لو كان الفقر رجلا لقتلته.. من هذا المنطلق استطاعت نساء قرية نقادة بمحافظة قنا التغلب علي أحوالهن المعيشية الطاحنة بهواية بسيطة تعلمنها في الصغر لتتحول الي كنز كان مفقودا كاد يطويه النسيان نتيجة احتكار فئة معينة للسوق وعدم قدرتهم علي تطوير منتجاتهم وتسويقها. تقع قرية نقادة في الجانب الغربي من النيل جنوب محافظة قنا بمسافة40 كم وتشتهر بالنسيج اليدوي وصناعة الشال اليدوي وكانت تصدر منتجاتها خاصة الفركة الحرير للسودان حيث كانوا يستخدمونها في المناسبات السعيدة لديهم إلا أن الظروف التي مرت بها السودان حالت دون الاستمرار في تصدير الفركة وأصبح هناك كساد بالصنعة وبدأ الحرفيون ينصرفون عنها ولكن السوق السياحية بمصرأصبحت مصدرا رائجا لبيع المنتجات وخاصة بعد ما أصبح هناك تنوع في الإنتاجلهذا بدأ عامل الفركة منذ سنوات تصميم شال جديد يسمي بالشال السياحي لترويجه محليا بالمدن السياحية بالإضافة إلي إنتاج شال من القطن من الرسومات وهذا النوع يصنع منه الحجاب الحريمي, الستائر, العباءات الحريمي ومنتجات أخري تتناسب مع الذوق المصري وتعد هذه الحرفة من أكثر الحرف انتشارا بمدينة نقادة فلا يكاد يخلو منزل قديم من نول يدوي لانتاج منتجاتهم المختلفة من النسيج. في حارة صغيرة كل بيوتها ملونة باللون الأزرق في تناسق جميل لا يعبر عن حالة الفقر التي يعيشها أصحابها داخل بيوتهم استقبلنا حازم محمود مدير مشروع الفركة بنقادة في بيت صغير من الطوب اللبن مكون من أربع غرف كل غرفة بها نول أو اثنان ويعد هذا البيت هو ورشة التدريب والانتاج الخاصة بجمعية الشابات المسلمات التي بحثت عن الفقراء من النساء اللاتي يملكن هواية العمل علي النول بحيث يتم تطوير مهاراتهن لتكون مصدر دخل لهن. يقول حازم إن' نقادة' تشتهر بصناعة الفركة والسجاد والشالات وكوفيات الحرير ومعظم العاملين فيه من النساء وكان يعمل نحو900 أسرة في هذه الحرفة ولكن مثل الكثير من الحرف اليدوية طالتها يد الإهمال وكادت تذوب وتنزوي لتصبح في الذاكرة والصور فقط وفي محاولة لإعادة الحياة لهذه الحرفة قام مركز الفركة والسجاد اليدوي بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة المصرية بالاهتمام بالحرفة من خلال تدريب الحرفيين الذين كانوا انصرفوا عن الحرفة وتنمية مهارة كل من يرغب في ذلك وتعليم جيل جديد ليتم تدريبهم علي إنتاج قطع فنية مبتكرة تباع في الداخل والخارج وذلك بالاستعانة بأساتذة من كلية الفنون الجميلة وفنون تطبيقية وخبراء بالصنعة وقد قام المركز بإبتكار مفروشات من القطيفة والبوكليت نالت إعجاب الجميع وحصلت علي جائزة التميز في أحدالمعارض نظرا لدقة التصميم وتناسق الألوان وتمر صناعة الفركة و السجاد بأكثر من مرحلة حتي يتم إنتاج الشال أوالمفرش أولاها صباغة الخيوط, ثانيامرحلة تدويرالخيوط, ثالثا مرحلة السداء للخيوط رابعا مرحلة اللقا بالمشسط والنير ثم تركب الخيوط, علي النول ويقوم النوال باستخدام يديه ورجليه وعينيهفي النول وبالتعاون مع مركز تحديث الصناعات المصرية يتم عمل تدريبات للحرفيين علي يد متخصصين. وأضاف حازم أن الحرفة واجهت صعوبات عديدة أهمها احتكار السوق لصالح فئة محدودة من التجار من جهة العمالة الفنية المدربة والسوق من جهة أخري ولكن مشروع تنمية الحرف اعطي لنا فرصا تسويقية جيدة وأساليب جديدة لتدريب العمالة استطاعت جذب عدد كبير من الأسر للتدريب والتعامل معنا بالقطعة حيث إن أغلبهم يلجأون للعمل بالمهنة لانهم في احتياج مادي وفي محاولة منهم للارتقاء بمستواهم المعيشي, مؤكدا أن حجم المبيعات هذا العام وصل الي80 الف جنيه. ويروي تجربة المصممين الأجانب بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة وأساتذة كلية الفنون التطبيقية حيث وفر لهم المركز الاقامة في القرية لمدة أسبوع للتدريب علي تصميمات تتواكب مع طبيعة التصدير للخارج وبالفعل نجحنا في الحصول علي عقود تصديرية بعد ان وصلنا الي منتج متميز يناسب السوق العالمية. بملامح صعيدية أصيلة كانت هدي تنظر بتركيز كبير الي النول الذي تعمل عليه فمنذ أن حضرت الورشة التدريبية التي اقامها مركز تحديث الصناعة لهن برئاسة الخبيرة الاجنبية' أنيس' التي جاءت من فرنسا لتطوير مهاراتهن وعرفت أن الدقة والجودة هما السبيل الأمثل لتميز منتجاتهن في السوق. هدي كمال فتاة صعيدية عادية تبلغ من العمر30 عاما محملة بهموم فتيات جيلها تعمل بجد واجتهاد لمساعدة اسرتها الفقيرة المكونة من أختين وأخ واحد يعمل بالنجارة فبعد وفاة والدها بدأت رحلة العناء للبحث عن عمل حتي ذهبت للتدريب علي صناعة الفركة والمنسوجات اليدوية ثم استطاعت شراء نول يدوي في بيتها لتتعلم أختها هي الأخري العمل علي النول لتصبح حرفة كل نساء البيت في أقل من ثلاثة أشهر. وأوضحت أن تكلفة النول اليدوي الذي يتم انشاؤه في حفرة تحت الأرض300 جنيه أما النوع المتقدم فيصل سعره الي1500 جنيه ويعد هذا النول اليدوي هو كل رأسمالها في هذا المشروع. تقول هدي إنها كانت تبيع منتجاتها الي أحد التجار بأسعار بخسة للغاية ولكن منذ ان تعاونت في مشروع تنمية الحرف الذي تتبناه الدولة والتي وفرت فرصا تسويقية جيدة ارتفع دخلها ضعفين وأصبح بحد أدني300 جنيه شهريا ويزيد حسب زيادة انتاجها. وأضافت أن الخبيرة الفرنسية أعطت لهن اقتراحات جديدة أهمها عدم استعمال أي منسوجات صناعية والاقتصار علي الأقطان المصرية الطويلة التيلة واستخدام الالوان الطبيعية في الصباغة كالحنة وغيرها بالاضافة إلي مساعدتهن في صنع تصميمات جديدة ورسومات مختلفة بطرق سهلة وبسيطة. صفاء احمد تبلغ من العمر20 عاما وتعمل منذ4 سنوات بالورشة التابعة لمشروع رعاية الحرف التراثية أنها أحبت المهنة جدا خاصة أنها توفر لها دخلا جيدا يساعدها في تكاليف زواجها المنتظر بعد أشهر قليلة. اما إيمان هي وأخواتها البنات الأربعة فكان لهن هذا المشروع طوق نجاة من حالة الفقر التي عشنها بعد وفاة والدهن فإيمان هي البنت الكبري وحاصلة علي ثانوية عامة لكن الظروف حالت دون استكمال دراستها في الجامعة فاتجهت الي سوق العمل لتجد في مهنة العمل علي النول وصناعة النسيج اليدوي متعة كبيرة خاصة أنها في المستقبل تستهدف أن يكون لها نول مستقل في بيتها تستطيع صنع منتجاتها وتسويقها بسهولة.