في مقال الدكتور سليمان العسكري المنشور في جريدة الأهرام بتاريخ2010/2/4 وجدنا بعض نقاط نتفق معه فيها وأخري لا نتفق. فنحن نتفق معه في رفضه استخدام الدين كوسيلة للشهرة والثروة, واستغلال عواطف العامة من الناس البسطاء لأغراض سياسية ومالية.. إلخ. ونستنكر معه ما حدث للروائي نجيب محفوظ وقتل فرج فودة. وكنا نرجو أنه يستنكر معنا الهجوم غير المبرر علي واحد من أعظم آباء الكنيسة. فيعتبر القديس كيرلس هو الأب المشترك للكنيسة الجامعة, تكرمه الكنيسة علي اختلاف طوائفها عبر العصور وفي كل مكان, من أجل قداسة سيرته ودفاعه عن الإيمان وشرحه بأسلوب روحي وعقلي مقنع, فقد جعل من حقائق الإيمان أمرا لا يؤخذ فقط بالتسليم وإنما يشرح بطريقة مقنعة للعقل بقدر ما يستطيع العقل أن يستوعب, فقد أثبت أن الحقائق الإيمانية فيها ما يمكن للعقل أن يدركه وفيها ما هو فوق العقل وليس ضده, وكما يقول جون أنطوني ماجوكين, وهو أحد أشهر أساتذة اللاهوت المعاصرين, إن الذين يهاجمون القديس كيرلس لم يقرأوا كتاباته لأنهم لو فعلوا لما هاجموه هكذا, وهذا تأكيد لما ذكره د. سليمان في مقاله بخصوص طعن الروائي نجيب محفوظ وقتل فرج فودة, فالقديس كيرلس يتعرض الآن لنفس ما ذكره د. سليمان بخصوص نجيب محفوظ وفرج فودة. يقول الكاتب إن الغوغاء من أتباع رجال الدين عذبوا هيباتيا وقتلوها بتحريض من سلطة دينية كانت تري في التفكير العقلي والعلم خطرا عليها وعلي سلطتها علي الناس, هذا الكلام لا يتفق مع الحقائق التاريخية المذكورة في أشهر المراجع التاريخية العالمية, بل هو تشويه للتاريخ. وقد ذكرنا ذلك باستفاضة في كتابنا الرد علي البهتان في رواية يوسف زيدان وهو الآن متاح لجميع القراء علي شبكة الانترنت. ولكن سنحاول الرد هنا بإيجاز فنقول إن السلطة الدينية ممثلة في البابا كيرلس الكبير لم يكن لها أدني دخل في هذا الأمر, وذلك بشهادة المؤرخين المعاصرين للحدث أنفسهم. فيلخص المؤرخ الكنسي سقراط الذي كان معاصرا لهيباتيا, الحدث بحرص بقوله: إنها( أي هيباتيا) وقعت كضحية للغيرة السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت0(SocRareS,1952P.160) ليس هناك أقل دليل يربطه القديس كيرلس) مباشرة بموت هيباتيا. لذلك فإنه من أجل الأمانة, لا يمكن حسبانها كشهيدة للهيلينية, بل يجب أن يحسب موتها بالأحري أنه نتيجة مأساوية لعنف الرعاع ضد الصراع السياسي بالإسكندرية. كتب ماجوكينMcGuckin في كتابه القديس كيرلس الإسكندري والجدل الكريستولوجي ص15,14 شرحا مختصرا لحادث هيباتيا, وبكل تعقل واتزان يشرح كيف أن هؤلاء المؤرخين الذين يتهمون القديس كيرلس بقتل هيباتيا قد جردوا الأحداث التاريخية تماما من كل ما أحاط بها من قرائن أو سياقات ووضعوا بالخطأ عبء مقتل هيباتيا علي أكتاف القديس كيرلس مع أن سقراط(408/380 450 م) المؤرخ الوحيد المعاصر للقديس كيرلس لم يوافقهم علي هذا الرأي برغم ما عرف عنه من عدم الارتياح للقديس كيرلس: يقول سقراط إن هذا الحادث لم يأت ولا بأقل ملامة علي كيرلس أو كنيسة الإسكندرية. والبعض وأشهرهم جيبونGibbon الذي يسمي الجريمة عمل كيرلس البطولي يفسرون تفسيرا خاطئا وبوقاحة هذه الملحوظة عندما يعتبرون أن القتل هو فعل كان( كيرلس) متورطا فيه شخصيا... وقد أعاد الفيلسوف الوثنيDamascius سرد الحادث خصيصا ناسبا اللوم والاشتراك في الجريمة لكيرلس شخصيا, ولكن ما كتبه كان بعد130 عام من الأحداث, وكل ما كتبه هو إجحاف واضح من البداية... وبعد جيبون جاء تشارلز كينجسلي معطيا للرومانسية اعتبارا أكبر من اعتباره للحقيقة في روايته هيباتيا, ولم يضع أي فرصة لتصوير كيرلس علي أنه الوغد الشرير في الرواية,وذلك التصوير المغالي فيه والأسطوري الذي قدمه صار هو السائد حديثا. وعلي نفس نهج تحليلJ.A.McGuckin كتب236WaceandPiercy,p قائلين: أما عن تأكيدDamascius أن كيرلس هو الذي شجع القتل... فإننا لا يمكننا أن نستند علي شهادة فيلسوف وثني عاش130 عاما بعد الحدث وكان كارها بشدة للمسيحية. ولنا ما يبررنا مع كانون روبرتسون في اعتبار ما قاله إنه افتراء لتشويه السمعة وغير مستند علي شيء. لقد بني الدكتور سليمان مقاله علي فكرة غير موجودة في نطاق الواقع, عندما قال إن زيدان في روايته قصد تمثيل فكرة التشدد الديني والعنف الذي اقترفته جماعات بشرية تجاه بعضها البعض باسم الدين. وهذا ليس من الصدق في شيء, ليت الدكتور سليمان ومن قبله الدكتور زيدان أن يستعرضا التاريخ بصدق وأمانة ويخبرا من حقيقة هو الذي استخدم فكرة التشدد الديني والعنف الذي اقترفته جماعات بشرية تجاه بعضها البعض باسم الدين. يذكر الدكتور سليمان إن رواية عزازيل تشخص واقعا إنسانيا نعيشه اليوم كما عاشته البشرية في أزمان عابرة وأماكن مختلفة, وما هذا الاقبال الشديد علي الرواية والإعجاب الواسع بها من أوساط الناس كافة... بدليل عدد مرات طباعتها الكثيرة في فترة زمنية قصيرة, إلا دليل علي أنني قرأت فيها كما قرأ فيها الآخرون, ما يثير الانتباه إلي ما يجري حولنا وفي زماننا من أفكار وأحداث متشابهة إن لم تكن متماثلة, علي حد قوله؟ كيف يقول هذا وجروحنا من جراء نجع حمادي لم تلتئم بعد؟! ولعل رواية عزازيل تكون قد ساهمت في شحن المشاعر التي أدت إلي قتل شباب مسيحيين أبرياء ليلة العيد في نجع حمادي! وهذا ما حذرنا منه منذ صدور هذه الرواية الهدامة. أما عن الاقبال الشديد علي قراءتها فربما يعود ذلك مع البعض إلي المشاهد الجنسية الفاضحة التي استغرقت ما يقرب من ثلث عدد صفحات الرواية, نحو إحدي وخمسين صفحة في وصف العلاقة الخاطئة للراهب المزعوم مع أوكتافيا الوثنية وصفا بطيئا, وثلاث وأربعين صفحة في وصف علاقة نفس الراهب المزعوم الخاطئة مع مرتا, المسيحية المطلقة, بنفس الطريقة مما يندي له الجبين.