أثار الخطاب الذي ألقاه الخميس الماضي الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مقر وزارة الخارجية بواشنطن ردود أفعال واسعة في العالم العربي والإسلامي، وتناوله المحللون بالنقد خاصة أنه يجيء بعد شهور قليلة من اندلاع الثورات العربية. الخطاب الذي تناول الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة تجاه التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط والعالم العربي وعملية السلام لم يخف بصمات الحفاظ علي المصالح الأمريكية والتي بدت و كأنها لا تتغير، وإنما تتغير فقط الكيفية التي تحاول بها واشنطن حمايتها. تناقضات أوباما أسوأ ما في خطاب أوباما هو سرعة تغيير التحالفات، فالنظام الأمريكي كان من أكبر مؤيدي الأنظمة التي قامت الثورات العربية لإسقاطها. فالآن وبعد فرض إرادة الشعوب، يسعي أوباما لكسب ثقتها، وهو ما يقود إلي نقطة سيئة أخري وهو عرض مساندة الشعوب بالمعونات الأمريكية متجاهلاً بذلك رغبة الشعوب العربية في السيادة والاستقلال عن الأجندات الغربية. ويثير خطاب أوباما الشكوك حول مفهومه للديمقراطية في العالم العربي، ففي الوقت الذي تحدث فيه بإيجابية عن إنجازات الثورات تجنب تماماً الحديث عن أنظمة شمولية عربية أخري لا تزال تفتقد الديمقراطية والحريات المدنية، وهي أنظمة حليفة للولايات المتحدة حتي الآن. وتطرق الرئيس الأمريكي في خطابه إلي العديد من القضايا العربية، وفي إشارة إلي الوضع بسوريا قال"علي الرئيس بشار الأسد أن يقود التحول في بلده أو يتنحي جانباً". وطالب النظام في سوريا بالبدء في حوار جاد للنهوض بالتحول الديمقراطي حتي لا يكون معزولاً. واعتبر أوباما أن سوريا من حلفاء إيران التي انتقد نظامها قائلاً "النظام الإيراني منافق لأنه يتحدث عن دعم المظاهرات في الخارج بينما يقمع المتظاهرين بالداخل" متهماً إياه باستغلال المظاهرات في البحرين أيضاً. وفيما يخص الأحداث في اليمن وليبيا، فأشار أوباما إلي أن إرادة الشعب ستنتصر في النهاية. دعم إقامة دولتين وتناول أوباما القضية الفلسطينية في خطابه، وأكد دعمه لفكرة إقامة الدولتين والعودة لحدود 1967 وهو ما اعتبره الكثيرون أحد إيجابيات الخطاب علي الرغم من رفض حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لمضمون الخطاب. ورفض الرئيس الأمريكي جهود الفلسطينيين لطرح إعلان دولتهم علي الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وقال "إن جهود تجريد إسرائيل من الشرعية ستنتهي إلي الفشل والتحركات الرمزية لعزل إسرائيل بالأممالمتحدة لن تخلق دولة مستقلة". وأكد أوباما مجدداً علي متانة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، ووصف الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل بأنه "لا يهتز". وأشار الرئيس الأمريكي إلي أن أي محاولات لنزع الشرعية عن إسرائيل لن تخلق دولة فلسطينية لأن أي اتفاق لإقامة دولة فلسطينية يجب أن يعتمد علي حدود 1967 مع مبادلات لأراض يتفق عليها الطرفان، واقترح أوباما إعطاء الأولية في المرحلة الأولي لقضيتي الأمن والحدود قبل أن يتم التفاوض بشأن القضايا الأخري . وفي الوقت الذي رحبت فيه السلطة الفلسطينية بالخطاب، اعتبر القيادي في حركة حماس الوزير السابق وصفي قبها خطاب أوباما مخيبا للآمال لمحاولته الالتفاف علي حقوق الشعب الفلسطيني بالحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية "ضمن" حدود 67 وليس "علي" حدود 67 . وانتقد الوزير السابق عدم تطرق أوباما للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، أو لسياسات الاستيطان. ووصفت حركة حماس خطاب أوباما بأنه "فارغ المضمون" ودعت السلطة الفلسطينية إلي رفضه. وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري إن الشعوب العربية لا تحتاج دروس أوباما حول الديمقراطية، "وهو الأولي بهذه الدروس في ظل دعمه المطلق للجرائم الإسرائيلية وإعلانه في الخطاب رفضه مجرد التنديد بالاحتلال الإسرائيلي". انتقادات إقليمية من ناحيته، اعترض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علي أي انسحاب إلي ما أسماه حدود "لا يمكن الدفاع عنها" مؤكداً علي إن إمكانية إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تأتي علي حساب وجود إسرائيل. وطالب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إسرائيل في انتظار تأكيد من الرئيس أوباما لالتزامات الولاياتالمتحدة التي قدمت لإسرائيل عام 2004 والتي تتضمن احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبري في إطار أي اتفاق للسلام مع الفلسطينيين. كان حزب الله في طليعة منتقدي خطاب أوباما، قال الحزب في بيان له "إن الخطاب الاستعلائي للرئيس الأمريكي لم يفاجئه إلا في مستوي الوقاحة الفجة والتزييف في تناوله للعديد من القضايا، مما يعكس حقيقة سياسات الإدارة الأمريكية في تضليل الرأي العام وممارسة التعمية علي الجرائم الأمريكية الصهيونية. الإدارة الأمريكية التي كانت حتي الأمس الحليف الأول والداعم الأكبر لأنظمة الطغيان والدكتاتوريات العربية التي أذاقت شعوبها صنوف الإذلال والعذاب، أصبحت تقدم نفسها اليوم علي أنها الصديق الحميم لهذه الشعوب والحريصة علي ثوراتها، في محاولة مفضوحة ويائسة لمصادرة هذه الثورات وتدجينها وتحريفها عن مقاصدها وأهدافها النبيلة في الحرية والكرامة والاستقلال الحقيقي". اعتبرت دمشق أن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يأت بجديد فقد جدد الالتزام بأمن إسرائيل، وربط دعم بلاده للتغيير في الشرق الأوسط بخدمة مصالح الولاياتالمتحدة وأمنها. وقالت صحيفة البعث الناطقة باسم الحزب الحاكم "تمخض الجبل الأمريكي فولد فأراً، والخطاب الذي انتظره الشرق الأوسط طوال الأسابيع الماضية، خيب التوقعات كما هو معهود دائماً". واعتبرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الخطاب جاء تحريضياً "ليؤكد حقيقة التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية لدول المنطقة في مخالفة فاضحة لشريعة الأممالمتحدة". اعتبر المتحدث باسم الحكومة الليبية موسي إبراهيم أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يفتقد الواقع في حديثه عن الملف الليبي، وقال إن "اوباما لا يزال يهذي. فهو يصدق الأكاذيب التي تنشرها حكومته ووسائل إعلامه في كل مكان. لم يثبتوا أي شيء ضدنا ويرفضون إجراء أي تحقيق حولنا. ليس أوباما من يقرر ما إذا كان معمر القذافي سيغادر ليبيا أم لا. إن الشعب الليبي هو من يقرر مصيره". انتقادات أمريكية وقوبل خطاب أوباما بانتقاد داخلي في الولاياتالمتحدة، ووصفته مجلة فورين بوليسي Foreign Policy بأنه لم يأت بالجديد وبأنه "جاء في ظل ضعف التأثير الأمريكي بالمنطقة ودفاع كل طرف عن مصالحه، عارض نتنياهو مثلا دولة فلسطينية بحدود 1967 وهو أقصي التزام استطاع أوباما أن يقدمه بقضية سلام الشرق الأوسط". كما اتهم العديد من الجمهوريين ومن بينهم عدة مرشحين للانتخابات الرئاسية عام 2012 الرئيس باراك أوباما بخيانة إسرائيل في خطابه بإعلانه للمرة الأولي تأييده قيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 . وفي الوقت نفسه، أظهر استطلاع للرأي انقسام المواطنين الأمريكيين بشأن إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأفاد الاستطلاع الذي أجرته جامعة سوفولك أن 43 بالمائة يعتقدون أنه ينبغي إعادة انتخاب أوباما، مقابل 48 بالمائة ممن قالوا إنهم يؤيدون انتخاب رئيس جديد. خطاب أوباما حول الشرق الأوسط لم يقدم الجديد لطموحات الشعوب في المنطقة، وكشف ضعف موقف الولاياتالمتحدة التي أثبتت جميع استراتيجياتها في المنطقة فشلها في تحقيق التحول الديمقراطي الذي بدأ بالحدوث بالفعل بتحرك إرادة الشعوب للتغيير، وهو ما شاهدناه بالفعل من خلال الثورات العربية. إعلان الرئيس باراك أوباما عن الخطة الأمريكية لمساعدة مصر اقتصادياً من خلال إعفائها من ديون بقيمة مليار دولار ومنحها ضمانات قروض بقيمة مليار دولار لم تنجح في استمالة الشعب المصري وكسب ثقته فشتان ما بين وعود أوباما في خطابه الذي ألقاه في القاهرة عام 2009 وبين خطابه الأخير من واشنطن الذي أشار فيه إلي أن واشنطن ستتأكد بنفسها من كيفية إنفاق المساعدات الجديدة المزمع تقديمها لمصر، وهو ما اعتبره المراقبون تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي المصري علي غرار ما كان يحدث ما قبل الثورة. خطاب القاهرة كان يقدم وعوداً معنوية ونفسية باحترام الشرق وثقافته وحضارته ودياناته وعلي رأسها الإسلام من أجل تهيئة الأجواء لتقبل السياسات الأمريكية في المنطقة. خطاب واشنطن الأخير إن كان فيه ما يدعو للاحترام فهو أنه بدا أكثر واقعية و أكثر احتراماً لعقلية الشعوب العربية لأنه كان صريحاً في تأكيده علي فهم الإدارة الأمريكية أن زمن الاعتماد علي الأنظمة الشمولية الحليفة قد ولي، وعلي أن مستقبل أي استراتيجية أمريكية في المنطقة لابد أن ينطلق من تقبل الشعوب لها.