في حوار مع شخصية أوروبية حول التغيير قال لي: تعودت ألا أرمي حذائي القديم قبل التأكد من أن الحذاء الجديد جيد ومريح. ولست أعلم إن كان هذا قولا مأثورا في ثقافته أم هو مبدأ شخصي يعيش به.. ولكنه في جميع الأحوال هو نوع من سياسة إدارة المخاطر. ونحن في مصر قد تخلصنا من النظام السياسي القديم ولكن لا نستطيع بعد التعرف أو حتي التنبؤ بملامح النظام الجديد. وهذا هو المأزق الذي نعيش فيه حاليا والذي يؤثر علي حركة النشاط الإقتصادي وهو عدم القدرة علي إيجاد حد أدني من الثوابت في التوجه الذي سنسير عليه في المستقبل مما يؤدي إلي صعوبة قيام أي فرد بإتخاذ قرارات, خاصة إذا كانت إقتصادية. وقد يرد البعض بأن الوقت لا يزال مبكرا وان الفترة الماضية لم تكن كافية لتحقيق هذا, أو أن عدم وجود قيادة للثورة كان أحد أسباب نجاحها وليس نقطة الضعف فيها. وبما إننا إنتظرنا فترة طويلة فلماذا لا ننتظر أيضا إنتخاب حكومة ورئيس جديدين لتولي هذه المهمة. ولكن المشكلة إننا في الحوار المجتمعي الحالي لا نركز بعد بالعمق الكافي علي قضايا المستقبل الأساسية, مثل ما هو النظام السياسي الملائم لمصر في ضوء التجارب الدولية وبما يتلاءم مع خصوصيات تركيبة الشعب المصري ودرجة ثقافته وتطوره, وما هي الأسس التي سيتم بناء عليها تحديد النظام الإقتصادي الذي سيسمح بزيادة قدرتنا التنافسية علي المستوي العالمي, والإستفادة من الطاقات الكامنة والمحتملة, وتحقيق إستقرار الاقتصاد واستدامة تقدمه علي المدي المتوسط والطويل. وفي نفس الوقت تلبية المطالب الإجتماعية, في ظل ضغوط شعبية وإرتفاع سقف التوقعات بتحسن مستوي المعيشة في أعقاب الثورة إلي مستويات غير مسبوقة. كيف سنستطيع القضاء علي الفساد في جميع مراحله خاصة في المستوي الأدني.. وما هي التكلفة وكيف يتم تعويض فئات تعيش علي ذلك بمسميات مختلفة جعلتها تعتبره من ضمن حقوقها. كيف نستطيع تغيير ثقافة العمل ليس فقط بالإنضباط وتأدية الواجب ولكن بالسعي إلي إضافة قيمة جديدة, فثقافة الإبتكار مرتبطة بالحرية. كيف نحسن منظومة المرور والسير والنظافة في الشوارع والتي إن تحققت يمكن أن تنقلنا إلي مرحلة ثقافية ومزاجية جديدة, بل قادرة علي إزالة كثير من السخط والإحباط والأمراض المرتبطة بالتلوث والإزعاج, وتكون نواة لإنضباط عام في السلوك المجتمعي. وعلي المستوي الإجتماعي كيف سنستطيع تحقيق المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات مع إذابة كل أنواع التمييز, وغيرها من القضايا الرئيسية. إن التحديات التي أمامنا كبيرة ومثيرة في ذات الوقت, وتستحق النقاش وصراع الأفكار والحلول. ولكن ما هو مطروح للحوار لا يزال محدودا.. والمصريون يحتاجون ويستحقون ما هو أكثر من هذا. ولا يتعارض ذلك مع طبيعة الشعب المصري المتدين, وأهمية الدين كركن أساسي في حياة الفرد الشخصية, ولكن حان الوقت للإنتقال من حوار يعبث بضمائر الأفراد إلي مواجهة التحديات أمام تطوير المجتمع. ولا يزال تركيزنا علي الماضي أكثر من الحاضر والمستقبل. ونحن لا نريد أن تتحول هذه الثورة إلي التوقف عند إنجازات ثورة التصحيح التي قام بها السادات وسجن خلالها رموز النظام السابق له. أو مثل الثورات التي جاءت بنظم أسوأ من سابقتها. بل نريد التركيز علي ماهية الحذاء الجديد الذي سنسير به إلي مستقبل أفضل. المزيد من مقالات ياسر صبحى