الكاتب الدكتور وجدي زيد استاذ الأدب الانجليزي بآداب القاهرة ومدير مركز اللغات الأجنبية والترجمة بجامعة القاهرة والملحق الثقافي لمصر في واشنطن سابقا. والمستشار الثقافي السابق بجامعة جورجيا اتلانتا الأمريكية, كان أول من تنبأ بنهاية نظام الرئيس السابق حسني مبارك وسجل نبوءته في مسرحية اختار لها عنوان الفرعون الأخير والتي عرضت في واشنطن واتلانتا عامي2002 2003 وعندما أراد عرضها في مصر تم منعها.. والاسباب معروفة!! المدهش في الأمر أن هناك تساؤلات تزامنت مع عرض مسرحيته بأمريكا.. فكيف يكتبها ضد نظام هو جزء منه بل ويمثله كملحق ثقافي في أكبر دولة بالعالم؟! ولأنه صادق مع نفسه ولا يكتب إلا ما يقتنع به فقد ظل يكتب مقالات تثير الرأي العام وتتناول قضايا مهمة ونشر بعضها في الأهرام عندما كان مستشارا ثقافيا لمصر بتركيا. وكانت عناوين مقالاته خير تعبير عن ثوريته ضد النظام ومنها: الكرسي والخروج من التاريخ نهاية حلم سرقة آخر الليل حق العين لمن يهمه الأمر.. لكن بداية منع نشر مقالاته بمصر كانت بمقالين عن الديمقراطية والاخلاق قال فيهما: إذا خلا مجتمع من الديمقراطية فهو مجتمع بلا أخلاق!! لكنه نشر مقاله في جريدة المصري اليوم وتبعه بمقال آخر عنوانه الخروج الآمن والتغيير قبل أن يتوقف نشر مقالاته لشهور عديدة. في هذا الحوار بادرت بسؤاله: ما الذي تدور حوله مسرحية الفرعون الأخير؟ المسرحية تقدم اخناتون وهو يحاول تطبيق مفهوم التوحيد علي الأرض عمليا فيصبح مثل كل الناس يتساوي معهم في المأكل والمشرب والمسكن وكل شيء لكن الكهنة وكل المستفيدين حوله يرفضون ويجبرونه علي أن يعود مرة أخري إلها في الأرض وهكذا يموت حلمه في أن يكون الفرعون الأخير أو يقضي علي صناعة الفرعنة والفرعون!! كيف جاءت لك فكرة الفرعون الأخير؟ قبل أن أقوم بكتابة المسرحية بالفعل عام2001 وعرضت عام2003 زرت تل العمارنة1976 التي شهدت نهاية إخناتون في غرب نهر النيل وفوجئت باختفاء كل الاثار وتساءلت: أين اختفت؟ ولماذا اختفت كل آثار هذا الفرعون؟ وما الذي فعله حتي يشوهوا صورته؟ فلابد أن يكون هاجمهم في معتقداتهم! وبمعايشتي لهذه القصة لسنوات طويلة بعد ذلك حتي العام الذي كتبت فيه المسرحية أدركت أنه لابد أن يكون هذا المعتقد الذي هاجمه هو الشرك بالله لأنه نقيض التوحيد, وللأسف لابد أن أقول إذا استمرت صناعة الفرعنة والفرعون والتي استمرت لمدة آلاف السنين من قبل ومازلنا نعيشها فمعني ذلك اننا نعيش حالة شرك بالله دون أن نعي, وأن الديمقراطية شرط من شروط حتميته وجود العدل بين الناس والتوجه لإيجاد هؤلاء الناس فالخالق واحد. كيف للشعب المصري أن يتخلص من موروث استمر لآلاف السنين؟ أخشي أن أفصح لك بأننا كمجتمع غير مدركين لهذه المسألة, لكن إذا توافر الوعي الكامل والإرادة الخالصة لإعادة تشكيل العقل المصري فهناك ثلاث وزارات معنية بذلك وهي وزارات التعليم والاعلام والثقافة حيث تستطيع وزارة التعليم أن تحدث التغيير الاستراتيجي نحو الديمقراطية في الطلاب من خلال تدريبهم من الصغر علي المشاركة في تقييم العملية التعليمية ذاتها واختيار قادتها والقائمين عليها؟ - أما وزارة الاعلام فدورها أكثر مباشرة ونتاجها سريع وملموس علي المدي القصير ولابد أن يصبح الاعلام معبرا عن الشارع وليس الفرعون, فبعد ثورة25 يناير يجب أن يصبح الشارع المصري والبيت المصري والمدرسة والجامعة والمصنع في مصرهم صناع الاعلام, بمعني أن الذي ينتج ويتفوق في هذه المؤسسات يصبح النجم ومحط أنظار المجتمع, هكذا يساعد الاعلام في نهضة المجتمع وليس تكريسا لنظام أو فرد. أما وزارة الثقافة فلقد تواجدت طوال السنوات الماضية ومازالت للأسف بعد الثورة, بلا مشروع فكري يرتبط بطموح النهضة المطلوبة بعد الثورة وستعيش مصر للأسف سنوات قادمة في حرب مع جسد فرعون حتي تنتهي صناعة الفرعنة!. ومن الممكن أن نمارس الديمقراطية في مناهجنا الدراسية بشكل صادق وحقيقي فعال فلا يأتي كل قيادات المؤسسات التعليمية الا بالانتخاب وبقدر عطائهم وقدراتهم ومن خلال قيادات هذه الوزارات لابد من إيجاد بنية فكرية تعيد تأهيل العقل المصري وإعداده للديمقراطية وتغيير المجتمع. وكيف يتحقق ذلك؟ الغريب أن الحكومات السابقة علي مدار30 عاما وهي فترة حكم الرئيس السابق استطاعت وبمهنية عالية إبعاد العقل المصري عن كل ما هو حقيقي وصادق ورغم عشرات الأقمار الصناعية ومئات المحطات التليفزيونية الفضائية فشلنا ومازلنا أمام قناة الجزيرة في متابعة الخبر بحيادية, والأغرب من ذلك ان وسائل الإعلام فرغت عقول المصريين من كل ما هو صادق أقول وهو المؤلم حتي وقتنا هذا إننا غير مدركين للدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه هذه الوزارات الثلاث. وماذا عن المرحلة الانتقالية الحالية؟ هذه المرحلة أولي بهذا الاهتمام الذي يجب أن توليه لهذه الوزارات الثلاث لانها ستساعد الشعب المصري في اختيار رئيسه القادم ومجلسي الشعب والشوري وكل قيادات المجالس الشعبية والمحلية, وأقول محذرا إننا إذا لم ننتبه لذلك سنكون بذلك نكرس للوضع السابق الفاسد بقصد أو بغير قصد لابد من تغيير كل قيادات هذه الوزارات الثلاثة, وتأتي كوادر جديدة تحمل في طياتها فكرا يقيم بنية لكل انشطتها. أنت صاحب فكرة المشترك الثقافي فما هو؟ هو برنامج ثقافي معني بدعم كل القيم العليا والمعاني النبيلة وكل الأحكام المشتركة بين الثقافات المختلفة, ولقد أثبت هذا البرنامج نجاحا كبيرا علي مدي السنوات الخمس السابقة فكان هناك عشرات اللقاءات المشتركة التي سبقت المؤتمر الدولي الأولي للمشترك في جامعة القاهرة عام 2006 وشملت ابحاثه المشترك في مجالات الدين والاقتصاد والسياسة والابداع. وهذا البرنامج يمكن أن يصبح أساسا فكريا لبيت العائلة الذي افتتحه الدكتور أحمد الطيب ومن المنتظر انعقاد المؤتمر الثاني الدولي في روما في شهر يونيه من هذا العام ويتحدث حول المشترك الديني أساسا للمنظومة العالمية للأخلاق. ويشارك في جميع الأديان السماوية كما أتمني أن نأخذ هذا البرنامج ليصبح النواة العقلية داخليا وخارجيا. كنت أحد الذين تنبأوا بالثورة, كيف تري الأمور الآن وإلي أين نتجه؟ نحن نعيش في مرحلة الريبة والفتنة وقد يخطف الثورة جسد الفرعون لقد قطعنا رأس الفرعون ولكن مازال الجسد يعيش ويتحرك ويحكم وهو قادر علي صناعة الفرعون مرة أخري وسنتأكد من صدق هذا إذا استمر عدم الاكتراث بالثلاث الوزارات. أتضرع واتوجه إلي الله سبحانه وتعالي كما أكرمنا بنجاح الثورة في البداية مثل نصر أكتوبر73 ألا يتركنا لهذه الريبة والفتنة وألا يعود إلينا أشباه الأبطال ووجوه كل عصر ولقد ذكر الله مصر في القرآن وكنت قبل الثورة أتذكر ذلك. كيف تتصور المشهد الأخير لثورة25 يناير كما تخيلته في مسرحية الفرعون الأخير منذ عشر سنوات؟ في المشهد الأخير في مسرحية الفرعون الأخير يطلب الملك إخناتون من الشاب الثوري الذين قطعوا لسانه حتي لا يقول الحقيقة, يطلب منه ان يقتله فيكون شهيدا لحلمه لأن الشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون في الجنة والمعني الحقيقي هنا الذي أتوقع أن تعيشه مصر لسنوات طويلة قادمة هو أن الخلاص من الفرعنة وصناعتها سيأخذ وقتا طويلا وجهدا وإرادة من الشعب المصري وسيظل التحدي أمام الشعب المصري هو ألا يسمح أبدا بعودة الفرعنة والفرعون الأخير إلي ثقافته.. هذا هو التحدي والحلم معا. متي نقرأ لك مرة أخري في الأهرام؟ أنا فخور بأن القارئ المصري قد تعرف علي من خلال الأهرام لانها بالنسبة لي ولكل مصري هي الجريدة الأولي وحالها مقياس لكل ما يحدث في مصر, وأتمني أن أعود قريبا إن شاء الله للكتابة فيها. وماذا عن تجربتك كمستشار ثقافي؟! للأسف كانت صعبة, وربما لا يعرف الكثيرون أنه لم يكن هناك مقر للمكتب الثقافي ولا توجد مرتبات لعدة شهور, وحينما جاءت المرتبات متأخرة قمنا بصرفها علي المكتب وإيجاره وتأثيثه, وهكذا لمدة22 شهرا وعندما توجهت بالشكوي انقلبت المسألة وبدأت المشكلات والعراقيل, ومع كل ذلك أقمت3 مؤتمرات علمية وعشرات اللقاءات التي أشادت بها الجهات التركية والمصرية, وفي شهور قليلة أصبح مكتبنا من أفضل المكاتب الثقافية بأقل التكاليف. باختصار كان هناك من يريد الفشل لأول مكتب ثقافي في تركيا, وكان هناك من أبعدني الي هناك, وأريد أن أقول إن القادم أصعب لكنه أكثر أهمية وضرورة النظر الي الأمام وعدم تبديد الوقت في الحديث عن الماضي ومؤامراته, فالأهم هو بناء الحاضر والمستقبل ولايمكن عمل ذلك ونحن ننظر الي الخلف. [email protected]