في سيناريو متكرر, حل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ضيفا علي البيت الأبيض أمس- الجمعة- بعد أن شن هجوما عنيفا علي الرئيس الأمريكي باراك اوباما-هده المرة فور خطاب رياح التغيير الذي ألقاه أوباما يوم الخميس حول السياسة الأمريكية حيال التغيرات السياسية الجذرية في العالم العربي بعد ثورتي مصر وتونس. أراد أوباما من خلال الخطاب تعديل وجهة السياسة الأمريكية لتلمس وتر الشعوب بدلا من الأنظمة السلطوية الحليفة.. غضب نتانياهو من خطاب أوباما وما جاء فيه من ضرورة العودة للتفاوض علي أساس حدود ما قبل الخامس من يونيو7691 هو من النوع الظاهري المصطنع.. فما هي الأسباب.. وهل كسب الفلسطينيون بالإشارة إلي حدود الرابع من يونيو؟ لم يكن متوقعا أن يأتي أوباما بجديد فيما يخص توقف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لكن الرئيس الأمريكي-ربما عن قناعة شخصية- وصل إلي تقييم أن الصراع هو لب مأزق الولاياتالمتحدة في المنطقة ومفتاح البداية الجديدة فتحدث عن دولة فسطينية ذات سيادة منزوعة السلاح علي حدود الرابع من يونيو7691 في ظل مبادلات للأراضي بإعتباره أساس المفاوضات بين الجانبين, وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه من فوق منبر الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي إلا أن تلك المرة فتح بوابة الغضب في أوساط مؤيدي إسرائيل في واشنطن لأنه, من وجهة نظرهم, لم يضع إعتبارا لمبدأ أمن إسرائيل أولا أو لوثيقة الضمانات التي قدمها جورج بوش عام4002 والتي بموجبها لن تتم مطالبة إسرائيل بالعودة إلي حدود7691 وتبقي الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت سيطرتها. وتعتبر إسرائيل حدود4 يونيو بمثابة إنكشاف لأمنها ولا تقدم ضمانات كافية. وقد وصف دوري جولد المستشار السابق للحكومة الإسرائيلية خطاب أوباما بأنه تغيير جذري في الموقف الأمريكي وقال السناتور الجمهوري إريك سنتورام أن أوباما يلقي بإسرائيل اسفل حافلة. مصدر دبلوماسي أمريكي قال ل الأهرام أن موقف الرئيس الأمريكي حاول ان يوجد قدرا من التوازن من أجل وقف خطة توجه الفلسطينيين والعرب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنتزاع الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية, وبالتالي وضع صيغة ترضي الطرفين-من وجهة نظره- بحيث يضمن دولة بحدود واضحة للفلسطينيين علي أراضي ما قبل حرب يونيو ويلبي الإحتياجات الأمنية الإسرائيلية في دولة منزوعة السلاح ووجود إسرائيلي في غور الأردن والتأكيد علي يهودية الدولة. ويهاجم أنصار إسرائيل الرئيس أوباما رغم أنه لم يأت بجديد بسبب ما سموه إقراره مبدأ للسياسة الأمريكية الرسمية طالما سعت السلطة الفلسطينية طويلا من أجل أن حمل إسرائيل علي القبول به كشرط لإستئناف المفاوضات. وحسب الصحفي جاكسون ديل في صحيفة واشنطن بوست فقد حاول مستشارو أوباما إقناعه بعدم تضمين الخطاب تلك الفقرة عن حدود76 إلا أن الرئيس الأمريكي صمم علي موقفه- مثلما فعل العام الماضي عندما أصر علي شرط تجميد الإستيطان وفشل في إلزام إسرائيل به. ويقول الباحث روبرت ساتلوف من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني ان الرئيس الأمريكي قد شتت الأنظار عن خطاب مهم لدعم السعي إلي الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو ما لم يكن مطلوبا في تلك الظروف. في المقابل, يرد دبلوماسي عربي, رفض الكشف عن هويته, علي الطرح السابق برفض خطاب أوباما برمته لأنه يعتبر تراجعا عما ورد في خطابه أمام الجمعية العامة قبل شهور قليلة عن تأييد الدولة وعدم الإشارة إلي وضع القدس أو عدم شرعية المستوطنات, وقال المصدر أن الرئيس الأمريكي يتحدث عن أمن إسرائيل في إطار عملية السلام, وهو تراجع أسوأ من موقف بوش. وقال: إن الرئيس الأمريكي في خطاب الخريف الماضي أكد انه سوف يساند ظهور دولة فلسطينية بعد عام واحد فقط وفي سبتمبر المقبل يكون العام قد حل لكن إسرائيل غير مستعدة اليوم وكانت سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة قد صرحت عقب الخطاب مباشرة أن الرئيس أوباما يدعو الجميع إلي العودة إلي مائدة التفاوض.. وأن الولاياتالمتحدة لن تدعم أي جهود لمساندة إعلان الدولة الفلسطينية سواء في الأممالمتحدة او غيرها من المنظمات الدولية المتعددة الأطراف. كما قالت رايس أن إعلان قيام دولة لا يكون بورقة من الأممالمتحدة متناسية أن قرار تقسيم فلسطين صدر بقرار أممي عام7491 وهو القرار الدي إعترفت دولة مختلفة بموجبه بدولة إسرائيل. ويثير انصار إسرائيل عاصفة غبار كثيف علي أي تحرك للتسوية السياسية في المرحلة الراهنة, فعلي سبيل المثال, يقول إيريك فروم المستشار السابق للرئيس جورج بوش وصاحب مصطلح محور الشر أن رؤية إسرائيل ليست تعيين حدود الدولة, ولكن مدي إلتزام الفلسطينيين بأمن إسرائيل. الأمر الأخر أن أوباما لم يطرح ما يسمي بخطة لتغيير قواعد اللعبة في عملية التفاوض بين الطرفين وبالتالي يعلم نتانياهو سلفا أن نداءات الرئيس الأمريكي بلا قوة دفع حقيقية حيث لا يوجد إطار يستطيع من خلاله فرض تقدم علي مائدة المفاوضات. وقد عبرت خاتمة إفتتاحية صحيفة نيويورك تايمز أمس عن ورطة غياب رؤية قادرة علي دفع الطرفين إلي التفاوض المثمر بقولها نشاطر أوباما الإحباط بشأن عملية السلام المتعثرة وجهود ادارته التي فشلت في التوصل الي اتفاق تلك الإحباطات لن تؤدي الا الي الاسوأ. فعندما يلقي نتنياهو خطابه في الكونجرس الاسبوع القادم, من المرجح أن يكرر كل تلك الأسباب التي تجعل اسرائيل غير قادرة علي تقديم تنازلات. وفي سبتمبر, سيطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية.. كان أوباما محقا في تحذيره الفلسطينيين أن إجراءات رمزية من هذا القبيل, ستعوق اقامة دولة مستقلة. لكن التصويت سيكون أيضا عزلة لاسرائيل والولاياتالمتحدة معا. ويجب علي واشنطن وحلفائها وضع خريطة طريق علي المائدة وتحدي كلا الجانبين لاستئناف المفاوضات. وهذا هو أفضل فرصة لكسر الجمود, وأفضل فرصة للسلام.