تزايدت في الفترة الاخيرة اعداد القنوات الفضائية الدينية الاسلامية والمسيحية والسنية والشيعية وأصبح الإنسان المصري محاصرا بهذا العدد الكبير من القنوات التي تسعي إلي الاستحواذ والسيطرة علي عقول أعداد كبيرة من جمهور المشاهدين, وذلك من خلال خطاب ديني لا يقوم في كثير من الأحيان علي الموضوعية أو المنطقية أو القواعد المهنية التي يستلزمها العمل الإعلامي, لقد اصبح هذا الخطاب الديني في القنوات الفضائية الدينية قائما علي نشر التعصب والتشدد والإثارة ودعم الفتن والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. اننا نرفض أن يكون الخطاب الديني قائما علي هذه العناصر التي تهدد وحدة الوطن وتماسكه. نحن في حاجة فعلية لوجود هذه القنوات الدينية ولكن بشرط أن يحسن استخدامها وتوظيفها في نشر الوعي والفهم الصحيح لمباديء الأديان السماوية التي تقوم علي التسامح وحب الخير والتآخي والتعاون وقبول الآخر وكلها مباديء مشتركة بين جميع الأديان وتسهم في دعم الترابط بين أبناء الوطن الواحد وبين الشعوب وبعضها..لقد تعلمنا علي مدار السنوات الطويلة مقولة مهمة هي أن الدين لله والوطن للجميع, وكما نعلم جميعا أن الدين هو علاقة بين الإنسان وخالقه, ولكنه لا ينبغي أبدا أن يكون وسيلة لدعم الطائفية ونشر الفرقة بين أبناء الوطن. لقد اصبح من الضروري أن يحكم الخطاب الديني وممارساته استراتيجية قومية محددة تنفذها القنوات الدينية التي تقوم بنقل هذا الخطاب وليس معني ذلك فرض وصاية علي هذه القنوات, وانما يجب أن يحكم الممارسة الإعلامية في هذه القنوات مصالح الوطن والمواطن. إن علي الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي المقدم من هذه القنوات أن يسعي لهدف أساسي هو بناء عقل مستنير للإنسان المصري سواء أكان مسلما أو مسيحيا, وأن يدعم هذا الخطاب وحدة المجتمع المصري وترابطه وبغض النظر عن نمط ملكية هذه القنوات فإن نمط الملكية الخاصة لها لا يعني الفوضي أو استباحة تناول أي شيء دون ضابط أو رابط أو نظام يحكم الممارسة الاعلامية لهذه القنوات لابد إذن من أن يستفاد من القدرات التأثيرية لهذه القنوات, في اعداد وتقديم خطاب ديني يبصر الناس بأمور دينهم ويناقش قضاياهم المختلفة من خلال ربط مباديء الدين بهذه القضايا الحياتية بحيث يستفيد الجمهور من مباديء الدين في معالجة أمور الدنيا والاستعداد للآخرة. وتجدر الاشارة أيضا إلي ضرورة أن يقوم علي شئون البرامج المقدمة في القنوات الدينية الاسلامية والمسيحية أشخاص مؤهلون ودارسون لأصول الدين ومبادئه وأن يتحلوا فيالوقت نفسه بالمهارات الاعلامية المطلوبة لتقديم هذا النوع من المضامين الاعلامية, وأن يكونوا أيضا بعيدين عن استخدام لغة الإثارة والمبالغة ودعم الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد ومن هذا المنطلق يكون من الضروري لمن من يتولون أمر هذه القنوات أن يحسنوا اختيار من يقومون بتقديم الخطاب الديني, بل يجب ان يحصل كل من يتصدي للعمل في القنوات الدينية علي إجازة بممارسة هذا العمل من جهة دينية تؤكد صلاحيته للتصدي للخطاب الديني, فضلا عن ذلك ان تتوافر في هذا الشخص المهارات اللازمة للعمل الإعلامي والتي تؤهله لأداء عمله بأسلوب يقوم علي الاحترافية بدلا من اعتماده علي لغة الإثارة والمبالغة وبث الفتن والكراهية بين الناس. ان علي القنوات الدينية أن تنظر الي الصالح العام للمجتمع الذي تعمل من خلاله وذلك بأن تعمل بعيدا عن المصالح الخاصة المرتبطة بأشخاص أو جماعات. نريد الخطاب الديني الذي يدعو الي الخير والحب والمودة والتواصل والاحترام وقبول الآخر بين أبناء الأمة مسلمين ومسيحيين لانهم بغض النظر عن دين كل منهم فإنهم ينتمون الي بلد واحد يتكلمون لغته وينتمون الي تاريخه وقيمه وتراثه ويعيشون علي أرضه ويتنفسون من هوائه. أنهم بلا شك يمثلون نسيجا مصريا واحدا. إن علي جميع أبناء مصر مسلمين ومسيحيين أن يقبل كل منهم الآخر لأن ذلك هو البداية الحقيقية لنهضة وتطور المجتمع ودفعه نحو المسار الديمقراطي.