الإسكندرية حسن إمام: هل أعادت الثورات العربية والحركات الاحتجاجية العربية شعوب المنطقة إلي الذاكرة؟ وهل تستعيد المنطقة العربية نهضتها وتنتهي حالة الجمود الفكري والثقافي؟! في البداية يؤكد أحمد عبدالفتاح المشرف العام علي متاحف وآثار الاسكندرية أن المناخ السائد في مصر الآن يتعارض تماما علي حد قوله مع استقرار الفكر والإبداع ويقول إن مصر الآن في حالة تفاعل يفتقر لقوانين التفاعل في الكيمياء مما يهدد بظهور فرانكشتين سياسي يفتك بالظروف التي أدت إلي وجوده وبصراحة شديدة فإنني لم أعتد من قبل علي هذا المناخ الذي أصاب مصر بقلق روحي ولم يؤد إلي أي من أنواع الإبداع فمصر التي عمرها10 آلاف عام. طبقا للتاريخ المكتوب تفتقر لعقد اجتماعي جديد مع فرعون يحكم مصر. في الوقت الذي يملك ملايين من أبناء هذا الشعب التوجه لميادين الإنتاج والتصنيع والبذل والعطاء في كل ميدان كل صباح بدلا من التزاحم علي ميدان التحرير ورفع شعارات واحتجاجات, ويجب ان تكون مصر فوق الجميع مصر أولا والمصريين ثانيا.ويري الشاعر مهدي بندق أن أزمة الثقافة العربية ترتبط في جمودها التاريخي بعدم تطور القوي الإنتاجية إلي الحد الذي يسمح لمجتمعاتنا العربية بالتقدم إلي عالم الصناعة الحديثة والوصول إلي موقع فعال في العالم الرأسمالي وذلك بسبب إغلاق أبواب هذا التطور من قبل الدول الصناعية الكبري التي سبقتنا واحتكرت الأسواق العالمية وليس بعيدا عن الأذهان الضربات العسكرية التي كيلت لمشروعاتنا القومية بدءا من تحطيم الأسطول المصري في موقعة نفارين البحرية ثم احتلال مصر عام1882 وإجهاض الثورة العرابية وصولا إلي ضربة1967 وإجهاض المشروع الناصري. وكل هذا لابد أن ينعكس علي الثقافة بمعناها الأشمل. هنا تتضح الأزمة بكامل عناصرها ولا أمل في الخروج من هذا المأزق التاريخي إلا بتقدم الطبقات القادمة لكي تتولي بنفسها قيادة التطور ولو عن طريق الاصطدام الثقافي بالطبقات البرجوازية المنهارة. ويأخذ بخيط الحديث الدكتور بهاء حسب الله الأستاذ بكلية الآداب قائلا لاشك أن الثورات العربية التي اشتعلت بالمنطقة وبمصر كان لها أكثر من وجه سلبي وإيجابي, فالوجه السلبي هو ما نراه الآن من تيبس الحركة الثقافية وجفافها من زاوية إقامة الندوات والمؤتمرات الثقافية ومعارض الكتب؟ ويكفينا ما رأيناه من إلغاء لمعرض القاهرة الدولي للكتاب لأول مرة في تاريخه؟ فحقيقة نحن نمر الآن بمرحلة الكارثة الثقافية كما أسماها ناقدنا الكبير الدكتور جابر عصفور, لكن يجب أن نشير إلي أن الثورة الكبيرة التي اشتعلت بمصر وبمختلف بلدان العالم العربي كان لها أكثر من وجه إيجابي, وأبرز هذه الوجوه هو انفعال الحركة الأدبية والشعرية خاصة بها؟ وتمثل ذلك في ظهور أكثر من عمل شعري رائع لشعرائها الكباروكذلك في الأزجال العامية ويمكننا بتعبير بسيط أن نقول إننا أصبحنا نمتلك ديوانا جديدا يمكننا أن نسميه ديوان ثورة25 يناير وهو ديوان في حاجة حقيقية لأكثر من دراسة وتحليل وظني أن هذه الثورة وغيرها من الثورات العربية ستترك أثرا بعيدا في الأعمال الروائية القادمة. ويضيف هذه الثورات الجديدة ستحرك أيضا الانتاج السينمائي إلي تفاصيلها وما وراء أحداثها من خلفيات إنسانية واجتماعية وسياسية. ولابد أن نعلم أن الغد سيحمل أكثر من بارقة أمل للأجيال المبدعة الجديدة والأجيال القادمة لأن أدب المستقبل سيكون بلاشك أدب المصارحة والمكاشفة والتحرر من ظلمات الخوف البائد. ويشير الشاعر جابر بسيوني إلي أن الحركات الاجتجاجية العربية والثورات كان لها أثر كبير في إعادة شعوب المنطقة العربية إلي الذاكرة وتحريك حالة الركود والجمود الفكري والثقافي بل أسقطت هذه الثورات مقولة الاستثناء العربي من الديمقراطية وأن المجتمعات العربية وخصوصيتها تجعلها عصية علي التجديد والتحديث. ومن الآثار الإيجابية لهذه الاحتجاجات أيضا تأثر الحركة الثقافية وظهور إبداعات شعرية جديدة فضلا عن إبداعات أدبية لتنشيط الحركة الأدبية والشعرية. أما الأثار السلبية لهذه الحركات الاحتجاجية فمنها حالة غليان الشارع وعدم الاستقرار وانتشار ثقافة الوقفات الاحتجاجية بدلا من العطاء والعمل وزيادة الانتاج من أجل مصر التي تستحق منا الكثير من الجهد والعمل.. ويقول الدكتور أشرف نجا جامعة عين شمس إن البشرية شهدت علي امتداد تاريخها القديم والحديث والمعاصر ثورات كثيرة في مختلف أنحاء العالم, ويبدو أنه من حسن طالع هذه الأجيال أن تعيش لحظة التحول التاريخي الإيجابي التي تعيشها الأمة العربية الآن في أكثر من قطر عربي لتشهد لحظة مخاض عصر التحول التاريخي عصر الحريات والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان, ولم تنشأ هذه الثورات فجأة أو من فراغ, بل إن الإبداع ببعض أشكاله قد مهد لحدوثها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة خصوصا في مجال الكتابة الأدبية, وهو أمر يذكرنا بدور الأدب, وتأثيره في اندلاع الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر, وكذلك دوره الرائد في ثورة روسيا الاشتراكية التي لم يقدر لها النجاح إلا في سنة1917, فالأديب بحكم حساسية تكوينه قادر علي تقديم رؤية استشراقية إبداعية تنهض علي التفاعل المعقد بين الواقع والخيال. وإذا كانت التجربة الثورية في الأقطار العربية لها أثرها السلبي بصفة مؤقتة علي النمو الاقتصادي واستقرار البلاد اجتماعيا ففي المقابل سيكون لها تأثيرها الإيجابي علي ازدهار التعليم والثقافة والإبداع بوجه عام وصياغة المجتمعات العربية صياغة جديدة بعد أن تمر الشعوب بمرحلة الامتصاص والهضم والتفاعل الحي بفعل مناخ الحرية مع مباديء الحياة الجديدة التي دعت اليها هذه الثورات بالممارسة والترسيخ وتحويل الطاقات والنشاطات الإنسانية لدي الإنسان العربي.