفل الفلسطيني في أعقاب الحرب الاسرائيلية عام2008, والغارات والحصار الاسرائيلي لأهالي قطاع غزة, خاصة الطفل في ظل ما تقوم به إسرائيل من استخدام أساليب غير شرعية سواء من أسلحة أو معاملات. انتهت الدورة الستون وظهرت معها ملامح جيدة لممثلين ومخرجين جدد, ومعهم اتجاهات جديدة سيطرت عليها المشاعر الانسانية, ومدي إحساس هؤلاء الشبان بعالمهم والتعبير عنه بصورة تؤكد أن هناك رؤي جديدة, واتجاهات ستتغير معها خريطة السينما العالمية.