انتهيناالي ان السنهوري في فهمه ابعاد ازمة الشرعية السياسية عقب استلاء الجيش علي الحكم في 23 يوليو 1952 كان متأرجحا وتتنازعه ثلاث قيم سياسية اولها قيم النهضة والاصلاح، وثانيها قيم القانونية والديمقراطية والليبرالية المحافظة، وثالثها، القيم العملية لعمليات التغير السياسي من خلال علاقات القوة العسكرية. كل مجموعة من القيم افترضت مفاهيم مختلفة وفي بعض الاحيان متعارضة مع المجموعتين الآخرتين. عند استيلاء الجيش لي الحكم في 1952 كان السنهوري رئيسا لمجلس الدولة في الوقت الذي شغل فيه سليمان حافظ الذي كان كارها للوفد ايضا منصب نائب رئيس مجلس الدولة. عند قيام الثورة كان البرلمان الذي يتولي مهمة التشريع منحلا فاعتمد القادة الجدد للجيش والدولة علي السنهوري وسليمان حافظ في مختلف المسائل القانونية، وعقب فشل عبدالناصر في إقناع علي ماهر بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وضرورة تشكيل وزارة جديدة لإصدار القانون وقع الاختيار اجتماع عقده مجلس قيادة الثورة بحضور محمد نجيب علي الدكتور السنهوري لرئاسة الوزارة، ولكن علي صبري أبلغ الاجتماع أن الأمريكيين لا يرحبون به لأنه سبق أن اشترك في توقيع بيان لمجلس السلم العالمي، وهو مجلس تتهمه الولاياتالمتحدة بالشيوعية، واعتذر السنهوري في الاجتماع عن عدم رئاسة الوزارة ورشح سليمان حافظ لذلك، لكن الأخير اعتذر فاستقر الرأي في الاجتماع نفسه علي محمد نجيب رئيسا للوزراء ، وتم تعيين سليمان حافظ معه نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية في 7 سبتمبر 25 إلا أنه ترك الوزارة يوم 81 يونيو 35 وخلفه في المنصب نفسه جمال عبدالناصر نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية ومن بين الفتاوي القانونية التي أصدرها السنهوري وسليمان حافظ فتوي بعدم إعادة مجلس النواب المنحل للتصديق علي مجلس الوصاية علي العرش كما كان يقضي دستور 1923، وأعلن الاثنان أن الظروف الاستثنائية التي تواجه مصر تعطي مجلس الوزراء مهمة البرلمان المنحل علي الرغم من دور السنهوري مع القادة الجدد تراكمت مواقف السنهوري لصالح نجيب . وفق رواية سليمان حافظ في: "ذكرياتي عن الثورة " ساهم اعتقاد عبد الناصر وقادة الجيش الشباب بأن السنهوري من خلال موقعه كرئيس مجلس الدولة يرمي الي قيام تكتاتورية مدنية ذات أساس قانوني تؤدي في نهاية الامر الي رجوع الجيش الي الثكنات وبالتالي عمليا تصب لصالح محمد نجيب وحلفائه من الاحزاب والاخوان في صراعه ضد عبدالناصر . ذهبت مظاهرة يوم 92 مارس 4591 إلي مجلس الدولة اقتحمت مبني المجلس واعتدت بالضرب علي الدكتور السنهوري الذي لم يعد من يومها إلي المجلس إلي أن مات عام 1791. بعبارة اخري، انقسم اعداء الوفد والليبرالية البرلمانية الي فريقين، اولا فريق نجيب والسنهوري وحافظ وماهر وبهي الدين بركات والاخوان وغيرهم، ثانيا: فريق عبد الناصر والقادة العسكريون الجدد للدولة. الفريق الاول يريد النهضة من خلال الدكتاتورية المدنية والمشاركة الحزبية المقيدة، والفريق الثاني وجد ضالته الايدلوجية في مفهوم "الفقه الثوري"، حيث قام الدكتور سيد صبري بنشر سلسلة من المقالات في أواخر يوليو 1952 بجريدة الاهرام تقول ان زعماء الانقلاب ليسوا مقيدين بنصوص الدستور الخاصة بتعيين الاوصياء لانه من المسلم به فقها انه اذا حدث انقلاب سياسي في بلد ما وكلل بالنجاح فان الدستور القائم يسقط من تلقاء نفسه وتنسخ احكامه. فالصراع كان بين منظورين في صناعة الديكتاتورية: اولاها منظور السنهوري وحلفاؤة الذي استهدف اعادة صياغة قواعد الشرعية القديمة لتتلاءم مع مرامي مفهوم الديكتاتورية المدنية ، فتم تخليق المفهوم غير الدستوري : الوصاية المؤقتة، الذي يسمح بمناورة قانونية واسعة لصالح احكام مجلس الدولة، وبالتالي ترسم الدولة القانونية باعتبارها الدولة التي يديرها قضاه مجلس الدولة ، وثانيها منظور مفهوم الفقه الثوري الذي يسمح بانتقال الحكم للجيش فيكون مجلس قيادة الثورة هو المصدر الاول والاخير للحكم والقانون. استقر الواقع والحكم للفقه الثوري، وبدأت عجلة مصادرة القوي التي يعتقد انها مؤيدة للديكتاتورية المدنية، في سبتمبر 1954 تم فصل عدد كبير من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الثلاث . انتصرت مقولة دكتاتورية العسكر لجمال عبد الناصر علي مقولة الديكتاتورية المدنية لعبد الرزاق السنهوري. اعتقد ان عبد الناصر كان يسعي لدكتاتورية مدنية، ولكن اختيار السنهوري لنجيب بدلا منه ليقود هذه الدكتاتورية دفع عبد الناصر الي تبني مفهوم ديكتاتورية العسكر . يشرح الدكتور فوزي منصور بعض تقلصات وتوترات هذه التفاعلات في 1954 بقوله: " كانت هناك دعوة لعدد محدود من أساتذة جامعة الإسكندرية، بعد أن استقرت الأمور وعادت السلطة بأكملها لمجلس قيادة الثورة، ، للقاء السيد كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة ووزير التربية والتعليم وقتئذ . كان المدعوون من كلية الحقوق ثلاثة هم المرحومون إسماعيل غانم، وفؤاد مرسي وفوزي منصور، بالإضافة إلي ثمانية أو عشرة آخرين من كليات الجامعة الأخري . وكان اللقاء في ثكنات مصطفي كامل بالإسكندرية. جلسنا حول مائدة اجتماع يتوسطها السيد الوزير، وبادرنا بالسؤال: أريد أن أعرف، أيه شكواكم وما هي مطالبكم وأنتو عاوزين أيه. تسابق عدد من الحضور إلي تقديم سلاسل طويلة من المطالب تدور كلها حول بعض نواحي النقص في الجامعة : قلة اعتمادات ونقص أجهزة المعامل، ضآلة بدلات الامتحانات ..الخ. كنا ممثلي كلية الحقوق قد ذهبنا إلي الاجتماع دون أن نلتقي أو نتفق علي شئ، واستمعنا إلي المناقشات الدائرة وانصرفنا دون أن يفتح الله علي واحد منا بكلمة واحدة . كلما تذكرت هذا اللقاء شعرت بقدر غير قليل من الضيق: جو مايو 1954 وجو اللقاء الذي تم في الثكنات." ويستمر التحليل.