علي نولها العتيق تجلس المقدسة رسلية كما يطلقون عليها هناك في مركز نقادة علي بعد خطوات من عم محمود لينسجا معا علي نوليهما القديمين خيوط الحرير. وما بين تدوير الدولاب وتشغيل المشط تخرج أقمشة الحرير بخيطين بين مسلم وقبطي امتزجا معا في نسيج الفركة السوداني. وحتي تتذكر رسلية عاشقة النول والفركة داخل مسكنها البسيط جلست رسلية بجسدها النحيل محاولة تحسس جلستها وهي تمسك بقوة بحزمة من خيوط الحرير وعلي بعد خطوات منها جلس ابنها الأصغر سلامة والذي يتجاوز عمره ستين عاما بأشهر قليلة وبنفس المسافة جلس الشيخ محمود. وقبل أن تسرد لنا المقدسة رسلية تفاصيل حرفتها التراثية التي أمضت فيها7 عقود قالت بعفوية مفيش حاجة اسمها مسيحي ومسلم كلنا حبايب هنا وتستأنف رسلية حديثها معنا أنا طلعت للدنيا لقيت أبويا وأمي بيعملوا في الفركة السوداني وكان المسلمون يشتغلوا معانا وكنا نتشارك إما علي النول أو علي الأنتاج. وتستأنف كلمتها بذاكرتها الحديدية التي لم تصدأ بتقدم الزمن أن الفركة السوداني أوشكت علي الانقراض لعزوف الشباب عنها وأنا أجلس علي النول من الفجر وحتي المغرب. وكنا زمان ننتظر التاجر حتي يشتري كل الإنتاج لبيعه في السودان وقتما كانت هناك اتفاقيات تجارية لتصبح الفركة السوداني هنا في مصر ولا أجدعها مصنع. وتسرد المقدسة رسلية حكاية أقدم حرفة تراثية وهي صناعة الفركة التي تتميز في مصر بطول القطعة وعرضها وجمال ألوان التطريز كنا زمان بنشتري الحرير من شركة مصر للحرير ومن القليوبية أما عن الصناعة فتقول نبدأ بصباغة الخيوط الحريرية البيضاء أو حسب الألوان ثم مرحلة التدوير وهي إدخال الخيوط داخل الدولاب وهو عبارة عن بكرة كبيرة يتم تفريغها علي عيدان خشبية اسطوانية. ثم تدخل علي السدي وهو يستخدم لفرد الخيوط الحريرية حسب الأطوال وعددها وفي هذه المرحلة نبدأ في تنسيق الألوان علي طبقتين من الخيوط مفصولين عن بعضهما. وأخيرا مرحلة المشط وهي عملية للضغط علي الخيوط ذهابا وإيابا وهنا تتكون ملامح رسم الأشكال والزخرفة علي الفركة. وبصوت خافت جاءت كلمات سلامة الابن الأصغر لرسولية قائلا: المهنة أصبحت عبئا هذه الأيام وفي اليوم الواحد لا نصنع سوي قطعتين وننتظر التاجر بفارغ الصبر وأمي ترفض أن تترك هذه المهنة لانها بمعني أدق تعشق صوت النول والمشط ونحصل من القطعة الواحدة علي5 جنيهات فقط وأنا بعمل في هذه المهنة منذ20 سنة. وفي ذات المكان جاء صوت عماد زخيم صاحب محلج لصناعة الفركة قائلا: في عام1988 كان هناك بروتوكول تنسيق لعمليات الإنتاج والتصدير من مصر والسودان تحت مظلة وزارة التجارة ولكن بعد ذلك أوقف التصدير الرسمي وأصبح التصدير للفركة يتم بالجهود الذاتية وبطرق عشوائية الي جانب ارتفاع أسعار خيوط التحرير الي ثلاثة أضعاف مما كانت عليه لذلك نجد ركودا الي حد ما في هذه الحرفة التراثية رغم ان الطلب كبير ولكن نقص الأيدي العاملة عائق كبير.