مدرسة نوال يؤانس تنضم لمنظومة التعليم بأسيوط بتكلفة 11.7 مليون جنيه    تضامن أسيوط تشارك في مشروع تعليمي نوعي    أسعار الفاكهة في أسواق الدقهلية اليوم الخميس 18سبتمبر 2025    الزملوط يتابع أعمال الإنشاءات بالمبنى الخدمي التابع لمركز حسن حلمي    السيسي يوافق على اتفاق لإنشاء مركز تحكم إقليمي بالإسكندرية وبروتوكول تجنب ازدواج ضريبي    الوزير " محمد صلاح ": الشركات والوحدات التابعة للوزارة تذخر بإمكانيات تصنيعية وتكنولوجية وفنية على أعلى مستوى    ارتفاع حصيلة شهداء غزة ل 65,141 مُنذ بدء الحرب على غزة    80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين من الهلال الأحمر المصري عبر قافلة زاد العزة ال40    بعد افتتاح سفارتها في القدس.. فيجي الدولة الجزرية الصغيرة التي أثارت جدلًا دوليًا    بدء إضرابات واسعة ضد خطط التقشف في فرنسا    الهلال الأحمر الفلسطيني: الوضع الصحي في غزة كارثي والمستشفيات عاجزة عن الاستيعاب    محمد صلاح يفض شراكته مع هنري ويحقق رقما تاريخيا    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    محاضرة فنية من فيريرا للاعبي الزمالك قبل مواجهة الدراويش    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    المشدد 15 عامًا لتاجري المخدرات بالشرقية    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    بعد اختفاء إسورة أثرية.. أول تحرك برلماني من المتحف المصري بالتحرير    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    عبد العاطي يلتقي وزير الصناعة السعودي    جامعة بنها الأهلية تشارك في مؤتمر "الجامعات الرقمية في العالم العربي 2025" بمسقط    الوادي الجديد تحذر: لا تتعاملوا مع وسطاء لتخصيص الأراضي    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    "الرحلة انتهت".. إقالة جديدة في الدوري المصري    "ملكة جمال".. سيرين عبدالنور تخطف الأنظار في جلسة تصوير جديدة    النقل تناشد المواطنين الالتزام بقواعد عبور المزلقانات حفاظًا على الأرواح    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    «دون ترخيص ونسخ مقلدة».. «الداخلية»: ضبط مكتبتين تبيعان كتبًا دراسية مزورة في الشرقية    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    مشتريات أجنبية تقود صعود مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات الخميس    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    "الطفولة والأمومة" يطلق حملة "واعي وغالي" لحماية الأطفال من العنف    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    جولة مفاجئة لنائب الوزير.. استبعاد مدير مناوب بمستشفى قطور المركزي    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    "الألفي": الزيادة السكانية تمثل تحديًا رئيسيًا يؤثر على جودة الخدمات    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    مفاجأة، إمام عاشور يستعد للرحيل عن الأهلي في يناير    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين فى حادث تصادم أتوبيس مع سيارة نقل بطريق مرسى علم    تحالف الأحزاب المصرية يدشن «الاتحاد الاقتصادي» لدعم خطط التنمية وحلقة وصل بين الحكومة والمواطن    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت الباشا معالي الوزير سابقا

ضعي يدك علي رأسي يا أمي كما كنت تفعلين وأنا طفل‏,‏ أنت الوحيدة الباقية لي‏,‏ لم تعاتبيني لأني لم أزورك منذ عشرين عاما‏,‏ لم أنشغل عنك فقط‏,‏ انشغللت عن العالم كله حتي نفسي‏,‏ حتي زوجتي وأصدقاء طفولتي‏,‏ وابنتي الوحيدة لم أكن أراها, حتي وجهي يا أمي لم أكن أراه, ألقي نظرة سريعة للمرآة قبل ان اخرج من البيت, لأحكم الكرافتة حول عنقي وأتأكد أن لون القميص ينسجم مع لون البدلة, إن نظرت الي وجهي في المرآة لا أراه, لم أكن أعيش في عالمكم يا أمي, هل يمكن ان اعيش في عالم آخر دون أن يتوفاني الله؟ لم اقرأ نعيي في صفحة الوفيات, لا يمكن لوزير مثلي ان يموت دون ان ينشر نعيه كبيرا في كل الصحف والاعلام, وتنظم له جنازة مهيبة يمشي فيها الناس صفوفا صفوفا يتوسط الصف الاول الباشا الكبير, مرتديا كرافتة سوداء يخفي دموعه وراء نظارة سوداء, مشهد كان يهزني من الأعماق, كان انشغالي عن عالمكم يا أمي بغير حدود, بأكثر مما يحتمل جسدي وعقلي, كان جسدي يكف عن الحركة احيانا من شدة الارهاق لكن عقلي يظل يشتغل, وقد يرهق عقلي فيكف عن العمل لكن جسدي يظل يتحرك يروح ويجيء, يذهب الي المكتب, يرأس الاجتماعات أو المؤتمرات يستقبل الوفود في المطارات يحضر الحفلات, وقد يسافر الي الخارج في مهام رفيعة المستوي, كنت يا أمي أندهش حين أري جسدي يتحرك وحده بغير عقلي, بل كنت أخاف ان كنت في اجتماع مهم يقتضي التركيز والانتباه, كان الاجتماع المهم الوحيد هو الذي يرأسه الباشا الكبير, منذ اشتغلت في الحكومة كرهت وضع المرؤوس, تعودت كتمان كراهيتي لرؤسائي, أنفس عنها في مكتبي مع المرؤوسين لي, أو في بيتي مع زوجتي كما رأيت أبي يفعل معك يا أمي, عجزت دائما عن التنفيس عن كراهيتي أمام رئيسي وان كان موظفا عاديا بالدولة فمابال ان يكون رئيس الدولة كلها, كنت أجلس يا أمي في مقعدي مشدود الجسم والعقل, منتبه الحواس شديد اليقظة, أخشي ان يسألني سؤالا لا أعرف جوابه, ان عرفت الاجابة اخشي الا تكون هي الاجابة الصحيحة, أن كانت هي الاجابة الصحيحة أخشي الا تكون الاجابة المطلوبة نعم يا أمي هذه الف باء السياسة, نتعلمها من اول درس. الاجابة الصحيحة ليست دائما الاجابة المطلوبة لكن الاجابة المطلوبة هي دائما الصحيحة, علي الوزير منا ان يكون دائم الانتباه جسدا وعقلا لالتقاط الحقيقة الصحيحة من الحقيقة غير الصحيحة, وهي مهمة شاقة جدا يا أمي, كنت اجلس في الاجتماع منتبها بعقلي وجسدي, بالاثنين معا اجلس في مقعدي يدي اليسري ساكنة في حجري, يدي اليمني ممسكة بالقلم فوق الورق جاهزا مستعدا لالتقاط الاشارة اي اشارة, ايماءة رأس غير مرئية, حركة يد او اصبع خفية, او الشفة السفلي يكورها يمطها للأمام, او انقباضة عضلة حول الفم او الأنف او العين اليسري او اليمني, أري الحركة قبل حدوثها افسرها في عقلي بسرعة, عقلي يفسرها اسرع مني, عيناي اسرع من عقلي, أذناي اسرع الجميع تسمعان صوته قبل ان ينطلق, نعم يا امي كنت أعتمد علي حواسي الخمس في هذا الاجتماع المهم, كان الثلاثة جسدي وعقلي وروحي تتحول داخل مقعدي الي كتلة واحدة عصبية شديدة الحساسية, أسلاك رادارية عارية ملفوفة حول بعضها تصنع رأسي وذراعي وصدري وبطني, أحشاء بطني ترتعش بمس كهربي متصل, ان وقفت صدفة بالقرب منه ترتجف يدي اليمني رغم انني امسكها بيدي اليسري, وكلاهما اليمني واليسري معقودتان فوق صدري او بطني, ساقاي ايضا مضمومتان ان وقفت او جلست, نعم يا أمي كانت هذه صورتي معه, حين تسقط الأضواء ليراني الناس معه احاول ان اغير شكل جسدي دون جدوي, أحاول فك يدي اليمني عن اليسري, أو احدي الساقين عن الاخري دون جدوي, أطرافي ثقيلة شبه مشلولة, تطل صورتي معه في الصحف فأخجل من نفسي, أخفي الصحف عن أسرتي, خاصة ابنتي الصغيرة كانت تشير باصبعها الرفيع الي وجهي من بين وجوه كبار رجال الدولة, وتقول لأمها ده مش بابا ياماما ترد عليها أمها بكبرياء الهوانم زوجات العظماء ده بابا ياحبيبتي معالي الباشا الوزير واقف في اول صف جنب السيد الرئيس يرن صوت زوجتي في أذني ليس صوتها, يشبه صوتها حين تمارس الحب, تخفي حقيقتها وحقيقتي منذ ليلة الزفاف في سرداب سحيق في أحشائها, أحسه تحت يدي كالدمل المزمن المتجمد أسفل بطنها,,لم أخجل يا أمي الا من ابنتي, عيناها مفتوحتان علي الافق طفوليتان, كعيون الآلهة لا يطرف لها جفن, تكشف حقيقتي والغيب, كنت تقولين لي دائما ان الاطفال مكشوف عنهم الحجاب, أصبحت اخشي النظرة في عيني ابنتي, قوية ثابتة ليست نظرة طفلة طبيعية تنظر الي ابيها, الاب, وان كان عربيدا فاسدا فهو الاب يا أمي, كان أبي الفاسق زير النساء والخمر والقمار هو الاله في عينيك يا أمي, كنت تنظرين الي ابنك باعتباره الشبل من ذاك الأسد, أصبحت أسدا يا أمي لأرضيك, الأسد الطاغي علي زوجته في البيت ومرؤوسيه في المكتب, أراهم خانعين ساجدين مطيعين فيشتد الاعجاب بنفسي, ذاتي المتفردة, نعم يا أمي في حياتي كلها لم أشهد امرأة او رجلا تحت سلطتي يخالفني, الا تلك الفتاة التي جاءت الي مكتبي قبل الثورة بشهر او اثنين أخرجتني يا أمي عن هدوئي واتزاني, ليس لأنها خالفتني الرأي, ليس لأنها شابة في العشرين وعاطلة تخاطب معالي الباشا الوزير, ليس لأنها أنثي تخاطب رجلا, ليس لانها لم تنطق لقبي المعروف معاليكم, ليس لأي سبب الا انها كانت ترفع عينيها في عينيي دون هيبة, هذه النظره الثابتة وقاحة او علي الاقل جرأة ان صدرت من رجل فبمابال امرأة ؟ استبد بي الغضب, كيف فعلت هذا ؟ استبدت بي الرغبة في المعرفة فاشتد غضبي, ليس منها هي لكن مني انا, طغي غضبي علي نفس فأصدرت أمرا باحضارها في اليوم التالي, تركتها واقفة امامي وانا جالس خلف مكتبي الفخم, استمد من فخامته ثقتي في نفسي, تركتها واقفة وأنا جالس داخل مقعدي الوزاري الوثير أميل بظهري الي الوراء أقهقه مداعبا في التليفون شخصا لا يستتحق المداعبة أردت فقط ان أشعرها أنها غير موجودة, أنني أضحك وأقهقه بكل راحتي مع صديق أو الأصح صديقة, أردت أن أثير غيرتها من امرأة أخري, لعبتنا المفضلة نحن الذكور مع الاناث, لكنها يا أمي لم تكترث بشيء, راحت تتمشي في مكتبي كأنني غير موجود, كأنها في بيتها, تتأمل اللوحات علي الجدران, توقفت عند لوحة وتمتمت بسخرية زهرة الخشخاش؟, حاولت ان أدرس تقاطيع وجهها قبل أن يتجه رأسها نحوي, لكن عيناها تحركت واستقرت نظرتها الثاقبة في عظام رأسي, كأنما سقطت عني ملابسي وتعريت, شعرت بالخجل, تذكرت نظرة ابنتي, تحول الخجل بسرعة الي غضب, فقدت أدب الباشوات مع النساء الخالي من الاحترام, ارتفع صوتي وقلت مشوحا بيدي بخشونة ذكورية مين انتي؟ مهما طلعتي أو نزلتي انتي في النهاية! امرأة مكانها في السرير مع الرجل أي امرأة طبيعية كانت تموت من الخجل لسماع هذه الكلمات, كنت أريد أن اقتلها خجلا يا أمي, لم تخجل, لم يرمش لها جفن, ظلت ترمقني بسهامها النافذة لنافوخ مخي, كأنها ليست امرأة وانا لست رجلا, كأنها ليست فتاة عاطلة وأنا الباشا الوزير, كأنها ليست هي وأنا لست أنا, كنت أشعر عن يقين يا أمي أنني أنا كما كنت, لكن باليقين نفسه شعرت أنني لست أنا, أو لم أعد أنا كما كنت, كرهتها حتي المرض, أصابتني حمي الملاريا في اليوم التالي ولزمت البيت, لم تخفض كمادات الثلج سخونتي, ذهبت الي مكتبي في الصباح التالي وطلبت الأمن, لم أهدأ حتي أدخلتها السجن, لكن الأمر لم يكن مثل كل مرة منذ ثلاثين او اربعين عاما, تغير الكون يا أمي وأصبحت البنات مثل الرجال, يتعرضن للضرب والاغتصاب في السجون, ثم يخرجن الي العالم كأنما لم يحدث شيء, يهتفن في الشوارع بأعلي أصواتهن الحرية, الحرية فسدت الأخلاق يا أمي, أعني أخلاق النساء, الرجال أخلاقهم فاسدة بالطبيعة, المفجع وغير الطبيعي هو فساد النساء, ليس كلهن فاضلات مثلك يا أمي, لم يرتفع لك صوت في البيت فما بال الشارع, بعضهن أصابهن العطب, بالذات هذه الفتاة, غضبت عليها ليس لأنها فعلت ما لم يفعله احد, بل لأنها فعلت ما لم أفعله انا نفسي, عجزت طول حياتي ان ارفع عيني في عيني ابي في البيت, او رئيسي في المكتب, كنت انت السبب يا أمي, لم أرك مرة واحدة ترفعين عينك في عين ابي, ان يهينك ويخونك وأنت كما أنت, لو رفعت عينك في عينه مرة ربما تعلمت منك الكرامة والعدل, ربما استطعت ان ارفع عينيي في عين رئيسي وأقول رأيي, كنت يا أمي مثلي الأعلي في طفولتي, أفعل ما تفعلين وأردد كلامك منذ علمتيني اللغة, لا يا أمي, انا لا اعاتبك, لكني أطلب منك ان تربتي علي رأسي بيدك الحنونة كما كنت تفعلين وأنا طفل, مأساتي الحقيقة ليس فقدان كرسي الوزير لكن المأساة كيف فقدته, لو أنني فقدته لخطأ مني كبير ربما خفت المأساة, لكني فقدته لسبب تافه غير معقول, ذلك الصباح الأسود فتحت الصحف فلم اعثر علي اسمي في الوزارة الجديدة, أصبحت فجأة ساقط قيد, كأنما سقط من فوق جسدي ولم يعد لي اسم, والتليفون الذي كان يرن كل لحظة أصبح اخرس, أسقطني هو الاخر والاخرون اسقطوني, هذا السقوط لم اعرفه في حياتي, لم أعرف حينئذ قيمة السلطة والثروة, لا نعرف قيمة الشيء الا بعد فقدانه, وهي كارثة لان الوقت يكون قد فات والفرصة ضاعت الي الابد, لم تكن الكارثة ان التليفون لم يعد يرن, الكارثة هي اكتشافي ان رنين التلفون الدائم المزعج لم يكن يزعجني بتاتا, بل كنت احبه اعشقه ادمنت عشقه مثل الخمر والنساء والسلطة والثروة, أليست كلها لذائذ الدنيا منحها الله لنا لأنه خلقنا ذكورا, كنت اجري وراء نعم الله كلها لا أشبع منها, وان اصبح لي بدل القصر الواحد اربعون قصرا, وبدل المرأة الواحدة اربع وأربعون, ؟؟ نعم يا أمي ضيعت كل نعم الله لسبب تافه, كنت جالسا ذلك اليوم المشئوم في اجتماع مجلس الوزراء, يرأسه فخامة الباشا الكبير, عن يقين كنت انا الجالس في مقعدي, لكن بيقين اخر لم اكن انا, كنت شديد الانتباه كعادتي لكني كنت عاجزا عن الانتباه في آن واحد, لأول مرة عجزت عن تركيز عقلي, أصبح عقلي يفكر بدوني, خرج عقلي عن سيطرتي, ليس لانشغالي بأمر هام, مثل التقرير السنوي الذي كنت سأعرضه مع الميزانية الجديدة, بل الكارثة يا أمي أن عقلي انشغل بشيء تافه, لا يا أمي لم أكن افكر في اي احد, كنت افكر في نفسي, أريد ان اعرف كيف اجلس في الاجتماع كعادتي ومع ذلك لست كعادتي, كنت افكر هل انا الجالس في مقعدي ام شخص اخر, واي واحد من الشخصين هو انا؟ الكارثة اني كنت اعرف ان السبب الوحيد في هذه الكارثة هو تلك الفتاة الثورجية, منذ رأيتها وعقلي لا يكف عن التفكير فيها, ليس لانها امرأة, لم تكن في نظري امرأة علي الاطلاق, لم تكن جميلة ولا اي شيء لكنها استطاعت ان تفعل شيئا خارقا للعادة, ولكل القيم التي درجنا عليها, المأساة يا أمي ليس انها فعلت ما لم يفعله احد, او ما لم افعله انا, لكن المأساة أنها منذ فعلت ذلك وأنا لم أعد انا, من هو الشخص الاخر الجالس في مقعدي؟ السؤال كان يسيطر علي عقلي دون رحمة, أطرده من رأسي بحركة متكررة بيدي اليسري كأنما اهش ذبابة عن وجهي, كانت يدي اليمني كعادتها ممسكة بالقلم فوق الورق مستعدة لأي اشارة او كلمة ينطقها فخامته, لفتت حركة يدي اليسري نظر فخامته, لأنها تكررت او لان القاعة انظف قاعة في الكون لايمكن ان تحلق فيها ذبابة, وان حلقت فالمفروض ان تظل يدي اليسري ساكنة في حجري تحت المائدة, ولا تتحرك بهذه الجرأة, تحركت عيناه نحوي يا أمي, وكنت ارتدي في كل الاجتماعات طاقية الاخفاء حتي يمر الاجتماع بسلام فلا يوجه الي اي سؤال, لم اكن اخشي السؤال يا أمي, لم اكن اخشي الا اعرف الاجابة الصحيحة, فهي سهلة بديهية, واحد+ واحد= اثنين, لكني كنت اخشي ان اقولها, نعم يا أمي لم تكن الاجابة الصحيحة هي المطلوبة, وكانت هذه هي الكارثة التي وقعت ذلك اليوم, لم أعرف من قالها انا ام الشخص الاخر الجالس في مقعدي, حين تحولت عيناه نحوي ارتجفت احشائي, تذكرت عيني ابي وانا طفل, كنت اتراجع بجسدي قليلا الي الوراء او الي الأمام كما كنت أفعل في الفصل وأنا تلميذ, بأمل أن تسقط العينان علي الجالس أمامي أو خلفي, لكني في ذلك اليوم لم أتحرك في مقعدي, كنت غائب العقل بسبب سخونة الحمي او لانشغال بالي بتلك الفتاة الثورجية, كنت جالسا جامدا كتمثال فوقعت عيناه فوقي بكل ثقلهما كما يسقط الموت, حين سألني السؤال انفتح فمي كانما فم شخص آخر ونطق الاجابة السهلة البسيطة البديهية دون تفكير, دون عقل,, نعم يا أمي لم تكن الاجابة الصحيحة هي المطلوبة, هذا هو الدرس الاول في عملي حفظته في عقلي كيف غاب عني ؟ كيف كان السبب في موتي, لا أشعر بالحزن يا أمي بل بالفرح,
بالراحة الأبدية والخلاص من العذاب, العبء الثقيل كان جاثما فوق صدري وبطني, نعم يا أمي استرحت من هذه الدنيا الكئيبة, أغادرها هذه الدنيا إلي غير رجعة, لكن الكارثة يا أمي أنني رغم هذه الراحة وأنا أغادر الدنيا لا زلت أضع التليفون بجوار رأسي, أنتظره يرن, أنتظر صوتا واحدا يناديني قبل أن أموت يا معالي الباشا الوزير.
------------------------------------- عن الكاتبة: ترجمت أعمالها إلي ثلاثين لغة في العالم وحصلت علي جوائز أدبية متعددة وعلي الدكتوراه الفخرية من عدد من جامعات العالم.
وصدرت لها الروايات التالية: الرواية, الحب في زمن النفط جنات وإبليس سقوط الإمام الأغنية الدائرية موت الرجل الوحيد علي الارض امرأة عند نقطة الصفر امرأتان في مرأة الغائب مذكرات طبيبة مذكرات طفلة اسمها سعاد زينه.
المذكرات والسيرة الذاتية: مذكراتي في سجن النساء رحلاتي حول العالم أوراقي حياتي.
مجموعات القصص القصيرة:
تعلمت الحب لحظة صدق حنان قليل الخيط والجدار موت معالي الوزير سابقا الخيط وعين الحياة أدب أم قلة أدب.
مسرحيات: الانسان إيزيس.
المؤلفات الفكرية والعلمية:
المرأة والجنس الرجل والجنس الانثي هي الاصل الوجه العاري للمرأة العربية المرأة والصراع النفسي عن المرأة معركة جديدة في قضية المرأة المرأة والغربة نوام السلطة والجنس قضايا المرأة والفكر والسياسة كسر الحدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.